النظام والمعارضة في البلاد
03-03-2011 11:55 AM

رأي

النظام والمعارضة في البلاد

د.محمد الشريف سليمان

قبل فترة سطر رائد الصحافة اللبنانية الزميل طلال سلمان مقالاً حول: النظام اللاغي للدولة..والطبقة السياسية اللاغية للوطن.لقد أورد في تحليله: عبثاً نحاول اقناع أنفسنا«فكيف بأبنائنا؟» اننا « مواطنون في دولة « ذات نظام ما، ولك أن تسميه « ديمقراطياً بالتوافق الطائفي « أو طوائفي بالتوافق الدولي. ...لكنك مهما بلغت من البراعة في ابتداع الصيغ المخففة من فرادته في الجمع بين المواصفات المتناقضة، سيظل هذا النظام مستعصياً على التوصيف. ويكون عليك أن تسلم، في نهاية البحث، بأن هذه الدولة المتهالكة التي تأوى قبائل وأعراق شتى تتمتع بنظام يستعصي على الاصلاح، كما أنه أقوى من كل المحاولات التي جرت لاسقاطه أو استبداله.
ان أهل الطبقة السياسية الذين احتلوا صدارة المواقع الحاكمة والمتحكمة بالدولة، أقوى من الدولة ... نعم لقد أصبحت دولتهم واستمروا بالغاء « مواطنيها « لأن النظام يعترف بالرعايا فقط، والطبقة السياسية لا تعيش ولا تستمر الا اذا تحول الشعب الى« مجموعات» التي يستحيل على أفرادها أو على مجاميع المنتمين اليها أن يكونوا مواطنين. ويستخدم المتحكمون بمقاليد الحكم كل الأساليب الأيديولوجية والسياسية والجزائية لشيطنة الرأي المعارض وتجريمه، وحرمانه من حق الوجود والتعبير داخل المجتمع. ويتم ذلك باتهام المعارضة بكونها تتبنى الأفكار والنظريات المستوردة من الخارج، وهي بالتالي ليست من صميم البناء الوطني، بل أنها تعمل على تدمير الهوية الوطنية بأكملها. وعليه يتم تحييد المعارضة واخراجها من الجماعة والاجماع الوطني. أما على المستوى السياسي فيلصق بالمعارضة تهمة بكونها جيباً من جيوب القوى المعادية الأجنبية، وطابوراً خامساً للمتربصين بالوطن، العاملين على تدميره واخضاعه لارادتهم السياسية. وعلى المستوى الجزائي يلجأ هذا النظام الى اصدار القوانين التي تهمش المعارضة وتقمعها، من قوانين الأحكام العرفية أو قوانين الطوارئ. بل يلجأ النظام أيضاً لاستخدام الاجراءات القمعية بجميع أشكالها التعسفية ، وخاصة عندما يحتدم الصراع ويدب الرعب في قمة النظام من امكانية دخول الشعب الى ساحات النزال السياسي.
لهذا فان المشروعات الطامحة الى الاصلاح الشامل للبلاد والتي يهرع الى تبنيها بعض أهل الطبقة السياسية المعارضة سرعان ما تتهاوى في الطريق ليتم اسقاطها بالضربة القاضية من قبل أهل النظام. ولكن قد برع الجميع «أهل النظام والمعارضة» في لعبة تبادل الأدوار، فسقط احتمال التغيير الاصلاحي وتبادل أهل الطبقة السياسية التهاني. لقد أصبح النظام أقوى من الجماهير المطالبة... وحدة النظام هي الباقية، لا يأتيه التغيير أو التبديل من خلفه أو أمامه... فاذا ما تهدده الخطر هدد رعاياه بحرب انتقامية.
هذه الصورة القاتمة تعكس الواقع المؤلم في بلادنا، حيث تحول جزء معروف من المعارضة الى قوى مدجنة لصالح النظام الحاكم.
ان الانتفاضات التي جرت في تونس ومصر، وما يجري الآن في ليبيا، أظهرت أنها حركات انطلقت من وعي جماهيري وواقع اجتماعي مرير تعانيه أغلبية ساحقة من فئات المجتمع فثارت ضد ديكتاتوريات قمعية. الا أن المميز فيهم هو ظاهرة تتمثل في دخول الثورات حيز التنظيم الفردي العفوي بعيدا عن أطنان المجلدات البيروقراطية التي تزخر بها مكتبات الأحزاب التقليدية المعارضة في البلاد المذكورة وأيضاً في بلدنا. وفي الحقيقة ، تمثل هذه الظاهرة نمواً لتيار شبابي عصري أدخل تقنيات العصر في صلب النضال السياسي والمطلبي كاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي كفيسبوك وتويترا وغيرها.
لقد أظهرت أجندة المعارضة وخاصة الطائفية في السودان خلال فترة حكم الانقاذ أنها لم تكن تهدف لـ« اسقاط النظام » أو تنفيذ اصلاحات شاملة لمصلحة المواطنين، بل كانت وظلت تطالب باشراكها في العملية السياسية بشكل أوسع«رئاسة مجلس الوزراء أو الوزارت السيادية » . ولكن المطلب الحقيقي الخفي وراء الكواليس يكمن في الحصول على المال وملء الجيوب من صاحب السلطة والمال، وتقديم فروض الولاء والطاعة له، مما أدى الى عدم الالتزام ونقض الوعود مع قوى المعارضة الحزبية الأخرى، ودفنوا رؤوسهم كالنعام في الرمال. . لقد عمد النظام الحاكم من خلال اغداقه المال والمناصب على المعارضين السياسيين في البلاد، ليجعل منهم قوى فارغة من أي محتوى وطني - مطلبي، بل لتحويلهم الى أبواق له.
نعم، لقد عانى ولا يزال الشعب يعاني من اهانة الطبقة السياسية الحاكمة له، والاستهتار بقدراته. ورغم ما لحق بهم من أذى، فهم على أعلى مستوى من المعرفة والفهم. جاء الوقت كي تتفتح الأزهار. جاء الوقت كي يتعلم الحكام وأتباعهم من الشعب. وجاء الوقت كي يحاسبهم الشعب، فليكن الحساب عقابا لهم. وليكن العقاب بما يستحقون.
لقد ظهر تيار شبابي جديد يعرف بتيار « النضال الالكتروني « يقوم بدعوة وتعبئة وتنظيم المجتمع نحو النضال الهادر، لتحقيق أماني وتطلعات الشعب المسحوق نحو الأفضل.ان جيل الشباب الجديد فقد ثقته بمعظم أطياف اللون السياسي بما فيها أحزاب اليسار التي من المفترض أن تحمل همومهم وتطلعاتهم نحو مستقبل مشرق، وهذا ما يحتم على هذه القوى ايجاد وسائل استقطاب جديدة.

الصحافة





تعليقات 0 | إهداء 0 | زيارات 1824

خدمات المحتوى


د.محمد الشريف
د.محمد الشريف

مساحة اعلانية




الرئيسة |المقالات |الأخبار |الصور |راسلنا | للأعلى


المشاركات والآراء المنشورة في صحيفة الراكوبة سواء كانت بأسماء حقيقية أو مستعارة لا تـمـثـل بالضرورة الرأي الرسمي لإدارة الموقع بل تـمـثـل وجهة نظر كاتبيها.
Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.
Copyright © 2025 alrakoba.net - All rights reserved

صحيفة الراكوبة