المقالات
مكتبة كتاب المقالات والأعمدة
د. صديق تاور كافي
الشـــمال والجـــنوب بيــن إرادتــين
الشـــمال والجـــنوب بيــن إرادتــين
04-12-2012 01:27 PM



الشـــمال والجـــنوب بيــن إرادتــين

د.صديق تاور كافي

٭ لم يكن التصعيد الأخير في منطقة هجليج مستبعداً بحكم المناخ العام المسيطر على العلاقة بين حكومتي الشمال والجنوب خلال الاشهر الثلاثة الاخيرة على وجه الخصوص، حيث تعثرت محاولات التسوية الودية للملفات المفتوحة بين الطرفين منذ إقرار انفصال الجنوب وحتى الآن. إذ لم يتم تحريك أى ملف من ملفات ما يعرف بالقضايا العالقة نحو الاتجاه الإيجابي بما يمهد لطلبها ملفاً تلو الآخر وينتهى بالأمور إلى تأسيس ارضية صلبة لجوار آمن ومستقر بين شطري السودان.. فقد اصطدمت العلاقة بين حكومتي الشمال والجنوب بعد الانفصال مباشرة باستمرار نفس روح العداء والتربص والكيد والمناكفات في كل صغيرة وكبيرة، وهى الروح التي كانت سائدة طيلة فترة تطبيق اتفاق نيفاشا 2002م. وبالتالي لم تتأسس أرضية مشتركة للتفكير الهادي الذي يبني علاقات مستقبلية قائمة على استدامة السلام والتعاون وحسن النوايا والثقة، رغم أن اتفاق نيفاشا نفسه يحمل عنوان «اتفاق السلام الشامل»، وقد أُريد له حسبما أُعلن عند التوقيع عليه، أن يكون نموذجاً لحسم النزاعات ليس للسودان وحده وإنما لكل القارة الإفريقية.
٭ فشل الطرفان منذ البداية في تحقيق تسوية ودية لأي من الملفات التي تم تناولها، لأنهما بدآ بأكثر الملفات إثارة للخلاف بينهما ــ أى ملف النفط ــ وكيفية إدارته بعد أن انتقل من مصدر لدولة واحدة، الى مصدر يتبع باعتباره خاماً في غالبه الى احدى الدولتين، بينما تمتلك الدولة الثانية غالبية البنية التحتية التشغيلية. وصار الأمر أشبه بالمساومات والابتزاز في موضوع ينعكس مباشرة على الحالة الاقتصادية هنا أو هناك، ولا يحتمل التسويف أو التطويل. وعقدة ملف النفط لم تبدأ بمجرد انفصال الجنوب وإقامة دولته، وإنما بدأت منذ بداية تطبيق الاتفاقية وتوزيع الحقائب الوزارية، حين أصرَّ حزب المؤتمر الوطني على الاحتفاظ بحقيبتي وزارة المالية ووزارة النفط على غير ما يفترضه التوازن العادل للحقائب الوزارية. وقد انسحبت هذه الحالة على كل ما له علاقة بين الطرفين حتى انتهاء الاتفاقية، حيث كانت المفارقة الغريبة هى تقاسم الحركة الشعبية السلطة مع المؤتمر الوطني بالتساوي تقريباً، وفي نفس الوقت احتفاظها بموقعها ضمن تجمع أحزاب المعارضة بصفتها عضواً أساسياً فيه.
وما زاد الأمر تعقيداً في علاقة الطرفين أيضاً هو إدارة مشكلة منطقة أبيي بذات الروح العدائية والنظرة الضيقة. فكلا الطرفين قد تعامل مع حالة أبيي باعتبارها منطقة نفطية فقط يوفر الاستحواذ عليها مزيداً من الموارد. ولكنهما لم يتجاوزا بنظرهما الموضوع الى ما يمكن ان يمنح الشعب في شطري البلاد فرص التفاعل والتواصل والتقدم، لذلك زج وفد الجنوب في مفاوضات اديس الاولى حول النفط بموضوع أبيي مباشرة مما ادى لمزيد من التعقيد.
