المقالات
السياسة
ارشيف مقالات سياسية
رد على مقال د. حامد فضل الله : بين سعيد مهران وحيدر إبراهيم
رد على مقال د. حامد فضل الله : بين سعيد مهران وحيدر إبراهيم
04-14-2013 03:34 PM

بسم الله الرحمن الرحيم


أولا أعتذر كثيراً عن تأخر ردي على مقالك الذي كتب بمناسبة إغلاق مركز الدراسات السودانية بالخرطوم، وأشكر لك تواصلك الفاعل، واهتمامك - رغم إقامتك في ألمانيا منذ سنوات طويلة - بالشأن السوداني وقضايا الوطن، وقد بدا لي جلياً من اطلاعي على مقالك سعة اطلاعك المتنوع على ما يكتب باللغة العربية؛ مما ظهر واضحاً في أسلوبك السلس الذي يجمع بين البساطة والعمق.
وبالمناسبة، لقد تعاونت مع مركز الدراسات السودانية، وزرت د. حيدر في مركزه، والتقيت به أكثر من مرة، ونشرت في مجلة (كتابات سودانية)، في عددها رقم (19) الصادر بتاريخ مارس 2002م دراسة عن كتابات توفيق الحكيم في المرأة بعنوان (المرأة في كتابات الحكيم)، وحضرت للدكتور حيدر عدة ندوات ومحاضرات حينما كنت طالباً في كلية الاقتصاد جامعة الخرطوم في أواخر تسعينيات القرن الماضي وبداية الألفية الثالثة، وأذكر أن د. حيدر قد لفت انتباهي حينها بآرائه الجريئة الخارجة على المعهود، ومنها قوله في ندوة عن الهوية: (إن الهوية هي حديث العاطلين).
وأتفق معك في أن تأتي كلمة السياسة في اهتمامات مجلة (كتابات سودانية) في المرتبة الثالثة؛ لأن تغول السياسة على الثقافة والفكر يحد من انتشار المجلة، ويجعلها مؤدلجة، لا تستطيع أن تتجاوز نفق الأيديولوجيا المظلم ومستنقع السياسة الآسن إلى آفاق الثقافة والفكر الإنساني الرحب. وهذا يذكرني بقول أحد الوزراء الألمان في عهد هتلر: (كلما تذكرت كلمة ثقافة تحسست مسدسي)!
ولكن للأسف الشديد الواقع يشير إلى أن السياسة اختلطت بكل شيء، وألقت بظلالها على عالمنا المعاصر؛ لأنها تسببت في كثير من الأزمات، وكانت وراء عدة محن وابتلاءات؛ حتى لم يعد للناس حديث سوى السياسة!
أما بالنسبة لحديثك عن الديمقراطية، فكما ذكرت، فالأحزاب التي تنادي بالديمقراطية تفتقد إليها في داخلها، وفاقد الشيء لا يعطيه، وصار الحكم بالنسبة إليها غاية في حد ذاته، لا وسيلة لتحقيق أهداف وغايات؛ ولأنها تفتقر إلى الرؤية الواضحة تجدها إذا تربعت على سدة الحكم تتخبط ذات اليمين وذات الشمال!
وأتفق معك أخي الدكتور حامد بأن اسم (كتابات سودانية) يحد من انتشار المجلة، ويوهم بخصوصيتها واقتصارها على السودانيين؛ مما يحرمنا من الاستفادة من الكتابات المتميزة خارج هذا القطر. أما إصرار القائمين على أمر المجلة على الصدور بالرغم من العقبات الكثيرة فينم عن عزيمة لا تفتر، ومثابرة لا تهدأ ثائرتها؛ وما قام به مركز الدارسات السودانية حتى الآن في عشرين سنة يعتبر إنجازات كبيرة بإمكانات قليلة.
ومن باب الإنصاف ما قام به د. حيدر يدل على حبه وغيرته على السودان؛ فبالرغم من شهرته الواسعة ومكانته العلمية على نطاق المؤسسات العلمية العالمية والعربية، فضل أن ينشئ مركزه في السودان في مبنى بسيط في شارع فرعي في مدينة الخرطوم (3)، وآثر أن يجعل جُلَّ اهتماماته في محور وطنه. وبالرغم من اختلافي الجوهري معه فإنني أحترمه؛ لأنه مؤمن بقضيته، مخلص لها، ولست من أنصار إغلاق مركزه؛ لأن الفكر يعالج بالفكر والبيان والحجة والمنطق لا بالقمع والإقصاء والإيقاف والتشريد!
واختلافي مع د. حيدر كون محور دراساته واهتماماته الرئيسي ينصب في الدين يمثل معضلة، وهذا واضح في كتبه (لاهوت التحرير) و(سوسيولوجيا الفتوى)، وغيرها، واتخاذه للتجربة الماثلة في السودان دليلاً على فشل استصحاب الدين في السياسة، مع أن الدين جاء لينظم كافة شؤون الحياة، بما فيها السياسة، ومن الخطأ الكبير أن نفصله عن السياسة؛ لأن (فصل الدين عن الدولة) هي تجربة نشأت في الغرب، ومن الإجحاف استعارة هذه التجربة بحذافيرها وإسقاطها على واقع البلاد الإسلامية؛ لأن استغلال الدين كان موجوداً في أوروبا من قبل الأحبار والرهبان والقساوسة الذين أخبر القرآن الكريم أن كثيراً منهم يأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله تعالى، كما أن الدين المسيحي هو دين محرف، فلا يمكن بأي حال من الأحوال مقارنته بالشريعة الإسلامية المحفوظة؛ لأن الله تعالى تكفل بحفظ كتابها الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والذي لو تمسكت به هذه الأمة حق التمسك لما ضلت وهانت بين الأمم والشعوب، وأكبر دليل على ذلك أن الحضارة الإسلامية بلغت أوجها حينما كانت الشريعة مطبقة، وحينما كان الدين مقاماً بفهمه الصحيح في المجتمع.
ولا أنكر أن استغلال الدين في السياسة موجود الآن – خاصة في تجربة الإنقاذ – ولكن هذا الاستغلال خطأ في التطبيق، وليس في المنهج الذي يتخذ الشريعة منهاجاً ومرشداً، ومما يؤسف له أن يحاول بعض المفكرين إقصاء الدين، وفصله عن السياسة، بل عن الحياة كلها، وهؤلاء بشكل أو بآخر يطعنون في الدين، وليس في التطبيق، حينما يرفضون تطبيق الشريعة بحجة منع استغلال الدين؛ فما داموا مسلمين: لماذا لا يطبقون الشريعة هم بالفهم الصحيح دون استغلال، بدلاً من مطالبتهم بإقصائها، خاصة وأن أمر تطبيق الشريعة مأمور به كل مسلم وجوباً؟!
الدين جزء لا يتجزأ من حياتنا، وبحمد الله جبلنا - خاصة نحن السودانيين – على حبه، وفي أرقى جامعاتنا (الخرطوم) أجريت انتخابات الاتحاد بين عامي 68-1988م (18) مرة فاز الإسلاميون فيها وحدهم 16 مرة، بينما فاز العلمانيون مرتين فقط، بعد أن تكتلوا في تنظيم واحد! مع العلم بأن فترة الستينيات والسبعينيات والثمانينيات وجد فيها الفكر العلماني والشيوعي رواجاً كبيراً، ووصل ذروته في تلك الفترة، ولكن بالرغم من ذلك لم يحصل الشيوعيون - طوال تاريخهم - على أكثر من ثلاثة مقاعد في البرلمان، ومع ذلك يصر د. حيدر في لقاء أجرته معه إحدى الصحف السودانية أنه (ماركسي)، مع أن الماركسية أثبتت فشلها بالتطبيق العملي، وأصبحت فكراً بائداً عفا عليه الزمن!
وفي آخر المطاف، أقول: نحن بحق بحاجة إلى الحوار مع كل من يتبنى الفكر العلماني الديمقراطي، وألاحظ أن أغلب من دعاهم د. حيدر يمثلون ما يسمى بالتيار العقلاني التقدمي، فلماذا لا يدعو الذين يخالفونه في الرأي من الإسلاميين والسلفيين بكافة تصنيفاتهم، بدلاً من الإقصاء الذي لا يؤدي إلا إلى الصدام والتطرف وتمترس كل فريق خلف ما يراه صحيحاً؟!

