المقالات
مكتبة كتاب المقالات والأعمدة
طلحة جبريل
حزبا الأمة والاتحادي الديمقراطي و«كلام واشنطن»
حزبا الأمة والاتحادي الديمقراطي و«كلام واشنطن»
10-02-2010 09:51 PM

حزبا الأمة والاتحادي الديمقراطي و«كلام واشنطن»

طلحة جبريل

image

ثمة ضجة حالياً بشأن تصريحات أدلى بها مسؤول حكومي حول حزبي الأمة والاتحادي الديمقراطي. أميل الى تصديق ما نسب الى المسؤول الحكومي لسببين، الأول منطقي جداً ، وهو أن نفياً لم يصدر حول ما قيل، وكان هناك من سمع، ثم كان هناك من كتب، وموقع الرجل كان يحتم النفي إذا لم يكن ما نسب اليه صحيحاً أو على الأقل توضيح ما قيل، إذا افترضنا أن من سمع لم يستوعب ما قيل، أو أن من كتب لم يكن دقيقاً.
السبب الثاني له علاقة بظروف المكان وطبيعة اللقاءات التي تتم وما يقال فيه. حضرت أكثر من لقاء مع مسؤولين في النظام، زاروا واشنطن وتحدثوا من «دار السفير» ولاحظت وقتها أن «كلام واشنطن» عادة ما يكون مختلفاً حول ما يقال في الخرطوم، ربما لأن المستمعين، من شريحة مختلفة، لذلك يكون الخطاب مختلفاً. كنت دائماً من أكثر المتحمسين، عندما كنت في العاصمة اللأمريكية، للاستماع للجميع وحضور لقاءات الجميع والتحاور مع الجميع، وذلك من وجهة نظري أفضل كثيراً من أسلوب «الكرسي الفارغ». ومجتمع السودانيين في واشنطن، يعرفون وجهة نظري هذه، وأنا أقدر لهم أنها كانت تجد منهم تفهماً، ولو أن قلة قليلة لم تكن ترى ذلك. لذلك أرجِّح أن الكلام قيل، وكان هناك من استمع، وبالتالي لا بد أن يكون هناك من هو على استعداد ليكتب، وقد فعل.
كان يلح دائماً على خاطري الكتابة عن حزبي الأمة والاتحادي الديمقراطي، والدور الذي لعبه هذان الحزبان في حياتنا السياسية، وفي تاريخ هذا السودان. بل كنت في بعض الأحيان أقول لنفسي وهناك جدوى من القول، لماذا كتبت عن الإسلاميين والشيوعيين والقوميين والجمهوريين والحركة الشعبية، ولم أكتب عن هذين الحزبين، ودورهما ليس هيناً في السياسة السودانية. على الأقل محاولة القيام بقراءة في التاريخ، خاصة أن رأيي بالنسبة للتاريخ كان وما يزال، هو أن قضيتنا معه، أي التاريخ، ليس تمجيده أو تسفيهه، بل فهمه. وأن نعود إلى التاريخ لكي نعرف عنه وليس لكي نتمسك به.
الكتابة عن الحزبين لها أكثر من مبرر، وسأضع جانباً دورهما وتاريخهما، وتأثيرهما وكل ذلك، لكن الكتابة بالنسبة لي على الأقل لها مبررات شخصية.
لا ظن أنني سأضيف معلومة جديدة، إذا قلت إن أسرتي بالمعنى المتداول لمفهوم الأسر في المجتمع السوداني، أي الأسرة الممتدة، أغلبها من «الاتحاديين»، ولأن الحزب «الوطني الاتحادي» ما قبل استقلال السودان، عرف الكثير من الانقسامات والاندماجات، أجد أن لفظة «اتحاديين» هي الأكثر دقة.
من جهة أخرى، وهذه هي المفارقة، لم أتعرف على قادة هذا الحزب عن قرب، سوى لقاءات عابرة في هذه العاصمة أو تلك، لكن أكثر الذين التقيتهم وتحاورت معهم وربطتني معم صلة متينة كانوا من قادة حزب الأمة.
وأستأذن الدكتورة مريم الصادق المهدي، في أن أنقل خلاصة حوار دار بيننا في «نادي الصحافة الوطني» في واشنطن في يوليو 2007م، وأشهد الله انه كان حواراً ممتعاً ومفيداً ومتشعباً، عندما سألتني في ختام ذلك الحوار وبكل جدية «لماذا لا تنضم الى حزب الأمة»، كان ردي مقتضباً «أفضل أن أبقى مستقلاً». ولم أسألها مطلقاً، لماذا طرحت ذلك السؤال المدهش.
لكن علي القول بوضوح، إن هذه الاستقلالية، هي التي تجعلني أقول متوخياً الموضوعية، إن الحزبين لعباً دوراً ليس هيناً في تاريخ وطننا، وارتكبا أخطاء لا يمكن أن يرتكبها حتى الهواة في مجال العمل السياسي.
سأكتفي بمسألتين فقط.
لماذا تنازل الصادق المهدي عن صفة «الرئيس الشرعي» للبلاد، وهو رئيس الحكومة المنتخب قولاً فعلاً في آخر انتخابات تعددية حقيقية جرت في وطننا. بالطبع لا نريد منه أن يكون «سلفادرو اللندي»، لكن على الأقل «علي بوتو».
ثم لماذا نسيَ محمد عثمان الميرغني شعار «كنس النظام» وعاد الى البلاد من بوابة العزاء، ولم يتحدث حتى الآن عن كيف انتقلت الأمور من النقيض الى النقيض.
أكتفي بذلك ولا أزيد.
