المقالات
السياسة
ارشيف مقالات سياسية
في ذكري رحيله الأول ..الزعيم السياسي الاستثنائي محمد ابراهيم نقد
في ذكري رحيله الأول ..الزعيم السياسي الاستثنائي محمد ابراهيم نقد
03-24-2013 02:23 AM

رجل اتخذ مبدأ و هو طالب بجامعة الخرطوم ، و من اجله فصل ، و لما تسني له ان يكمل دراسته الجامعية خارج البلاد، عاد لا ليبحث عن وظيفة لكن ليتفرغ لتحقيق ما آمن به و التزم به العمر كله. و كلفه التزامه و ايمانه بمبدئه عشرات السنوات من الاختفاء و السجون. و ما لانت قناته و لا مالت نفسه لبهرج الحياة الدنيا.

أبسط ماتتمنى حمامة، وطِفلِ رضيع
وعامل مصنع
فول بالجبنة، وحبَّة زيت
تلك العِمَّة، وجلَّابيتَّك، ومحضر سابق
طابِق يسابق
آخر طابق
حقَّ الشُفعة، ورُتبْ الدُفعة
ماتحسَّرتَ، ولا اتمنيت
تشهد ليكْ بالدِّقة
أزقَّة
ماتأخَّرتَ وماأستنيتْ


اتخذ الماركسية وسيلة لتحقيق اهدافه في نشر الوعي السياسي بين الناس، و تحقيق آماني المزارعين و العمال و صغار الموظفين و كل فئات الشعب الفقيرة، و رغم ايمانه بالنظرية كانجع طريق لتحقيق اهدافه، الا انه تعامل معها كنظرية اقتصادية اجتماعية، يأخذ منها ما يشاء و ما يناسب قضية الشعب السوداني ، وكان بشهادة الذين عرفوه عن قرب عابدا صوفيا، اخذ من الاسلام الزهد في متاع الغرور، والاخلاص في العمل لوجه تعالي ، وظل ينأي بايمانه و عباداته عن الرياء، وعندما اراد احدهم ان يستنطقه في هذا الجانب، اعطاه الاجابة التي يتمناه و يتمناه معه رهط يجيدون اطلاق البالونات الكاذبة، واكاد اجزم انه لم يكن يفعل ذلك كقائد شيوعي، و لكن اخلاصا لرب العالمين.

يوم تصدع حزبه بانقلاب 19 يوليو و اغتيلت قياداته ظلما و غدرا، و زج باعضاء الحزب في السجون و تبجح السفاح بقضائه علي الحزب الشيوعي، و شبح الاعدام يطارده، احتمي بالاحياء الفقيرة و من هناك بعزيمة المناضل الجسور و حكمة القائد الفذ، اعاد الحياة للحزب العتيد و ارسل المنشورالاول لسكان كوبر فاعاد الثقة و الطمأنينة و دارت عجلة النضال من جديد.
"عين المخبر ترمش، ترمش
كم ضاراك اللطف الثوري
بين الناس العاديين"
إخْتِفَى.. إخْتِفَى
بالهنا والشِفى
مبروك يامحمد
مَهْدَكْ ولَحْدَكْ
مابيناتُم إلا الخير


و رغم هذه الظروف الغريبة التي كان يعيشها ، رفد المكتبة العلمية السودانية بمؤلفات فريدة انبهر بها النقاد من خارج البلاد ، و جعلت ابناء السودان امثال اسامة الخواض و واثق مصطفي ان يقولوا انه كاتب و مفكر ضل طريقه الي السياسة. واثق مصطفي يلخص هذا الجانب من شخصيته:

" لا أجد بنفسي قدرة للفكاك من معظم كتابات الرجل الفكرية والسياسية. فلغته الرفيعة في الكتابة الفلسفية توحي بنسب أصيل له في ميدان الأدب؛ ودقته في تحديد المصطلح وفي الانقضاض جهة القضايا الخلافية، توحي بسعة عقل فلسفي لم يقع أثيراً لتلك التبسيطات اليساروية ذات الطابع "التوازني" التبسيطي التي تحفل بها حقول الكتابة الماركسية في السودان. نقد مفكِّر من طراز فريد له علينا مهمة أن نعتبر موته مناسبة لنشيع فكره بين الناس وبيننا بصفة أكثر خصوصية. "

و ما قاله هو عن تجربته في الكتابة يوردها اسامة الخواض في مقاله ، حين يتحدث عن الوثائق:

"غزارة و مصداقية في المعلومة و الحدث،اختزال في زمن الاطلاع،و إيجاز في الكتابة-و هذه الأخيرة ذات أهمية خاصة في ظروف السودان،لأن المثل الدارج اكتفى بوصف القراءة،القراية أم دقْ،و نسى أن الكتابة هي الدق ذات نفسه".