علي صالح طمبل
السبت 13/4/2013م
Ali Tambal:[email protected]








تعليقات 3 | إهداء 0 | زيارات 1445

خدمات المحتوى


التعليقات
#638113 [عبد الهادى مطر]
0.00/5 (0 صوت)

04-14-2013 10:45 PM
الاخ/ طمبل تحية طيبة لشخصكم ولاراءكم وان اختلفنا معها جملة وتفصيلا.يبدوا لى ان مقارنة الوضع السياسى والاقتصادى والاجتماعى فى الدول الغربية التى فصلت الدين عن الدولة مع الدول ةالتى تسمى (اسلامية)خير دليل على استحالة ان يكون الدين هو اساس كل التشريعات وان الشريعة الاسلامية هى اساس الحكم.والسؤال البديهى الذى يخطر على بال اى قارئ لمقالك: اين النموذج المثال للذى تدعيه؟ فاذا كان التطبيق فقط هو اس المشكلة فما هو الحل؟ فى حين ان القارئ يعلم وانت تعلم انه لم يوجد اى مثال يحتذى به فيما يسمى بالحكم الاسلامى منذ الخلافة الراشدة وحتى تلك الفترة ايضا مرت ببعض الانتكاسات.فاذا سلمنا يقينا بان المشكلة فى التطبيق وليس فى المنهج فما تفسيرك لفشل كل الدول التى تدعى تطبيق الشريعة فى بسط العدل والحرية واحترام الانسان الذى كرمه الله؟


#637934 [لا لدولة دينية]
0.00/5 (0 صوت)

04-14-2013 05:19 PM
عشان نكون واضحين ........... تاني دولة دنينة في السودان ما ديرنها
كفاية عبث المهدية
و النميري
و الكيزان

و انته برضك جاي تحدثنا عن دولة دينية تانيه

يا شيخ طبق شريعة في نفسك زي ما داير ... تكون سني .. شيعي .. صوفي .. و هابي . سلفي
زي ما انته داير

لكن فرض ديانة علي دولة .. فلا و الف لا


#637930 [عادل احمد بليلة محمد]
0.00/5 (0 صوت)

04-14-2013 05:14 PM
الفكر التقدمى ببساطة هو الفكر الذى تقدم فى نيل الشهوات (اللذة والمتعة الجسدية).وتعمق فى الخوض فى الشبهات فعطل وجدانياته واشواقه(روحية).فانكر الغذاء الروحى (الدين).وابدله بالمشروبات الروحية.


علي صالح طمبل
مساحة اعلانية




الرئيسة |المقالات |الأخبار |الصور |راسلنا | للأعلى


المشاركات والآراء المنشورة في صحيفة الراكوبة سواء كانت بأسماء حقيقية أو مستعارة لا تـمـثـل بالضرورة الرأي الرسمي لإدارة الموقع بل تـمـثـل وجهة نظر كاتبيها.
Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.
Copyright © 2024 alrakoba.net - All rights reserved

صحيفة الراكوبة