السابع من فبراير
02-07-2013 03:09 AM


السابع من فبراير ، يوم يختصر عندي معاني الدنيا، معبر، ليس الاّ ، فجمالها ، و حلوها ، و مرها ، و اغراءاتها ، و نكدها، و ضيقها ، و الكروب فيها ، و ألمها ، وفرحها ، كلها لا تتعدي لحظات بحساب الحياة الحقيقية ، دار الحق ، اسم من اسماء الحياة الاخرة تمعنت في معناه بعد السابع من فبراير. ادركت فيه ان هناك الحق ، هنا زيف ، كلما نجحت في التخلص منه و لم تجري خلف بريقه كلما هنأت حياتك في تلك الدار ، دار الحق.

السابع من فبراير فيه ودعت ابي بعد ان اكمل عبوره في ممر الدنيا الي دار الحق و فيه استقبلت اول ابنائي و هو يلج الي الدنيا من الغيب عساه ان يعبر بسلام منجزا فيها مدخرا لدار الحق .

السابع من فبراير فيه خبرت الم الفراق و فرح اللقاء . فيه ذقت مر اليتم و فيه ذقت حلاوة الامومة . خروج و دخول ، فراق و لقاء ، الم و فرح . وقفت فيه الدنيا كمراَة بزاوية تعكس الدارين ، فقط كعلامة تفصل بين عالمين .

السابع من فبراير يختصر عندي الغاية من الدنيا ، فكأنه يقول ان اجمع فيها بقدر ما تستطيع لتحمله زادا للاٌخرة . لا تجمع ما يثقل حملك فلا يوصلك سالما ، ولا تخفف في حمل ما يفيدك فلا يسد حاجتك اَخرا . الممر بقدر ما هو قصير بقدرما هو طويل فلا تشد علي نفسك في حمل الزاد فيرهقك و لا زلت ماشيا في الطريق فينكسر ظهر عزمك فتفقد ما جمعت و قد اقبلت الاَخرة .
السابع من فبراير ، يعكس الاعتدال و التوازن بين الحضور من الغيب و الذهاب الي ما نعرف ولا نري.

السابع من فبراير شهدت ابي وهو يودع ، سبحان الله ، في لحظة الشهقة الفاصلة ، تحول ابي الي جثمان فقط ، ما عاد هو ، حتي جسده ما عاد جسدا ، فالجسد يتحرك و يستجيب للحياة ، هل من كان يرقد بعد الشهقة هو ابي ام شئ اَخر ، عندما تنسرب الروح من الجسد يصبح و كأنك سحبت محتويً من وعاء، فلا يعكس الوعاء قيمة ، ولا تجد داع للاحتفاط به ، تواريه مكانا يكون القبر في حالة الجسد .

لحظة انسراب الروح من الجسد ، لحظة مقدسة ، فيها يتجلي الخالق ، جل جلاله و سبحانه . عندها يستقيم عندك الصراط ، تري طريقا واحدا امامك مستقيما ، سهل ، واضح ، اقرب الطرق التي تؤدي من الدنيا الي الاَخرة ، غيره يربطهما لكنها طرق طويلة متعرجة ، تحسبها احيانا تبعدك ولا تقربك و كأنها تلف و تدور بك تعيدك الي وحل الدنيا فيعرقل مسيرك و يجعل صراطك مرهقا ، ثقيلا ، صعبا ، كربا ، فيطول وهو يلف و يدور في الوحل . و ان لم تنفك تصل من مكانك ذاك ملطخا بوحل الدنيا .

السابع من فبراير شهدت فيه ابني الاول و هو قادم الي الدنيا ، شهقة فبكاء ، قطعة لحم حمراء ، صغيرة لا تحسن غير البكاء .
ودعت ابي و انا ابكي جزعة و استقبلت ابني وانا ابكي فرحة . كنت انظر اليه و اندهش انه كان في بطني ، قدم من هناك ، تكوَن هناك معتمدا علي جسمي و خرج هكذا الي الدنيا ، سبحان الله .