ثم يربط انحيازه للوثائق بعدة دوافع من بينها ما يسميه "دافع ظرفي" يكشف "طقس كتابته" حين قال معرِّفا للدافع الظرفي "وحدة الاعتقال ووحشة الإقامة الجبرية،و تعذُّر بل و استحالة تبادل وجهات النظر مع المختصين والعارفين،اختصارا للوقت و اقتصارا للجهد،و إرشادا للافضل من المراجع..أصبحت الوثائق البديل المتاح،و أضحى الحوار معها نصف المشاهدة و نصف المعايشة لعصرها،و أمسى نصها ضابطا و منظما للخلاصة و الاستنتاج".

في لحظة حاسمة من تاريخ النضال ، لحظة تنفيذ قرار الاختفاء، عندما حانت لحظة فراق اسرته، وقف اكثر من مرة امام غرفة وفاء و نوح ، ابناء شقيقه و كان يتمني لو يودعهم بالاحضان ، لكنه فضل ان يلقي نظرة عليهم و لا يقلق منامهم في الصباح الباكر! وعندما سؤل في لحظة اخري هانئة ، عن اكثر ما شغل باله في لحظة وداع الاسرة ، تذكر هذا الموقف الانساني البليغ.

ايه العظمة دي؟؟!!

اليس هذا الرجل هو الذي اوجز وصفه الشاعر ادريس جماع:

هين تستخفه بسمة الطفل قوي يصارع الاجيال
حاسر الرأس عند كل جمال مستشف من كل شئ جمالا
ماجن حطم القيود و صوفي قضي العمر نشوة و ابتهالا

ما الذي يمكن رجلا "انسيا" مثلنا ان يكون بهذه المواصفات الاستثنائية، رجل كما يقول الشفيع خضر (ودبلد ، عشا البايتات ، الأستاذ ،الأصيل ، ود ملين ، حكيم السياسة السودانية ، فارس الحوبة ) ، مناضل جسور و مفكر و قائد حكيم، ما الذي يمنحه كل هذه القدرات و الامكانيات ، و يجعله اطهر و انقي سياسي ، ويؤهله علي ان لا يحيد ابدا من التزام قضايا و هموم الشعب؟؟!! هذا سؤال ظل يحيرني منذ زمن بعيد ، عندما اتأمل سيرة نضال بعض الشيوعيين الذين قضوا العمر كله نضالا و جهادا في السجون و تحت الارض وهم كثر في مقدمتهم التيجاني الطيب، و اسمحوا لي ان اذكر هنا خالي المعروف في اوساط الحزب "بالكابتن". و بعد وفاة نقد، قرأت كل كلمة كتبت عنه، مرات و مرات و في ذهني هذا السؤال، و وجدتها!!

السر في عظمة هذا الرجل تكمن في كسر شوكة "الأنا" داخل الذات، التنازل عن الكثير من متاع الغرور، و امثاله كثر في الحزب الشيوعي، الا ان حالة محمد ابراهيم نقد حالة فريدة، لم يكتف بالتنازل عن متاع الدنيا و امتلاك بعض خيرها، بل ضيق الحصار علي "الأنا" فلم يسمح له الا بالقليل الذي يعين علي البقاء، "الأنا" عنده مسموح له استنشاق الاكسجين، و شرب الماء الذلال،و ما تيسر من المأكل و الملبس، و ان طمع في قدر من الرفاهية لابأس من سيجارة البنسون و القهوة التركية.!!

انظروا ماذا يقول في هذا الشأن اعز اصدقائه الاستاذ كمال الجزولي:

"لقد كان، فوق كاريزميته التي بوَّأته مكانة عليَّة فـي قيادة الحزب والحركة الوطنيَّة، إنساناً بسيطاً، شفافاً، يتلألأ بقدر عظيم من المعني الإنساني الرفيع. كان يغالي فـي بغضه، لا لـ "الملكيَّة الخاصَّة" فحسب، بل وحتى "الملكيَّة الشَّخصيَّة" المقبولة ماركسيَّاً! كان يحبُّ أن يهدي أشياءه على بكرة أبيها، ولا يطيق أن يحتفظ لنفسه بشئ أبداً! أهداني، مرَّة، ساعة يد، وعندما أهديته، بالمقابل، ساعة جيب سارع إلى إهدائها هي الأخرى. وبعث إليه أمين مكي، عن طريقي، بباقة قمصان أنيقة من غزة، فأهداها كلَّها! ولدى زياراته الرَّسميَّة لبعض البلدان تغدق عليه الهدايا، فلا يهدأ له بال، عند عودته، حتى يوزِّعها جميعاً .. وهكذا! كان بلا شبيه، تقريباً، علـى هذا الصعيد!"

