بنحب من بلدنا يا وردي
02-27-2012 08:36 PM


بنحب من بلدنا يا وردي

رشيد خالد إدريس موسي
[email protected]

من عادة الناس في هذه الحياة الدنيا , ألا يلتفتوا إلي حقيقة الموت و لا يعددوا مآثر الإنسان إلا بعد أن يموت و يفارقهم. و لعل الفراق يدفع الناس إلي تذكر الماضي و يجعلهم يحنون إليه. هذه نزعة في البشر. لكن ما بال الناس, لا يحتفون و لا يهتمون بالمبدعين أثناء حياتهم , و منهم الفنانين ؟ ربما لان الناس و إلي عهد قريب, كانوا لا يرتاحون للمغني, بإعتباره يقول منكراً من القول. لكن هل يعد الغناء كله منكراً ؟ لقد أكبرت في السيد/ الصادق المهدي, حديثه عن الفنان المرحوم محمد وردي, إذ بدأ حديثه بفذلكة عن موقف الفقهاء من الغناء, و أنه ليس بمنكر علي إطلاقه, بل أن للفن رسالة, و أي رسالة يقدمها هذا الفنان الذي وهبه الله موهبة اللحن و التطريب. و هو بهذا يقدم للناس خدمة, تتمثل في التسرية عنهم و إسعادهم. إن الإنسان في حاجة إلي ساعة للترويح عن النفس. و قد يجد هذا الترويح في الغناء الجميل, و قد يجده في الإستماع إلي القرآن, و كله من مزامير داؤود. فلم نحجر واسعاً.
لم يكن الأستاذ/ محمد وردي مغنياً فقط , و إنما كان فنان صاحب رسالة, في حب الوطن. غني وردي للوطن. و غني صراحة و رمزاً, فأبدع و أجاد. و من يتأمل أغنيات وردي, يجد أنها تحمل معاني سامية, تشير إلي هذا الحب و الذي هو أساس الحياة . من أغنياته التي غناها في حب هذا الوطن السودان, قصيدة ( بنحب من بلدنا ) للشاعر المرحوم أبو آمنة حامد. و هي قصيدة تمثل لوحة فنية رائعة و تقدم درساً في الفولكلور و الجغرافيا الإجتماعية Social geography. طاف الشاعر علي كل ربوع السودان و تغني بجماله. و كأنه يقول أن كل ربوع السودان, هي وطنه و أن كل رقعة فيه تتساوي عنده من حيث الجمال و الكرامة. أسمعه يتحدث عن هذه الرحلة الفنية :
التوب المهفهف فوق أم الضفاير
و الخد المعطر زي أحلي الأزاهر
و الخطوة الأنيقة ترنيمة مشاعر
أنا بيك كل عمري بمشي لها و بسافر
××××××××××××××××××
مين في الدنيا دية أجمل من بناتنا
الليهن قلوبنا و الفيهن صفاتنا
الكامنات في روحنا و العايشات في ذاتنا
×××××××××××××××××××
في حلفا الفداية أحلامي و هنايا
أنا عايش لحبي المخضر برايا
النافرة الأليفة ست روحي و هنايا
×××××××××××××××××××
أنا لي في كريمي شايقية بشلوخها
نعتز بي صفاتها ما نجهل تاريخها
ما ها المابية ريدتي و مو يا ها المسيخة
×××××××××××××××××××
في شندي العظيمة تلقي بنات جعل
وحدات في المتمة زي لون العسل
النايرات خدودن زي فجراً أطل
×××××××××××××××××××
في سنكات بنعشق بت سمراء و أبية
ترتاح في الضريرة خصلاتها الغنية
عاشت في شعوري أحلي هدندوية
×××××××××××××××××××
الوارثات جدودن في الجود و الشجاعة
البظهر جمالن من زمن الرضاعة
سودانية مية المية في ذوقها و طباعها
يا ناس أرحموني أنا قلبي في رفاعة
×××××××××××××××××××
لوزة القطن يانعة السمحة و نضيرة
تتني الحليوة في مشية أميرة
أجمل حب عندي في قلب الجزيرة
××××××××××××××××××
لي في الغرب أغيد في دار حمر و البقارة
نحميها بسيوفنا تفاحة و نضارة
تسكرنا الليالي و تطربنا النقارة
××××××××××××××××××
لي في جوبا ساحر تسلم لي خدوده
يمرح في غاباته يسرح في وروده
حبي الغالي ليهو ما بعرف حدوده
××××××××××××××××××
بنحب من بلدنا ما برة البلد
سودانية تهوي عاشق ود بلد
بعيون المفاتن شي ما ليهو حد.
لقد أبدع أبو آمنة حامد في هذا الوصف و هذا التعبير عن الوحدة الوطنية. هذه الوحدة التي أصبحت في مهب الريح, بعد أن إنفصل الجنوب و لا ندري ما سيحدث غداً. ما أحوجنا إلي إبداع مثل ما نظم هذا الشاعر. تغني بهذه القصيدة محمد وردي كأحسن ما يكون الغناء و أجاد.
و تشبه هذه القصيدة, قصيدة أخري ألفها التربوي الأستاذ / عبدالرحمن علي طه. و هي قصيدة تحمل ذات المضمون في حب الوطن و الوحدة الوطنية. كنا درسنا هذه القصيدة في الصف الثالث في المرحلة الأولية في عام 68/1969م. درسناها في حصص الجغرافيا , تحت عنوان ( زيارتنا إلي القولد – زيارتنا إلي محمد قول – زيارتنا إلي الجفيل – زيارتنا إلي منقو, ألخ من أنحاء السودان ). كان التلاميذ يسافرون سفراً إفتراضياً Virtual journey و هم جالسين في فصلهم , و يجوبون كل أنحاء السودان و يتعرفون علي أهله و إسلوب حياتهم و عيشهم . يرددون أبيات هذه القصيدة في إسلوب أدبي, فالقصيدة تجمع بين الأدب و الجغرافيا, أو ما يسمونه الأدب الجغرافي و بين الجغرافيا الإقتصادية Economic geography , و ذلك في إسلوب تربوي بليغ. كانت القصيدة بحق تمثل إطلالة علي ربوع السودان في تلك السن و تلك المرحلة التعليمية. أما الآن, فلا يعرف بعض التلاميذ شيئاً عن الولاية التي يعيشون فيها, دعك عن بقية أنحاء السودان. و هذه القصيدة مبسوطة علي الشبكة العنكبوتية, في بعض المواقع لمن يريد أن يطلع عليها.
لقد غني الفنان محمد وردي فأجاد و أبدع و أطرب سامعيه , و خلد إسمه في تاريخ الفن السوداني, كأحسن ما يكون الخلود , فليرحمه الله و يغفر له.

