رسالة، إلى بنيه من فتوار
11-12-2010 12:54 PM

رسالة، إلى بنيه من فتوار..
(بنيه من فتوار موقده فيا النار من لهيب الشوق ببكي ليل ونهار)

عبدالغني كرم الله


image



أيتها الأميرة السمراء، بنية من فتوار..
صبح أسمر، مثل حياء خديك، وبشاشة وجهك.

ذلك الحياء القديم، والذي كان يصبغ وجهك منذ طفولتك، ويرسم حرف النون، وبالثلث كمان، \"الخط الذي احبه\"، على خديك، وأنت تركضي من باب الرجال، طفلة شقية، تخفي قزايز الببسي من الضيوف، والذي بسببهم دخلتي بالباب الكبير، بعد أن أرسلوك لجلبها من الدكان، تخفيها بمكر بين طوايا فستانك المهرود، والذي كشف رأسها، و\"فلتها\"، ولكن أدعينا عدم الرؤية، وأنت بعيونك الوسيعة، تحدقي في الضيوف، وتتفرسي وجوههم، وتحسبي عددهم، (أهو نفس عدد قزاز الببسي)، أم أكثر، أم أقل (وفي هذه فرح لك، بزيادة قزازة، لك)، ومن يدري، فقد تكوني اخبرتي امك، وأنت تعدي عدد الضيوف من خلال شقوق الباب، وزدتي واحدة، من يعلم، أيتها الماكرة، الجميلة..

وأقسم بأن حلاوة الببسي، سالت من فستانك المهرود، والملئ بالأزهار، والتراب، واللعاب، كل الضيوف أقسموا، بأن حلاوة الببسي، والشاي المنعنع، والفوطة،التي خاطتها اختك، سلبت من بسمتك جمالها، وسحرها..


في البدء، تشابه على الأمر، أأنت فتوار، وأهلها، أم انت فتاة بسيطة، ذات جمال فطري، سحرتي قلب الشاعر، والمغني، والمستمع..

أأنت فتوار، تلك القرية، التي تهب البساطة، بحكمة، لم تغني أهلها،، ولم تتركهم في هوان الرمق، بل بحكمة، تستلي من حقولك رزقهم، وكفافهم، كي لا تستولى عليهم أطماع الحياة الفانية، و(الدنيا جفية، ومن أراد منها شئ، فليصبر على مغالبة الكلاب)، حكمة ورثتيها من حياتك المعمورة بالذكر والفكر، تمد يدها برزق حلال، بسيط، كأنها تريد صبرا، وبساطة، ونورا كأولياء الله، فالنيل يحيط بك كسوار، ولكن هي حكمتك غامضة، تكاد تخرج عن تصور عقول تنشد البذخ، وأخرى تخاف الرزق، فتهاجر منك، وتعود إليك عاشقة، تستغفر دخليتها، وسوء الظن، فما أحكمك ايتها القرية السمراء، البسيطة، غنية النفس والروح، أكاد أقسم بأنك (لم تبخلي لعدم، أو حرص، فجرابك ملئ بالدخن، والعسل والبلح، والقمح، وطيب النبت)، ولكن حكمة المربي العظيم، الذي يرنو للبعيد، ويعرف معدن النفوس، حين تصبر، وتجالد، كيف يكون ختامها (من لم تحترق بدايته، لن تشرق نهايته)، وكي لاتشغلي النساء والرجال عن سحر ليلك؟ ليلك السماوي، المضفور بروائح الحقول، وبنعومة الرمال، وهيبة الجبل، وأنفاس العباد، ذلك الليل الناعم الطعم، حين تهفو النفوس للسمر، والمسامرة، وحكايات الزرع، والضرع، والطموح البسيط، وحين يتخلل النسيم العذب، المشرب بألف عطر، وعطر، يتخلل أهلك، وعنقاريبك، وأزيارك، ونوافذك، تستكين النفوس، وتشعر بثراء الروح، إيما ثراء..

أنت تعرفين الزيادة كالنقصان، كلاهما مهلكة، وببصيرة العارف، كنتي هكذا، بسيطة، وغنية، حكيمة، ومسالمة، ما أعذب الحياة بين جنيبك، وقرب حقولك، وتحت سماءك الطيبة، رميتي رحالك، بين هيبة الجبل، وهبة الحياة، النيل، وفرشت للاهل مائدة بسيطة، ومباركة، وجعلتي من مكر \"قيفك\"، سرا، حينا، يفيض ويغمر، وحينا ينحسر فيستر، وصقلتي نفوس أهلك، كالذهب المعتق، بنار الصبر، ونور الفرج، الأكيد، فوثقوا فيك، وأشادوا الدور، والجامع، والمقابر، دفنوا الأجداد، عندك، فالقبر روض من رياض الجنة، محاكاة لرياضك الخضر، اليانعة ..

بنية فتوار، ...

أأنت رمز؟، كما يضمر الشعر، لقريتي العجيبة، البسيطة، الغنية فتوار، ففيك، ما فيها، من عجن، ودخن، ونخل، وجداول، ودعاش سرمدي، من بكاء موج النيل وهو يودعك، جاريا كعادته نحو الشمال، وموج أخر، يحج لك من الجنوب، كي يكحل عينيه بك، ثم يمضي باكيا، بدموع الدعاش، حين يفارق دفء طيبتك، وبركة روحك..