٭ وحالة عدم الثقة بين الطرفين مردها الاساس الى غياب الرغبة الاصيلة والجادة في سلام حقيقي منذ أن وقعا على الاتفاق نفسه. فهما قد اقدما على التوقيع تحت ضغوط المجتمع الدولي والضغوط الاقليمية وليس عن رغبة صادقة، بدليل التصريحات التي صدرت حينها، وبدليل القوات الدولية الكثيفة التي رافقت التنفيذ، وبدليل أيضاً إقصاء جميع المكونات الوطنية السودانية من المشاركة في صياغة الاتفاق حتى يكون سلاماً حقيقياً لكل السودانيين، وليس هدنة بين قوتين مسيطرتين على الاوضاع في هذا الجزء وذاك. وظل انعدام الثقة منعكساً في ممارسة الضغوط والإيذاء بمختلف الوسائل من كل طرف ضد الآخر، ولكنه أخذ صورته الاكثر سفوراً ووضوحاً في إصرار حكومة الجنوب على توثيق روابطها بالجماعات المسلحة الشمالية خاصة قوات الجيش الشعبي التي كانت تقاتل ضمن قواتها قبل الانفصال، مع أن الوضع الجديد يفرض على حكومة الجنوب وفق الاعراف الدولية وتقاليدها أن ترفع يدها تماماً عن أية علاقة مع أية مجموعة في الشمال، إلاّ من خلال القنوات الدبلوماسية المعروفة بين الدول.
وذهبت حكومة الجنوب أكثر من ذلك الى بذل جهود مكشوفة للتنسيق بين هذه المجموعات قبل أن ينفذ أمر الانفصال، عندما استضافت الحركات المسلحة الدارفورية ورتبت لاجتماعات تنسيقية بينها وبين قوات الجيش الشعبي في جبال النوبة والنيل الازرق تحت قيادة موحدة، وهى الجهود التي مهدت لتأسيس تحالف ما يعرف حالياً بالجبهة الثورية التي تحارب حكومة الشمال من جنوب كردفان، بسند وتنسيق مع دولة الجنوب.
٭ الهجوم الأخير على منطقة هجليج هو امتداد لذات مناخ التصعيد والإيذاء المتبادل جراء انعدام الثقة وانسداد آفاق الحلول التفاوضية التي ظلت تصطدم باستمرار بتيارات الحرب داخل الطرفين. والأخيرون يتنفسون في أجواء الحرب والصدام والقطيعة، ولهم مصلحة في ألا تنتقل العلاقة الى طورها السلمي الودي بين الطرفين. لذلك فإن ما يحدث هو صراع حقيقي بين إرادتي السلام والحرب داخل الطرفين قبل أن تكون بينهما في الشمال والجنوب. إرادة التصعيد والحرب في الطرفين يهمها أن تظل القضايا العالقة عالقة إلى ما لا نهاية، لأنها تتكسب من ورائها، ولأن الأدوار المرسومة لإبطالها مرتبطة بدوائر مركزية دولية لديها مصلحة في أن يتفتت السودان شمالاً وجنوباً، ويتناحر ويتمزق شعبه بالفتن القبلية والجهوية والنعرات العنصرية. هذه التيارات في الجنوب لا تحتاج إلى تأشير لأنها تلعب على المكشوف، أما في الشمال فإنها تتخفى وراء تأزيم الوضع السياسي بالإصرار على احتكار إدارة الأزمة السودانية في البلاد عموماً لدى منظومة واحدة مغلقة ومنغلقة على نفسها. علماً بأن هذه المنظومة (الشلة) هى التي أوصلت أمور السودان كله الى ما هى عليه من انفصال واشتعال حروب واحتقان سياسي ومجتمعي.
والمطلوب لمواجهة الحالة القائمة إعادة النظر كلية في طريقه إدارة أمور البلاد، والانتقال بها الى طريقة تجعل جميع المكونات السياسية في البلاد شركاء في الحل، وليسوا ضيوفاً على حزب حاكم قابض ومحتكر التفكير والتصرف.
فالأزمة هى أزمة سودانية وليست خاصة بحزب سوداني حاكم أو معارض، والانفصال نفسه هو انفصال للدولة السودانية وللشعب، لذلك لا يستقيم التعامل مع إفرازاته ومخلفاته السياسية والدبلوماسية والاجتماعية والاقتصادية على أنها ملفات خاصة بحكومة يمتلكها ويتحكم فيها حزب واحد. فالأمر أكبر من مقدرات طرف واحد، وإلاّ لما وصلت إلى هذا الحد بفعل سيطرة عقلية مسرح الرجل الواحد لأكثر من عشرين عاماً.

