المقالات
مكتبة كتاب المقالات والأعمدة
د.سعاد ابراهيم عيسي
الحكومة ذات القاعدة العريضة ليست هي المخرج
الحكومة ذات القاعدة العريضة ليست هي المخرج
11-16-2011 11:42 AM

ية
الأخبار


في الشأن العام-د.سعاد ابراهيم عيسي
في الشأن العام
الحكومة ذات القاعدة العريضة ليست هي المخرج

د.سعاد ابراهيم عيسي

مضت أربعة أشهر تقريبا، منذ أن أعلن الجنوب استقلاله عن الشمال، وحكومة المؤتمر الوطني في محنة تبحث عن الكيفية التي سيحكم بها ما تبقى من السودان. وبعد جهد جهيد، تفتقت عبقريتها عن طرح فكرة الحكومة ذات القاعدة العريضة، التي تسع الجميع. وهى ترى أن تلك الفكرة هي التي ستخدم كل أغراضها، وفى مقدمتها ضمان استمرارها في السلطة دون تعديل أو تبديل، كما وبدون تهديدات بإسقاطها من جانب أحزاب المعارضة، التي ستصبح بموجب تلك الفكرة، جزءا من السلطة، بما لا يسمح لها بمعارضتها والتلويح باقتلاعها من جذورها بين فينة وأخرى. ويبدو ا? المؤتمر الوطني وهو يطرح تلك الفكرة، اعتمد على اعتقاده الراسخ في ضعف أحزاب المعارضة أمام السلطة وبريقها، الذى خبا تماما، ومن ثم فإن التلويح لها بأى عدد من مقاعدها، سيغريها بالاستجابة لنداء المشاركة وبأسرع ما يكون، لكن خاب ظنه، عندما فاجأته تلك الأحزاب برفضها لكل عروضه البائسة لأجل المشاركة.
ان الحديث عن تشكيل حكومة ذات قاعدة عريضة، والذي كثر في الآونة الأخيرة، كان من المفترض ألا يتم بمعزل عن إطار المعالجات الشاملة لكل أوجه الحكم، من خطط وبرامج ومناهج تنفيذ، حتى تتسق مع وضع السودان الجديد، بعد فقده لثلث مساحته وقاطنيها، إضافة إلى نسبة مقدرة من ثرواته، وجميعها مستجدات تستوجب مثل تلك المعالجات، هذا بصرف النظر عن مستجد الوضع العالمي الجديد، من ثورات عربية، وضعت اللبنة المتينة لإمكانية اقتلاع كل الحكومات الظالمة والباطشة لشعوبها، ومن بعد فتحت الباب لثورات أخرى، بأهداف أخرى، أخذت تنتظم العالم الخ?رجي، بما فيه الحكومات الديمقراطية والمانحة لحريات شعوبها والراعية لحقوقها وبحكم قوانينها، الأمر الذى يستوجب أخذه في الحسبان أيضا. كما وان المشاركة في الحكم لا تعنى الجلوس على مقاعد الجهاز التنفيذي وحده، ولكنها مشاركة في كل أجهزة الحكم من تنفيذية وتشريعية وغيرها.
فقد قلنا أكثر من مرة، ان أي حكم راشد، يجب أن يرتكز على قاعدتين أساسيتين تمثلهما الحكومة والمعارضة. حيث يتم انتخابهما ديمقراطيا في إطار التبادل السلمي للسلطة. غير أن الحكومات التي تصل إلى السلطة عبر الانقلابات العسكرية، وهى تعلم مدى رفض غالبية الجماهير لها، كثيرا ما تحاول أن تضفى على حكمها بعضا من الشرعية الجماهيرية، عبر تكوينها لأحزابها التي تقوم على أنقاض كل الأحزاب الأخرى، التي تم حلها وإلغاء شرعيتها، مجرد أن تبلغ انقلاباتها غايتها. وهى الأحزاب التي يطلق عليها أحزاب شمولية، رغم إنها لا تشمل إلا مناصري ا?حكومة الانقلابية. وحكومة الإنقاذ على رأس مثل تلك الحكومات التي اغتصبت السلطة ومن بعد حاولت تقنينها عبر تكوين حزبها المؤتمر الوطني، ثم عبر انتخابات انفردت بخوضها وبحصد نتائجها، بعد ان قاطعتها كل الأحزاب الأخرى ذات الوزن والتاريخ. لذلك فحكومة المؤتمر الوطني لا ترى في وجود أية معارضة في الحكم أكثر من كونها (خميرة عكننة) لابد من التخلص منها، فاتت بفكرة الحكومة ذات القاعدة العريضة والدعوة للمشاركة فيها في التفاف حول هدفها الرئيس من تلك المشاركة. غير ان مراوغة الحكومة ومحاولاتها خداع المعارضة، لم تكن وليد محا?لتها الأخيرة هذه، ولكنها امتداد لمختلف محاولاتها السابقة ومنذ مقدمها.