الرياض / السعودية





تعليقات 1 | إهداء 0 | زيارات 5051

خدمات المحتوى


التعليقات
#302874 [المحسيه]
0.00/5 (0 صوت)

02-28-2012 10:00 AM
كلمات اجمل من جميله تطلع من الشاعر وتترجم لنا من فم ابدع فنان. فنان المشاعر الانسانيه فكيف لا نقبل الامر ونقول سمعا وطاعه للامير الحسن وسوف نحب من بلدنا ما من بره البلد سودانيه تهوي عاشق ود بلد واذا لم تعملوا بي هذه النصيحه يبقي سجمكم والرماد كال خشمكم ورحم الله وردي


ردود على المحسيه
Saudi Arabia [عاطف عمر] 02-28-2012 07:15 PM
و الله محسية أصيلة.


رشيد خالد إدريس موسي
مساحة اعلانية




الرئيسة |المقالات |الأخبار |الصور |راسلنا | للأعلى


المشاركات والآراء المنشورة في صحيفة الراكوبة سواء كانت بأسماء حقيقية أو مستعارة لا تـمـثـل بالضرورة الرأي الرسمي لإدارة الموقع بل تـمـثـل وجهة نظر كاتبيها.
Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.
Copyright © 2024 alrakoba.net - All rights reserved

صحيفة الراكوبة