الصحافة





تعليقات 5 | إهداء 0 | زيارات 2136

خدمات المحتوى


التعليقات
#332460 [مكروب]
1.78/5 (11 صوت)

04-13-2012 02:54 PM
والمطلوب لمواجهة الحالة القائمة إعادة النظر كلية في طريقه إدارة أمور البلاد، والانتقال بها الى طريقة تجعل جميع المكونات السياسية في البلاد شركاء في الحل، وليسوا ضيوفاً على حزب حاكم قابض ومحتكر التفكير والتصرف.

لا ما عايزين حكومة معاهم ابدا مش علي كيفنا شوف ليك صرفة تانية


#332452 [عجيب]
1.80/5 (10 صوت)

04-13-2012 02:41 PM
خسئت يا دكتور صديق ما هذا نلوم الطرفين و علاقة الطرفين مازلت تصر علي حمل العصا من الوسط و انت تعلم ان الجنوب صار دولة مستقلة التعامل معها لا يتم بالملامة و الاجاويد لكن لوم حكومتك الفاشلة الفلاحتها الا في شعبها لكن ناس الجبهة الثورية رضيت ام ابيت وقفوا ليها الف احمر كان بدعم من الجنوب و لا غيره و حكومتك دي ما طول عمرها مدعومة من ايران و قطر و خلافهو لا ده مسكوت عنه


#331954 [stinger]
1.78/5 (10 صوت)

04-12-2012 05:55 PM
سيبك من الكلام الفارغ ده اهلك قاعدين فى الكراكيروانت قاعدتكتب فى كلام رمادى لا لون لا طعم زيك كده ولا دى ضريبة الإنتماء لحزب البعث العربى الإشتراكي الذى كل أجندته ضدقومية النوبة يااخى إتعظ من عمك محمودحسيب وموته فطيس في سبيل هذا الحزب العنصرى اللعين


#331708 [عمر الامين]
1.79/5 (12 صوت)

04-12-2012 02:12 PM
ماقلت الاالحق يادكتور الازمه كبيره ....هى ازمت يكاد يذهب ويتفرق....لكن عشمنا فى امثالك من اصحب الراى والنصيحه...واهلنل بيقولوا بيت الشوره ماخرب...فهلا دعى الرئيس الى حكومه جامعه تمر بالبلاد من محنتها هذه...نأمل ذلك


د.صديق تاور كافي
د.صديق تاور كافي

مساحة اعلانية




الرئيسة |المقالات |الأخبار |الصور |راسلنا | للأعلى


المشاركات والآراء المنشورة في صحيفة الراكوبة سواء كانت بأسماء حقيقية أو مستعارة لا تـمـثـل بالضرورة الرأي الرسمي لإدارة الموقع بل تـمـثـل وجهة نظر كاتبيها.
Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.
Copyright © 2024 alrakoba.net - All rights reserved

صحيفة الراكوبة