هذا الرجل يجب ان تكتب سيرته بالتفصيل في كتابين: كتاب يدرس في المدارس، و آخر لكي تستعين به الاحزاب السياسية في السودان في تربية اعضائها للعمل في ميدان السياسة، ولتكون مواصفات شخصيته "بنش مارك" لمن يريد ان يتأهل للقيادة.

هيْت
خيْت
كيْت
شِبراً.. شِبراً
شارع.. شارع
بَيْتاً.. بيتْ
السودان الوطن الواحد والمتعدد، كم حَبّيتْ
كُلُّ كنوزهم كانت تحلم تاخد مننا ودملين
تحت الارض القالت ابيت
شذا أزهارى
وطمى انهارى
فلذة كبدى
أشرف وأنبل مَنْ خبيت

اللهم اغفر له و ارحمه و اجعل سيرته عظة و عبرة لاؤلئك الذين يلهثون لاغتنام متاع الغرور.

و آخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام علي اشرف الخلق و المرسلين.

[email protected]





تعليقات 3 | إهداء 0 | زيارات 1275

خدمات المحتوى


التعليقات
#618663 [محمد زيدان]
0.00/5 (0 صوت)

03-25-2013 08:32 AM
الشيوعية فكرة منبوذة وهي وسمة عار في جبين الفكر الإنساني وضحاياهامن الغلابا والمسحوقين يفوق جداً ضحايا المجاعات والحروب...تبا لكل الشيوعيين في هذا الكوكب...من الذي بارك فصل أساتذة جامعة الخرطوم في بواكير انقلاب مايو بحجة تطهير الجامعة من اليمين الرجعي؟؟ من الذي بارك وهلل لضرب اهلي الغبش الأشاوس الشرفا في الجزيرة ابا؟؟الشيوعيين أخبث وأسوأ من سار علي قدمين...ولنا عودة بإذن الله.


#618213 [sawaleef]
0.00/5 (0 صوت)

03-24-2013 06:57 PM
يالهم من رجال نقد, التجاني الطيب, عبدالخالق,الشفيع وووووووووووو.... اللهم جازهم بقدر ماقدموا لهذا الوطن السودان وشعبه.


#617587 [علي احمد جارالنبي المحامي والمستشار القانوني]
1.00/5 (1 صوت)

03-24-2013 08:16 AM
.
كان ولم يزل الشيوعيون يمثلون سنام القيم السودانية والانسانية الاصيلة ،المناطل والمفكر محمد ابراهيم نقد كان احدهم . واسألوا التاريخ عن قاسم امين والشفيع احمد الشيخ وجوزيف قرنق والتجاني الطيب وعبدالخالق محجوب ورفاقهم الشرفاء من ابناء بلادي وهم كثر ، منهم من قضى نحبه ومنهم من لم يزل على العهد وما بدلوا تبديلا ، ما هانوا وما لانوا ولا انكسروا وهم صامدون من اجل وطن عاتي وطن خيًر ديمقراطي .
.
وما سادنا غير سودانا سيد ....... مع التحية للشاعر المقاوم حميد (محمد حسن سالم )


ردود على علي احمد جارالنبي المحامي والمستشار القانوني
United Kingdom [حسين الزبير] 03-24-2013 11:48 AM
اعتز بهذا التعليق من علي احمد جار النبي المحامي، و امثالك من يجعلون آمالنا ترفرف فوق فضاءات الوطن، و يجعلونني اقتبس فخر المصريين ببلادهم فاقول: عمار يا سودان


حسين الزبير
مساحة اعلانية




الرئيسة |المقالات |الأخبار |الصور |راسلنا | للأعلى


المشاركات والآراء المنشورة في صحيفة الراكوبة سواء كانت بأسماء حقيقية أو مستعارة لا تـمـثـل بالضرورة الرأي الرسمي لإدارة الموقع بل تـمـثـل وجهة نظر كاتبيها.
Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.
Copyright © 2024 alrakoba.net - All rights reserved

صحيفة الراكوبة