إذا عدنا الى التاريخ من أجل «الفهم» وليس «التمجيد» أو «التسفيه»، سنلاحظ أن «الجماهير المسيسة» تحلقت ومنذ الأربعينات ملتفة حول الحزبين، وكانت هذه الجماهير ومنذ لحظة الاستقلال الأولى ضمن صفوف «الاتحاديين» أو «الأمة»، لكن يجب الإقرار أن الشرائح المتعلمة والواعية من هذه الجماهير هاجرت من الحزبين موجة تلو موجة إزاء ما اعتبرته «ديكتاتورية» قيادة، عملت على تلقين الجماهير الولاء المطلق لهذه القيادة، باعتبار أن «وطنية القادة» تحتم ذلك. لكن يجب القول أيضاً أن مشكلة هؤلاء الخارجين من الحزبين كان سندهم في الشارع إزاء شعبية الحزبين ضئيلاً، لذلك كان اعتمادهم على الأنظمة الشمولية كبيراً، وهو ما وضعهم في حالة ضعف واضح تجاه الجماهير.
الإشكال الحقيقي في السياسة السودانية، أن شريحة المثقفين السودانيين وهم عموماً أصحاب نفس قصير مع العمل الجماهيري، بدلاً من تطوير البنيات التنظيمية في الحزبين، في ما يعرف بالتغيير من الداخل، اتجهوا الى التنظميات الآيديولوجية، وليتهم بقوا هناك يؤمنون بالتعددية ودولة المؤسسات، لكن كان هدفهم سواء اتجهوا يميناً أو يساراً، في «حل جذري» يكمن في تحطيم دولة المؤسسات الناشئة، ووجدوا أم هناك إداة جاهزة لتنفيذ المطلوب لأسباب متباينة لكنها تصب في النهاية في الهدف نفسه. وكانت الشعارات براقة والمصطلحات جذابة، والقول له رنين، ومؤداه أن « ثورة» قد اندلعت لإصلاح حال البلاد والعباد.
وأظن أن سبب ذلك هو أن المثقف السوداني، استوعب عقل المدرسة الإنجليزية التجريبية التي تربَّى في كنفها، لكنه لم يستوعب روحها، وأعجب في الخمسينيات وحتى الثمانينيات «بحرية الإنجليز واقتصادهم» لكنه لم يدرك أن كل ذلك كان نتيجة لمخاض طويل، وهؤلاء المثقفون ربما لم يدركوا انه توجد في أوربا أيضاً مدرستان تختلفان كلياً عن المدرسة الإنجليزية التجريبة، وهي المدرسة الألمانية التي تعتمد على «الفلسلفة» والمدرسة الفرنسية التي اعتبرت أن «الثقافة والفن» هو الذي يحرك ويوجه المجتمع.
ثم حدث لنا في السودان أمر ليس إيجابياً على الإطلاق، تضرر منه الحزبان الكبيران ضرراً بليغا، وهو هيمنة الماضي على الحاضر، مما جعل «السابقون والقياديون والأبطال» خارج أي نقد. والإشكال أن «الآيديولوجيين» جهة اليمين أو اليسار بدلاً من ممارسة النقد، راحوا يكيلون التجريح. كل هذا أدى الى أن «تجديد النخب» داخل الحزبين بقيَ له معنى واحد: من لا يعجبه الوضع القائم أرض الله واسعة.
لكن، ولكن هنا من الأهمية بمكان، أي الاستدراك حتى يبقى التحليل منطقياً، عانى الحزبان من مشكلتين، الأولى أن سنوات الحكم القصيرة خلال ثلاث تجارب ديمقراطية، لم تترك لهما، فرصة بناء دولة مؤسسات حقيقية، الى الحد أن دخول الوزارة أصبح هو المقياس لمدى «كفاءة أو شعبية» هذا أو ذاك. ولعلهما لم يدركا أن الأوطان لا يبنيها رجل واحد ولا حفنة رجال، بل تبنيها البرامج والرؤى، ثم الواقعية في تنفيذ هذه البرامج والرؤى. لذلك وطوال فترات التعددية السياسية، لم تشهد بلادنا سوى القليل جداً من التحسن الاجتماعي أو نشر الديمقراطية. والأمر الثاني ان الانقسامات داحل أحزابنا أقعدتها وأقعدت معها الديمقراطية. ثم جاء الحاضر بكل تراكماته وظروفه. فماذا حدث؟
راهن الحزبان رهاناً غير مفهوم، وغير منطقي، وغير سياسي، على «الحركة الشعبية»، حيث اعتقدا أن دور «الحركة الشعبية» بل وقدراتها، يمكن أن تؤدي الى «فركشة النظام» وإسقاط مرشحه، ثم بعد ذلك يدخل مرشحيهما الى حلبة السباق، وفي ظنهما أن أحدهما سيفوز. كان ذلك تبسيطاً للأمور بلا منطق، وتبديداً للوقت بلا معنى، وتشتيتاً للجهد بلا طائل.
بعد ذلك ماذا حدث؟
انسحبت «الحركة الشعبية» من السباق الرئاسي، ولم تترك للحزبين من خيار سوى الانسحاب، وليتهما لم يفعلا.
وماذا كان التبرير؟
قيل يومئذ إن الانسحاب كان لمنع إضفاء»غطاء شرعي على الانتخابات الرئاسية». وفي هذه الحالة هناك افتراضان، إما إن الحزبين لم يكونا يدركان «حدود وقواعد اللعبة» أو أنهما كان يدركان ذلك وقاما بمحاولة لإصلاح الاعوجاج، كما قيل. وفي الحالتين لن تكون الخلاصة في صالحهما لسوء الحظ.
الآن ما هذا الذي يحدث؟
كلام جارح منسوب الى مسؤول حكومي. ورد فعل متوقع من قيادة الحزبين. سأقول جملة واحدة حول «ما قيل في واشنطن». هل يعقل أن يقول مسؤول حكومي بأنه كان يدفع في الليل ويفاجأ بما يقال في النهار. لماذا تدفع أصلاً في الليل؟
طالما انك قبلت على نفسك أن تدفع ليلاً، توقع إذن أن تسمع ما لا يرضيك نهاراً؟ في هذه الحالة نصبح كلنا مثل القمر، له جانب مظلم.
أختم لأقول، ليس من مصلحة بلادنا ونحن على أبوب منعطف حاسم في يناير المقبل، الإساءة لحزبين شكلا جزءً لا يستهان به من تراثنا السياسي.
هذا سلوك تنعدم فيه المروءة.
الماضي يحاسب لكنه قطعاً لا يعاقب.