السابع من فبراير حياة و موت . اول الممر و آخر الممر . انظر اوله فأري الانسان يدخل المعبر و أنظر آخره فأري الانسان يخرج منه .
احيانا يكثر الناس من العمل للتزود للآخرة ، فيكون عمل كبير الحجم متمدد الاطراف يفتقد الاخلاص للب فيكون ثقيلا في الدنيا خفيفا في الاَخرة ، الاخلاص و الصدق يثقلان اللب و يهملان الاطراف فتمشي باعمالك خفيفا في الدنيا لتصل الاَخرة و قد ثقلت في موازينها . فالوزن في الدنيا هو انجذاب الحمل لها و الوزن في الاخرة هو انجذاب الحمل الي صدق النوايا .

في السابع من فبراير نظرت‘ الي زادك للاخرة يا ابي فاذا هو ثقيل بالاخلاص و الصدق . ما رأيت احدا يعرفك الاَ تحدث عنك مسرورا راضيا ، فما قابلت احدا او اديت له عملا الا كنت صادقا معه مخلص النوايا ، فتركت الدنيا و هي لا زالت ترسل لك من الاعمال ما يثقل في موازين الاخرة ، سيرة طيبة و عمل مستمر .

اورثتنا ثروة ترهق الارقام ، كنوز من السيرة الطيبة ، ما فارقنا خيرك . لا زلنا نهنأ بالعيش في هذا الخير ، سمحا ، طيبا ، فاضلا كنت و لا زلت . كأنك من يجري الصدقات لا نحن .

الدعاء لك متعة ، يظهر الخط الابيض مارا فوق الصراط الي الاخرة كأنه يسوق النظر الي الدار الاخرة فلا نتوه هنا و هناك ، فنراها حقا ، نستشعر احداثها و الحياة فيها فندعو الله بما يفيدك فيها ناسيين امر الدنيا و ما يثقل الاعمال فيها غير رائيين غير ذاك الخط الابيض الدال علي الصراط المستقيم .

ندعو لك فتنير طريقنا ، و كنا نقصد ان نضئ اَخرتك . فاذا بك انت من لا زال يعطي ، من لا زال يشعل النور في طريقنا .
لا زلت ترفد حياتنا في الدنيا بخيرك و لا زلت تضئ طريقنا دليلا لاَخرة يثقل فيها الزاد بالاخلاص و الصدق . اللهم جعلته نورا لنا في الدنيا فأنر له اَخرته بنورك ، اللهم اجمعنا و اياه في اَخرة الخير فنستظل بظلك حيث لا ظل الا ظلك ،
السابع من فبراير فيه يتجلي عندي عطاء الخالق ، ان اعطاني جل ما يحتاجه مشوار الدنيا من مغزي ، و فرصة التأمل في متناقضاتها ، الالم و الفرح ، البداية و النهاية ، الحياة و الموت ، الخط الرابط بين الدنيا و الاخرة ، فالتأمل فيها يبعث النور فتري اعماقك يتجلي فيها الحق واحدا ، عظيما ، رحيما ، مهيمنا علي الدنيا و الاَخرة .

[email protected]





تعليقات 7 | إهداء 0 | زيارات 2474

خدمات المحتوى


التعليقات
#579751 [حلمي]
2.56/5 (18 صوت)

02-08-2013 08:10 AM
نسال الله ان يتغمد الدكتور ابو سليم بواسع رحمته واسكنه فسيح جناته ولك التحية الاخت اماني ابوسليم.


#579437 [رشيد معاوية شاهين]
2.56/5 (19 صوت)

02-07-2013 05:37 PM
رحم الله العلامة بروفيسور ابو سليم واحسن مثواه في جنات الخلد مع الصديقين و الشهداء و جعل البركة في ذريته وقر عينك بابو سليم الصغير .. وانا لله وانا اليه راجعون .