لكن ما يثير الحيرة ان أحزاب المعارضة التي لدغت من جحر المؤتمر الوطني أكثر من مرة، تظل على استعداد تام لمد يدها لذات الجحر مرة أخرى، متى تمت دعوتها إليه. فمنذ ان قادت مفاوضات السلام بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان، إلى اتفاق بين الجانبين تقاسما بموجبه حكم السودان، مع إقصاء متعمد لكل الأحزاب الأخرى، بدأت مرحلة المفاوضات بين كل من تلك الأحزاب وحزب المؤتمر الوطني، بحثا عن اتفاق يلحقهم بقطار السلطة الذى انفرد باعتلائه هو وشريكته الحركة الشعبية، ولم يوفق أي منها، أي الأحزاب، في إبرام اتفاق مع ?لمؤتمر الوطني، فأثمر نفعا. فحزب الأمة القومي، بدأ تلك المرحلة باتفاق جيبوتي الذى تم وأده في مهده، ولم يقنعه ذلك بان المؤتمر الوطني لا ولم ولن يلتزم بعهد، إلا لمصلحته الخاصة، فأقبل على مفاوضات أخرى أطلق عليها اسم التراضي الوطني. وقد شبه زعيم حزب الأمة ذلك الاتفاق بمركب نوح، التي دعا الآخرين للصعود إليها، وإلا فمصيرهم الغرق، وللأسف غرقت المركب بمن فيها بينما نجا الرافضون اعتلائها. أما الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، فهو أيضا لم يتخلف عن ركب المفاوضات، فبدأها قبل ان تعود قياداته إلى السودان، وتوصل بموجبها إ?ى ما أسماه اتفاق القاهرة. ذلك الاتفاق الذى لم يتمخض عن أي نفع يذكر، بل لا زالت بنوده حبرا على ورق.
وأخيرا كانت الدعوة لمفاوضات تلك الأحزاب مع المؤتمر الوطني حول الوضع الجديد للسودان أو ما أسموها الجمهورية الثانية. وقد طرحت تلك الأحزاب رؤيتها لما يجب ان يكون عليه الحال، بموجب كل التغييرات التي طرأت على السودان، أو هكذا علمنا أن حزب الأمة القومي قد تقدم بفكرة الحكومة القومية التي ستضطلع بمهمة وضع دستور جديد للبلاد، بجانب الإعداد لانتخابات جادة وشفافة، توصل إلى حكومة منتخبة حقا، والى تحول ديمقراطي حقيقي. بينما ظل حزب المؤتمر الوطني متمترسا حول حكومته، ذات القاعدة العريضة، التي رهن الاشتراك فيها بأن تعمل أ?زاب المعارضة على إخراس اى صوت من جماهيرها، يدعو لإسقاط النظام، أو حتى مجرد معارضته. في حين ان الغالبية العظمى من جماهير تلك الأحزاب رافضة لمجرد التفاوض مع المؤتمر الوطني، دعك من مشاركته الحكم،. فسارع حزب الأمة برفض تلك المهزلة، وبصورة قاطعة، ولحق به الحزب الاتحادي الديمقراطي ولكن بحجة ان ما قدم إليه من مقاعد بالسلطة التنفيذية، لا تتسق وحجم جماهيريته، وعلى كل نتمنى ان يصمد هذا الحزب عند هذا الحد من وعده، وألا يخذل جماهيره بقبول اى مساومة جديدة،.أو إغراءات تعيده للمشاركة. ويظل السؤال لهذه الأحزاب عن قصة رفضه? فكرة المشاركة في الحكم، وقبولها بالاستمرار في التفاوض، مع ذات المؤتمر الوطني الذى فشلت في الوصول معه إلى صيغة مشاركة، تخدم قضايا الوطن والمواطنين أولا، وتضمن لها كامل حقوقها في السلطة ثانيا؟. وحتى ان كان التفاوض حول القضايا الوطنية وحلحلة مشاكلها، يصبح السؤال عن جدوى ذلك التفاوض ان لم تتمكن تلك الأحزاب من إنزال ما يتمخض عنه من نتائج إلى ارض الواقع؟
وحتى هذه الدعوة الفارغة للمشاركة في الحكم، التي تفضل بها المؤتمر الوطني على الأحزاب المحددة، لم تكن حبا في تلك الأحزاب، أو اعترافا بحقها فيها، ولكنها فقط من أجل خدمة أهدافه الخاصة كما سلف ذكره، وفى مقدمة ذلك تجميل صورة حكمه، الموسوم بتهمة الانفراد بالسلطة وإقصاء الآخرين عنها، وأهمية فعل ذلك من أجل الدول التي نجحت ثوراتها في اقتلاع حكوماتها من جذورها، ومنها ما كان مشابها لحكومة المؤتمر الوطني تماما، ولعل اهتمام المؤتمر الوطني بتجميل صورة حكمه أمام تلك الحكومات، التي أتت بها الثورات العربية، مرجعه الصلات الو?يقة التي اتضح أنها تربطه بها. حيث يلتقي معها في رفع شعار الحكم بشرع الله. وبما أن الدعوة لتحكيم شرع الله، تستوجب بداية، العدل والمساواة بين الناس، فان استمرار المؤتمر الوطني في الانفراد بالسلطة وإقصاء الآخرين من حقهم فيها، ستمثل قمة فشله في ذلك الاتجاه، ومن ثم قد يؤثر سلبا على نظرة الحكومات المتحالفة معه إليه، ومن ثم ستصبح دعوة المشاركة في الحكم، متى تمت الاستجابة لها، طوق النجاة الذى سينقذه من تلك الورطة..
