المقالات
مكتبة كتاب المقالات والأعمدة
د. حيدر إبراهيم علي
الانتفاضات الشعبية: القاعدة والاستثناء
الانتفاضات الشعبية: القاعدة والاستثناء
02-22-2011 09:38 AM

الانتفاضات الشعبية: القاعدة والاستثناء

د. حيدر ابراهيم علي
[email protected]

وجد الناس جميعهم أنفسهم في حيرة من تطورات الاحداث السياسية في العالم العربي،خاصة ما يسمون بالمفكرين والمحللين والمختصين والخبراء الاستراتيجيين.فهذه الفئة التي نعتمد عليها في فهم الواقع السياسي واستشراف المستقبلات والبدائل والممكنات،وجدناهم يلهثون خلف الاحداث المتسارعة.ومن
يطالع الصحف قبل انتفاضة تونس بقليل،يلاحظ اليأس من هذه الشعوب التي اعتبرت ميتة وانها خارج التاريخ.واصيب الكثيرون بنوع من الاكتئاب السياسي وهجروا الكتابة.وقد كان المشهد محبطا وخالي من الأمل.وكانت الامور تمشي عكس حركة التاريخ فالسودان علي بعد خطوات من التقسيم،ولبنان رجعت للمربع الأول بعد اسقاط حكومة الحريري،والعراق في متاهته بين التفجيرات وممانعة القوى السياسية في التعاون لتشكيل الحكومة.وكان المحللون حين يطلون علينا يتحدثون عن امتداد قوس الأزمات أي امتدادها جغرافيا ولكن لم يدر في خاطرهم دور الشعوب لانها كانت مغيبة تماما ويبدو عليها أنها قبلت بدور اللامبالي وانتشر مصطلح الأنامالية أب أنا مالي! ونسي الجميع-حكام وشعوب ومحللون- دور العملاق النائم.هذا الوضع جعل ما حدث يأخذ شكل المعجزة أو السحر ووقف كثيرون مندهشين مما جعل التحليلات غير دقيقة وانطباعية.
هناك مقولة تتكرر كثيرا حين يتحدث البعض عن احتمال أن يعيد السيناريو الشعبي نفسه في بلدان عربية اخري.فبعد انتفاضة تونس الشعبية تحدث كثيرون بأن الدور علي مصر وأنها مرشحة للثورة.وجاء الرد من كثيرين ايضا ان مصر موش تونس،وانفعل السيد احمد ابوالغيط وزير الخارجية المصري وقال عن المقارنة بأنها كلام فارغ!ويؤكد أصحاب هذا الرأي بأن المقارنة غير واردة باعتبار أن لكل بلد ظروفه ويستخدم مفهوم الخصوصية في هذه الحالة رغم \"الثوابت\"العربية ومفهوم\"الوطن العربي\" والذي يشير الي المشتركات بل التطابق في كثير من الخصائص والعادات والتقاليد والعناصر الثقافية.أقصد أن التبرير السياسي لاثبات الاختلاف سوف يمس كثيرا من المسلمات.بالتأكيد هناك تاريخ مشترك وثقافة مشتركة مما كان له أثره في تشكيل أو اختيار النظام السياسي والفلسفة أو الايديولوجية السياسية السائدة.إذ لا توجد فوارق شاسعة وكبيرة بين النظم العربية من المحيط الي الخليج،فهي تتشابه كثيرا ولا توجد الا فوارق في الدرجة وليس في النوع أو الكيف.
لابد من طرح فرضية تقول بأن القاعدة هي تشابه النظم العربية في خصائص مشتركة وهي القمع وغياب دولة القانون،الفساد والمحسوبية،التدخل الامني،الفقر،العطالة والفقر،التخليف والتخلف.هذه الخصائص كفيلة بإثارة الغضب والمعارضة والاحتجاج حتي تصل درجة الانتفاضة والثورة الشعبية.لذا في حالة تأخر أو تعطل الانتفاضة والثورة لا يعني ذلك أن الظلم أو القمع أقل أو أن النظام في دولة معينة أكثر ديمقراطية.
وبالتالي الاختلاف-لو وجد-في درجة قدرة المعارضة علي استنهاض الجماهير في هذا الوقت بالذات.والاختلاف ايضا ليس في فضائل النظام المعين، ولكن في نجاحه في إضعاف وإنهاك المعارضة مما يجعلها أبطأ في حشد الناس ورفع الوعي.ثم نزول الجماهير الي الشارع سريعا.فالقانون هو أننا أمام حكومات أغلبها نظم طاغية وظالمة، وأكثرها انتهت صلاحيته ولم يعد فاعلا وقادرا علي السيطرة.وهي نظم مستمرة ليس بسبب قواها الذاتية ولكن بسبب ضعف المعارضة أو غياب البديل.