#579270 [Eiman]
2.56/5 (19 صوت)

02-07-2013 02:00 PM
الاخت , الزميله و الصديقة اماني ... سلامات
بقدر فرحي برؤية اسمك مرة اخرى ضمن كتاب المقالات, بقدر الاسي و الحزن على فقيد البلاد العلامه ابو سليم , ولكنها الدنيا واحوالها . لم يعد فيها متسع لاخيار.
سلام


#579056 [عبادة احمد محمد احمد]
2.56/5 (20 صوت)

02-07-2013 10:04 AM
اللهم اغفر له وارحمه واجعله من اصحاب اليمين فى سدر مخضود وطلح منضود وظل ممدود وفاكهه كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة وادخله جناتك جنات الفردوس برحمتك يا ارحم الراحمين

عباده احمد
[email protected]
0912441432


#578833 [منذر محمد حمد]
2.56/5 (19 صوت)

02-07-2013 07:26 AM
الرحمة والمغفرة لبروفسير /محمد ابراهيم ابو سليم ,,,وهو من المؤرخين السودانين ومؤسس دار الوثائق السودانية وله مؤلفات كثيييرة ,,,ووكتب عن تاريخ النوبى بشكل كبيييييييير ,,,,التحية لك استاذة امانى ,,,,بس كت اتمنى تسرد نبذة تاريخية عن الوالد بعدعن ترحمت عليه0


#578774 [wad shendi]
2.56/5 (19 صوت)

02-07-2013 05:53 AM
له الرحمة والمغفرة

FANTASTIC ARTICLE


#578764 [حسين الزبير]
2.56/5 (16 صوت)

02-07-2013 05:00 AM
كنت اعتقد ان البروفسير ابوسليم ترك لنا علمه الغزير ، فاثري به السودان، ثروة نفاخر بها الامم، لكن يبدو ان والدك ابنتي العزيزة اماني، مخلصا في تقواه للعلي القدير عمل للدنيا كانه مخلد فيها و عمل للآخرة بكل السبل المبلغة لفردوسها. تفاني و اجاد في تربية الولد الصالح الذي بها لا ينقطع عمله في الدنيا.

لله درك يا ابنة العالم الجليل و انت تقولين: "عمل كبير الحجم متمدد الاطراف يفتقد الاخلاص للب فيكون ثقيلا في الدنيا خفيفا في الاَخرة ، الاخلاص و الصدق يثقلان اللب و يهملان الاطراف فتمشي باعمالك خفيفا في الدنيا لتصل الاَخرة و قد ثقلت في موازينها . فالوزن في الدنيا هو انجذاب الحمل لها و الوزن في الاخرة هو انجذاب الحمل الي صدق النوايا ."

ليت بعض الناس الذين يلهثون وراء الذهب اسودا او اصفرا، يتمعنون في حكمة هذه الصوفية، ربما تبصر اعبنهم التي تغطيها الغشاوة، و آذانهم الصماء بالوقر.

رحم الله ابو سليم ، و دمت له و لابنائك، و هنيئا لابنائك و لوطنك، و هنيئا لنا نحن النوبيين ، حتي و ان وصفونا بالعنصرية.


ردود على حسين الزبير
United States [Abu Areej] 02-07-2013 10:56 AM
نعم نسأل الله العلي القدير ان يرحم ابو سليم ويسكنه فسيح جناته..



قلت كلاماً طيباً اخي حسين الزبير ..وليتك توقفت عند هنيئاً لنا نحن النوبيين.. لانه من يفخر بموروثاتا وعلماء قبيلته وأهله لا يمكن ان يصنف في خانة العنصرية..


اماني ابوسليم
اماني ابوسليم

مساحة اعلانية




الرئيسة |المقالات |الأخبار |الصور |راسلنا | للأعلى


المشاركات والآراء المنشورة في صحيفة الراكوبة سواء كانت بأسماء حقيقية أو مستعارة لا تـمـثـل بالضرورة الرأي الرسمي لإدارة الموقع بل تـمـثـل وجهة نظر كاتبيها.
Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.
Copyright © 2025 alrakoba.net - All rights reserved

صحيفة الراكوبة