والمؤتمر الوطني، وقد فشل في جذب الأحزاب العريقة إلى ساحة حكومته المرتقبة، عاد مرة أخرى إلى عادته القديمة، في تفخيم الذات وإظهار عدم الاكتراث للزنقة التي تضيق حلقاتها في كل يوم جديد، كما ولم يتورع من العودة لاستغفال المواطنين، والضحك على عقولهم. فالحكومة ذات القاعدة العريضة، الذى ظل يعرض بها منذ إعلان الجنوب لاستقلاله، ولم يتم عرضها حتى اليوم، بسبب رفض الأحزاب لتعنته وإصراره على رأيه. وليدلل على سلامة رؤيته في أهمية اعتماد ذات خططه وبرامجه القديمة، من جانب الراغبين في مشاركته الحكومة. يعلن أحد قياداته وبالص?ت الجهير، أنهم لا زالوا يصرون على سياساتهم وبرامجهم الاقتصادية والسياسية والتعبوية، التي تم وضعها وفقا للتفويض الذى منحهم له الشعب في الانتخابات السابقة، ليس ذلك فحسب، بل يؤكد سيادته أن تلك البرامج والسياسات قد انعكست آثارها الايجابية على الاستقرار السياسي والاقتصادي، فضلا عن زيادة شعبية حزبهم في الآونة الأخيرة، طبعا بموجبها، انتهى الكلام المباح فتصوروا.
ان مثل هذا الحديث يعطى انطباعا أن المؤتمر الوطني ربما أصيب بغيبوبة تامة، جعلته لا يميز حال السودان، اقتصاديا وسياسيا، بل واجتماعيا أيضا، اليوم. فالسودان يقف على حافة الهاوية اقتصاديا، وبشهادتهم أنفسهم، وبواقع الحال المايل الذى يعيشه المواطن اليوم، فقد انخفض سعر صرف الجنيه السوداني مقابل الدولار الأمريكي، إلى ادنى مستوى عرفه اقتصاد السودان منذ الأذل، اضطر ذلك التدهور الاقتصادي حكومة السودان لاستجداء بعض الدول الأخرى، لمد يد العون لها ولا أخالها فعلت. ويبدو ان المؤتمر الوطني وهو في غيبوبته، لم يحس بالارتفاع?الجنوني الذى أصاب أسعار كل السلع، ولا زال متصاعدا، بصورة عجزت عن مقابلتها إمكانات ذات المواطنين الذين يقول إن شعبيته قد ازدادت لديهم،. ربما بسبب هذه السياسات الاقتصادية المدمرة. أما الايجابية السياسية لسياساتهم هذه، لا ندرى كيف الوصول إليها، في ظل الحروب المشتعلة بأكثر من موقع بالسودان الشمالي، وما تحصد من أموال تزيد من أزمة البلاد الاقتصادية عمقا، ودعك عن الأرواح التي لا يمكن تعويضها. لكن الأكثر مدعاة للدهشة، هو ازدياد شعبية المؤتمر الوطني بموجب سياساته، التي جعلت من حياة المواطنين جحيما لا يطاق، ويبدو أن?شعبيته تزداد طرديا مع ازدياد فشله.
وهكذا يتضح أن دعوة المؤتمر الوطني للمشاركة في الحكومة ذات القاعدة العريضة أو غيرها، لا تمت للمواطن العادي ولا للوطن بصلة، إذ سيستمر المواطن في حالة البؤس واليأس التي يعيشها حاليا، ويستمر الوطن في تعقيدات مشاكله، بينما يسعى المؤتمر الوطني لجني ثمارها، ان نضجت، تخلصا من كل أوجه المعارضة لنظام حكمه، بعد أن يقوم بمنح بعضا من عضوية الأحزاب المعارضة، بعضا من المقاعد الوزارية، وقطعا ستكون من تلك التي لا طعم لها ولا أثر، بينما يظل ممسكا بكامل حق النقض بالبرلمان بموجب انفراده بعضويته. ومن ثم يصبح وزراء المعارضة ب?ا حول ولا طول، وتحت إمرة حكومته، ودون أدنى مجال لمعارضتها أو اعتراضها على أي أمر مهما كان خلله أو خطأه، ولكنهم مطالبون بتحمل تبعات كل خلل وخطأ تماما مثل وزراء المؤتمر الوطني، فهل تقبل أحزاب المعارضة بمثل هذا الهوان؟
بقى أخيرا الاستفسار عن قصة، اقتصادنا الذى يتفوق على اقتصاد أمريكا، بينما الجنيه السوداني لا زال مجندلا تحت أقدام الدولار الأمريكي؟، ثم المقارنة بين أسعار السلع في السودان وغيره من الدول المجاورة، والذي يقول وزير الصناعة إنها الأرخص بالسودان قياسا بالأخرى فما هي أوجه الشبه بين السودان وتلك الدول، على الأقل اقتصاديا، لتبيح مثل تلك المقارنة؟.

