وطنية الفنانين أكثر صدقا ( 2 )
06-28-2014 03:21 PM

عن فن الغناء و الشعر كنت قد كتبت مقالة بعنوان ( إنعكاسات الهوية في الغناء السوداني ) و هي موجودة في ارشيف مقالاتي في صحيفة ( سودانايل ) الإلكترونية و أيضا في قوقل , و لذلك فسوف أتطرق في الجزء الثاني من مقالتي اللتين بنفس العنوان , إلى فنان تشكيلي آخر و هو الفنان المبدع عجيب يوسف عجيب حسن . هو من خريجي كلية الفنون الجميلة و التطبيقية في عام 1987 و هو رسام و نحات , و قد اغترب في المملكة العربية السعودية حيث يعمل في مجاله و يزاول نشاطه الفني في الرسم و النحت و الطرق في مدينة جدة .
عنه كنت قد كتبت في صفحتي في الفيس بوك قبل شهر مضى : ( كنت من ضمن حضور معرض الفنان التشكيلي المبدع عجيب حسن الذي أقيم في صالة قاليري الفنون في مدينة جدة في الشهر الماضي , و الذي أسماه - ذاكرة أفريقيا – حيث أثبت بجانب لوحاته أنه مطلع على إنتاج كل روائيي أفريقيا فأخذ من رواياتهم ما عكسه في لوحاته من أحاجٍ و اشياء تراثية و بيئية . معظم هذا الجهد كما ذكر لي قد قام به في غضون الشهرين الماضيين . في السنة الماضية حضرت معرضه عن أعمال الطرق على مخلفات العلب الفارغة و قطع الغيار المستعملة , و قبل ذلك معرضه عن اللوحات الزيتية . انني أتمنى لك دوام التجدد و التشكل يا أيها العجيب .... ) . في الأسابيع الماضية تلقى بريدي الالكتروني رسالة من الفنان التشكيلي عجيب كانت عبارة عن مقالة ضمنها زفرات من روحه الشفيفة بسبب ما عاناه من جحود من بعض ابناء أفريقيا , فوضع لها عنوانا هو ( عقوق الأبناء ) و آثرت أن أعرضها على القراء الكرام فاليكم بها :
بالأمس القريب مر يوم أفريقيا العالمي في الخامس و العشرين من مايو , و قد مر هذا اليوم كما غيره من الأيام دون أي اثارة أو التفاتة اليه رغما عن أنه يعبر عن هوية لشعوب من سكان هذا الكون , مر و كأن الأمر لا يخصنا أو قد يكون وصل بنا عدم المبالاة لهذه الدرجة المزرية رغما عن كثرة المتثقفين الذين يدعون انتماءهم الى تلك القارة . أهكذا رد الجميل ؟ أهكذا البر ؟ أم أن ذلك صنف من عقوق و مرض جديد سكن عقول ابناء افريقيا ؟ ضمن احتفائي بهذه القارة العجوز اخترت مساحة من تفكيري الفني لرد الجميل لتلك القارة عن طريق عكس ثقافتها التي أثرت في تكويننا الابداعي و هو اثر واضح و لا مجال للتأفف و التعالي منه , فان في كل واحد منا جذوة من تلك البوتقة جيدة الانصهار و طيبة التركيب قد كونت سلوكنا الانساني . وجدت نفسي أضمن تلك الاحتفالية معرضا ضم مائة و عشرة لوحة حاولت ان أستعيد فيها ذلك الدور الفريد المميز لهويتنا المنسية . دخلت تلك التجربة كمن يدخل غمار احدى الحروب الأهلية في تلك القارة , و نالني ما نال أولئك الاخوة المتحاربين !
فلنبدأ من الأقرباء و ما أدراك ما الأقرباء , في زمان مضى قال لي جدي كلاما هو اشبه بكلام الأمثال : ( يا ولدي ضررك معرفتك لمصلحتك ) ! جلست أفكر في من هو الشخص المناسب الذي أوكل اليه افتتاح المعرض , شخص يكون له مردود معنوي كي يوصل الرسالة الى أبعد مدى , و هنا اصطدمت بأبناء القارة أنفسهم كالجدار العصي , فقلت هؤلاء نفر يقودهم ثراؤهم فهم لا يحسون و لا يشعرون بمن هي أفريقيا , ربما في نظرهم هي طبق شهي أو حسناء مغرية أو غانية .. و تعديت أمر الافتتاح بأن اخترت ابنتي ندى عجيب يوسف أن تقوم مقام أو انابة عن كبيرات القارة أمثال مريم ماكيبا و اسنيكش يوركو و دي كدودة لافتتاح المعرض , و كانت ندى مستعدة الى ذلك , فهي و الحمد لله و ما شاء الله تملك القدرة على المخاطبة باللغة العالمية .. و تم الأمر بتشريف سعادة قنصل جمهورية السودان بجدة و تم الافتتاح و الذي كان مصحوبا بدفق عاطفي كبير من الأجانب , اذ غاب الأقارب و غاب الأفارقة أصحاب الجلد و الرأس على الرغم من أنني كنت قد أرهقت نفسي كثيرا كي أصل الى أغلب قنصليات أفريقيا بجدة , و الكل يعرف تشتت مقار القنصليات في أي مدينة , و استقليت سيارات الأجرة التي دارت بي طوال أربعة أيام لتوصيل الدعوة و شرح الفكرة و التبشير و التذكير بموعد يوم افريقيا , و كثير من القنصليات الأفريقية لا تعلم الموعد المعلوم .