(كيف لا أعشق جمالك، وما رأت عيني مثالك)، أهذه الإغنية لك أيضا؟ لا أشك في ذلك، فأنت درة الأجداد، وحلم الأحفاد؟ ياجارة النيل، بل كنت في قلبه، جزيرة خضراء، كريمة، يحوم حولك النيل، كما يحوم القمر حول الأرض، بلا حول أو قوة، سوى عطش الحب، وجذب العشق، يسقي جروفك..

هل تذكري، ذلك الجرح في ساعدك، حين اشعلتي الفحم، وكنت تكوي لأخيك الكبير، المسافر لجامعة الخرطوم، تكوي بنطاله الازرق، وقميصه السماوي، حين سرحتي مع فوران الفول في التكل، فأحرقت المكوة اناملك، ومع هذا لم تبكي، وواصلتي المكوة، من أجل أخيك المسافر، ومن أجل عشاء الاسرة، في حوش وسيع كلقلبك. من يعمل مثقال ذرة يرى، وأنت في الظلام الدامس، تسمعين نداء جدك (يابنية)، فتهرعي في ظلام كالفحم، بضوء مخبوء فيك، بين العناقريب، والازيار، لجدك، وفي يديك الجزال، فتدعكي كفه، ورقبته، تهرعي إليه، كما تهرع رائحة الند، في الظلمة لفؤاد النساك في المعابد، لا استحالة عند عينيك، وبين عينيك.. ويدعو لك الجد، يالمبروكة، بالسعد، والسعادة..

أكاد أسمع صوت طبول \"النحاس\" يتسلل من بين ضلوعك، وارى سواعد قوية، تحرسك من جور الزمان، والعباد، اسمع طبله يتدفق كشلال، يحرك حتى النخيل، والموج، للدفاع عنك، وعن مكارم أخلاقك، وعن حسانك، بل وقبورك، (لو متنا لحاربت المقابر)، أأنت فتوار؟ أيتها البنيه التي تفتح عين البصيرة، والبصر..

رأسك مبلول بجرة تحملينها للعطشان، من ماء النيل، ماء محنن بالطمي، بالطين الناعم، الأملس، مثل كفك، حين تصافحين الأهل، والنسيم، والخال، ونحن برؤيتك نروى، من زمزم سحرك الفطري، أبد الدهر..



يتبع...








تعليقات 4 | إهداء 0 | زيارات 6738

خدمات المحتوى


التعليقات
#50791 [ملاك فتوار ]
1.40/5 (12 صوت)

11-28-2010 12:00 PM
ود حاجة بنت المنى، بت العوض عدلان...

فلتفخر فتوار لأنها انجبت مثلك ولانك رسمت جمالها فى هذه اللوحه الفريده

وليفخرن بنيات فتوار لأن لهن اخ مثلك

يكتب ويوثق عن جمالهن وحيائهن وبساطتهن




#46627 [أبو محمد]
1.40/5 (13 صوت)

11-14-2010 02:54 PM
عبدالغني كرم الله
أستمتع كثيرا بكتاباتك الجميلة
وحقا من يعرفك أو حتى من يقابلك يعلم تماما بأنك موهوب
وشخص غير عادي
ربنا يديك الصحة والعافية


#46124 [حسنين]
1.40/5 (12 صوت)

11-13-2010 07:02 AM
مجنون عديل كدة. أمثالكم يرتقون بنا إلى عوالم الدهشة و الإبداع وعندما نقرأ لكم ننسى عذابات و مرارات الإنقاذا وكانها لم تكن. داوموا على إنقاذنا بكتاباتكم الرائعة.


#46007 [سوداني 100%]
1.40/5 (12 صوت)

11-12-2010 04:59 PM
المقال جميل تارة يخاطب القرية (فتوار) وتارة أخرى فتاة بسيطة، عقد صاحب المقال علاقة جميلة بينهما يربطها السحر والجمال. ولكن كلمة (و\"فلتها\") لم افهم ما المقصود بها أهي بمعنى فلتت!!!!!


ردود على سوداني 100%
Saudi Arabia [خالد بشير] 11-26-2010 01:27 AM
أأنت فتوار؟ أيتها البنيه التي تفتح عين البصيرة، والبصر

تخفي قزايز الببسي من الضيوف،

\"فلتها\" : يعني بها قفل قزازة البيبسي. \"فله\"

الله الله اسميها أم روائع الروائع
الأديب والروائي والكاتب عبد الغني كرم الله متعك الله بالصحة والعافية.


عبدالغني كرم الله
عبدالغني كرم الله

مساحة اعلانية




الرئيسة |المقالات |الأخبار |الصور |راسلنا | للأعلى


المشاركات والآراء المنشورة في صحيفة الراكوبة سواء كانت بأسماء حقيقية أو مستعارة لا تـمـثـل بالضرورة الرأي الرسمي لإدارة الموقع بل تـمـثـل وجهة نظر كاتبيها.
Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.
Copyright © 2024 alrakoba.net - All rights reserved

صحيفة الراكوبة