الصحافة





تعليقات 1 | إهداء 0 | زيارات 2330

خدمات المحتوى


التعليقات
#241385 [abusafarouq]
2.58/5 (13 صوت)

11-17-2011 10:55 AM
تحليل فى محله .لكن الاحزاب الغافلة والراكضة خلف سراب الانقاذ هل أختبرت جماهيرها بعد الغيبة الطويلة هنالك مؤيدين حتى الان أم لا ؟ فى أعتقادى خوف الاحزاب من أى تغير أو إنتخابات قادمة لن يجدو صوتا واحدا من المؤئدين بعد بروز التيارات الحديثة من النخب الساسية ليفوزو بالحكم وبا لتالى اقرب طريقة لوصولهم الحكم هى التفاوض مع المؤتمرجية ليجدو موضع قدم غير مستشارة من الجماهير لأنهم كلما تحرك الجماهير من أجل التغير تجد أكابر المعارضة تفاوض الحكومة من أجل فرملة الجماهير والتفاوض بغرض تخويف المؤتمرجية أن الجماهير غاضب ويجب عليكم أن تفاوضونا لكبح جماح الشارع والحيلة هذه أدركه المؤتمرجية إنه أبتزاز لاتخيفهم بل هى دعما لهم ونقول بالمكشوف المعارضة مع طرح الحكومة ومتضامن معها إذا وجدت المناصب لا يغشوكم والمعارضة ليس لها جماهير الان إنتهى.. والشكر للدكتورة سعاد كثر الله من أمثالك وعين الله ترعاك يارب


ردود على abusafarouq
Saudi Arabia [abusafarouq] 11-17-2011 12:27 PM
تصحيح أن الاحزاب هى التى فقدت جماهيرها ليست المعارضة لازم نفرق بين المعارضةالحزبى والتيار المعارض من أجل التغير وخلع النظام من جذوره؟؟


د.سعاد ابراهيم
د.سعاد ابراهيم

مساحة اعلانية




الرئيسة |المقالات |الأخبار |الصور |راسلنا | للأعلى


المشاركات والآراء المنشورة في صحيفة الراكوبة سواء كانت بأسماء حقيقية أو مستعارة لا تـمـثـل بالضرورة الرأي الرسمي لإدارة الموقع بل تـمـثـل وجهة نظر كاتبيها.
Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.
Copyright © 2024 alrakoba.net - All rights reserved

صحيفة الراكوبة