هذه النظم ليست تقليدية وعتيقة بل اكتسبت حداثة تستخدمها في تطوير وسائل القمع.وهذا يذكرني بمسرحية لدريد لحام يقول فيها أن الكهرباء قد دخلت \"جسمه\"قبل أن تدخل قريتهم! وقد استخدمت المؤسسة الأمنية في بلادنا الكمبيوتر قبل الجامعات والمصانع.وتعتبر الأجهزة الأمنية هي الأكثر حداثة من حيث الادوات والمناهج أو الوسائل،وترصد لها امكانيات مالية هائلة.وتعتمد الدولة اعتمادا كاملا علي جهاز الأمن واطلقت يده حسب ما يظهر في القوانين العديدة المقيدة للحريات.
يلعب جهاز الأمن دورا حاسما في لجم الثورة أو الانتفاضة ويقوم بضربات استباقية ضد المعارضة في احيان كثيرة مما يرجح استمرار النظام رغم فقدانه مقومات الوجود الفعّال.وهناك نظم تذكر بعصا سليمان المتآكلة ولكنها لا تجد من يدفعها ليسقط.ويجب عدم الاعتماد المطلق علي أجهزة الأمن حتي ولو كانت جيدة. وفي هذه النقطة علينا الا نخلط بين القوة والعنف.فالعنف الذي يبديه النظام القمعي ليس في كل الاحوال دليل قوة،بل العكس الافراط في العنف علامة خوف ودفاع عن الذات وشعور خفي ومستمر بالخطر.
لابد من عدم الافراط في معالجة كل القضايا أمنيا،وهذه تفرقة دقيقة.كيف نفرق بين القضايا التي تستوجب معالجة سياسية وتلك الي تقتضي التعامل الأمني؟
ومن النماذج القوية لهذا الخلط ،التعامل مع السماح للأخوان المسلمين بالعمل السياسي والعلني وتكوين حزب سياسي عادي مثل بقية القوى السياسية.وعلي العكس تسببت الملاحقة والقمع – حسب رأيّ- في زيادة التعاطف مع الاخوان وأكسبتهم تأييدا.وفي احيان كثيرة،كانت الجماهير تصوت تصويتا عقابيا ضد الحزب الحاكم ويكسب الاخوان المسلمون في الانتخابات بهذه الطريقة.ومن ناحية اخري،يخضع استخدام الوسائل الامنية الي قانون يشابه القانون الاقتصادي الذي يسمي:قانون تناقص الغلة.فالأرض مثلا بعد فترة يتوقف انتاجها عن الزيادة مهما بذلت فيها من مخصبات.ويطبق ايضا في الحروب فالقصف بعد مدة معينة يكون مردوده صفرا.كذلك المبالغة في اللجؤ للحلول الامنية يصل درجة يكون بلا فائدة سياسية ولا يردع المعارضين.وفي هذه الحالة يبدأ النظام في الحديث عن الانفتاح والمصالحة والوفاق الوطني.ولكنه يريد كل ذلك حسب شروطه الخاصة.ولكن المهم هو أن النظام يتراجع قليلا ولكنه يبقي في خطر.
تقوي قاعدة الانتفاضة ضد النظام القمعي وتقل احتمالات الاستثناء عندما يعجز النظام عن الاحتفاظ بالبطانة أو السدنة،وهذا يحدث مع تفاقم الأزمة الاقتصادية للنظام ويصبح غير قادر علي تلبية الامتيازات التي يمنحها للعناصر المرتبطة به.وهناك علاقة عكسية بين تناقص الامتيازات أو الغنيمة وبين قوة
الولاء.ففي الفترة الاخيرة،أصبحت الاوضاع الاقتصادية متأثرة بالأزمة العالمية، وهذا سيوقف الصرف البذخي الذي يمارسه أي نظام قمعي فهو يصرف علي قطاعات غير انتاجي ويصعب أن يستمر الوضع علي هذه الصورة مع التغييرات الجارية.
تدخل النظم التي تصر علي أنها مختلفة عن البلاد التي اندلعت فيها الثورة في وهم كبير،واـنها تمثل الاستثناء.بينما الاختلاف والاستثناء في معسكر المعارضة باعتبار انها تواجه مشكلات ذاتية تقعدها عن المبادرة.وعلي هذه النظم أن تسارع بالقيام بعمليات اصلاح برضائها واختيارها أي بيدها وليس بيد عمر.ولكن هذه النظم ينتابها قدر من سؤ التقدير في مثل هذه الظروف ويكون رد فعلها متأخرا وكارثيا أيضا.





تعليقات 0 | إهداء 1 | زيارات 3366

خدمات المحتوى


د. حيدر ابراهيم علي
 د. حيدر ابراهيم علي

مساحة اعلانية




الرئيسة |المقالات |الأخبار |الصور |راسلنا | للأعلى


المشاركات والآراء المنشورة في صحيفة الراكوبة سواء كانت بأسماء حقيقية أو مستعارة لا تـمـثـل بالضرورة الرأي الرسمي لإدارة الموقع بل تـمـثـل وجهة نظر كاتبيها.
Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.
Copyright © 2024 alrakoba.net - All rights reserved

صحيفة الراكوبة