الاحداث





تعليقات 1 | إهداء 0 | زيارات 2466

خدمات المحتوى


التعليقات
#29988 [Abo Omer]
2.55/5 (9 صوت)

10-03-2010 11:45 AM
الشكر للاستاذ طلحة على هذة الإضاءة العجول.......أحزابنا وباختصار لم تجد مساحة لتغربل هياكلها عبر الطرق والأساليب الديقراطية وطول عمر الديقراطيات الثلاث لم يبلغ دورة ديقراطية كاملة.....لذا فهذة الأحزاب تيبست مفاصلها وتحجرت القيادات وصارت هي وبصورة أو اخري تتبع النهج الديكتاتوري والإشارة في تسير عملها ووضع البرامج والخطط ان وجدت، وبالتالي فقدت مايميزها عن الانقلابات وطغمها يسارية ام يمينية .....ولنسير في الطريق لابد من ديقراطية مستدامة ولدورات عديدة بعدها ممكن ان ينصلح الحال كما في الغرب والهند...........علي كرتي يدين نفسه وحزبه قبل ان يدين السادة الميرغني والصادق ونتجاوز ما قال بإعتباره (حمار وبال ) ليس أكثر من ذلك .....مع تحياتي


طلحة جبريل
طلحة جبريل

مساحة اعلانية




الرئيسة |المقالات |الأخبار |الصور |راسلنا | للأعلى


المشاركات والآراء المنشورة في صحيفة الراكوبة سواء كانت بأسماء حقيقية أو مستعارة لا تـمـثـل بالضرورة الرأي الرسمي لإدارة الموقع بل تـمـثـل وجهة نظر كاتبيها.
Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.
Copyright © 2024 alrakoba.net - All rights reserved

صحيفة الراكوبة