رغما عن العنت الكبير و الاستقبال الفاتر الغير كريم من كثير من القنصليات فانني استطعت أن اصل لأغلب من لهم دور اساسي في تلك القنصليات مثل نائب القنصل و مساعديه أو القناصل أنفسهم , و لكن غاب الجميع رغما عن التزامهم و تأكيدهم بالحضور , و أظن ذلك كان وعدا ديبلوماسيا أو هكذا هي الديبلوماسية ! لكن لهذا الاخلال و الاخلاف بالوعد أمران أولهما أنه قد أوضح صورة الممثليات و دورها و ما تفعله الآن , فهي تبدو وكأنها تابعة لوزارة الداخلية في بلادها , أي أنها تنفذ خدمات وزارات الداخلية من جوازات و تاشيرات و ما يشمل الشؤون الاجتماعية من جنسيات و عقودات زواج و غيرذلك . أما الجانب الذي يخص الخارجية فهو غائب تماما . لذلك ليس غريبا علي الديبلوماسيين المعنيين أن تغيب عنهم معظم الأوجه التي يفترض أن تكون ممثلة في تلك الممثليات . فلا يوجد أي مكتب يعنى بالثقافة مثلا , و لا أي شخص له اهتمام بالثقافة ليكون مكلفا فقط من باب اهتمامه الثقافي ذاك , لذلك ليس بمستبعد أن يقوم عميد السلك الديبلوماسي الأفريقي بسلوك يوضح فعلا أن لهذه القارة ابناء في قمة العقوق , اذ يقول هذا الشخص : نحن لسنا ناقصين ( هيد ايك ) أي صداعا !! كيف تم تعميد هذا الشخص و هو بهذا الكره للثقافة ؟ هذا ما يخص جانب البشر , أما جانب المكاتب فحدث فيه و لا حرج , فغالبية القنصليات الأفريقية تحكي حالا من التأخر و صورة غير سوية للممثليات , و هنا لا أقصد فخامة المباني بل أقصد العشوائية داخل تلك المباني التي تعتبر أوجها لدولها , ابتداء من غرف الاستقبال الخارجية و التي تعطي انطباعا عما يكون بالداخل ! فكثير من مواقد اعداد الطعام موجودة داخل المكاتب و تفوح منها روائح ما على القدور . هذا ما رأيته عند مقابلتي للشخص المسؤول الذي اقتادوني اليه و صار يحدثني عن الثقافة , فوزعت عليه رقاع الدعوة و غادرت ..
كنت كلي يقين انهم غائبون غائبون , و انتهى المعرض و احتفى بي الأغراب و غاب الأقراب الصحاب , و هذه وصمة أخرى .. لم يأت الحضور تكريما لي بل تكريما لأنفسنا جميعا و لذلك فان الذي غاب لم يؤثر على مسار الرسالة التي وصلت الى هدفها من خلال المعرض ! قد يذهب العقوق الى اقصى مداه عندما يعترض أحد القناصل الأفارقة على تبني اللجنة المكلفة بالاحتفال بيوم أفريقيا على مشاركة معرضي رغما عن موافقة اللجنة على ذلك ووضعه ضمن برنامج الاحتفال القناصلي , و كأن افريقيا هي أولئك القناصل و كأن الجاليات هي خارج هذا الأمر , فعميدهم قد اعترض على مشاركة معرضي متعللا أن الحفل لا علاقة له بالفن ! و اقترح أن تعرض الأعمال خارج الصالة المقام فيها الحفل , و بعيدا عن مسار دخول و خروج السفراء , على أن يشاهده من يرغب بعد انتهاء الحفل ! قطعا اعترضت على ذلك و قلت أنني قد دعيت من أجل المساعدة في اخراج الحفل و ليس لكي أعرض أعمالي ! وجدت نفسي أقف في منتصف الصالة و معي ابني يوسف و هتفنا معا باللغة الانجليزية : (Long live Africa ) ثم خرجنا من الصالة وسط دهشة بقية الأفارقة الموكل لهم اعداد الحفل لقارتنا , فأي عقوق لممثليها أكثر من هذا ؟ فقد كان معرضي يحمل في أحشائه كل تراثنا الأفريقي العربي الاسلامي ! هكذا انتهت رسالة الفنان المبدع عجيب حسن .
أخيرا أكرر و أقول : إن الحل لكل مشاكل السودان السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية يكون في العودة إلى مكون السودان القديم و هو التعايش السلمي بين العروبة و الأفريقانية و التمازج بينهما في سبيل تنمية الموارد و العيش سويا دون إكراه أو تعالٍ أو عنصرية . قبل ألف عام كانت في السودان ثلاث ممالك افريقية في قمة التحضر , و طيلة ألف عام توافد المهاجرون العرب إلى الأراضي السودانية ناشرين رسالتهم الإسلامية و متمسكين بأنبل القيم , فكان الإحترام المتبادل هو ديدن التعامل بين العنصرين العربي و الأفريقاني . إن العودة إلى المكون السوداني القديم تتطلب تغييرا جذريا في المفاهيم و في الرؤى المستحدثة و في الوجوه الكالحة التي ملها الناس !





تعليقات 0 | إهداء 0 | زيارات 1453

خدمات المحتوى


د. عمر بادي
د. عمر بادي

مساحة اعلانية




الرئيسة |المقالات |الأخبار |الصور |راسلنا | للأعلى


المشاركات والآراء المنشورة في صحيفة الراكوبة سواء كانت بأسماء حقيقية أو مستعارة لا تـمـثـل بالضرورة الرأي الرسمي لإدارة الموقع بل تـمـثـل وجهة نظر كاتبيها.
Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.
Copyright © 2024 alrakoba.net - All rights reserved

صحيفة الراكوبة