المقالات
مكتبة كتاب المقالات والأعمدة
حسن أحمد الحسن
المحكمة الجنائية ومحنة منصب الرئيس السوداني
المحكمة الجنائية ومحنة منصب الرئيس السوداني
06-17-2015 11:33 AM


فجرت مشاركة البشير في مؤتمر القمة الأفريقي بجنوب افريقيا مجددا قضية مطالبة المحكمة الجنائية للبشير المثول امامها لاتهامه بارتكاب جرائم في دارفور . وبعد انجلاء غبار شعارات وتصريحات أنصار الحزب الحاكم التي أعقبت الحدث بعد وجوم ملحوظ سبقه وبعد ان جفت الدموع ورفعت الأقلام يبقى ضرورة التأمل بموضوعية لهذه القضية التي بات السودان كدولة يدفع من عزته وكرامته ومصالحه وعلاقاته الخارجية وموقعه في العالم ووضعه في المجتمع الدولي ثمنا باهظا لها.
فالمحكمة الجنائية ومن ورائها لن تنسى او توقف مطاردتها للبشير والبشير لن يأمن غدرها ولن يتوانى في اتقاء شرها بكل السبل الوقائية التي يملكها.
صحف جنوب افريقيا كتبت في معرض انتقاداتها للحكومة الجنوب افريقية عن ما وصفته بتواطؤ جوهانسبيرج لتسهيل مغادرة البشير عبر مطار عسكري لا يخضع للرقابة المدنية رغم تطمينات ابلغتها المحكمة العليا بأن البشير موجود بالبلاد ، ويبدو ان ازمة سياسية بين الحكومة والقضاء بدأت في التطاول بسبب ذلك بعد ان قررت المحكمة منح الحكومة مهلة أسبوع، لتقديم تفسير لأسباب تحديها قرارها منع الرئيس السوداني عمر البشير من مغادرة البلاد.
على صعيد المحكمة الجنائية الدولية قال نائب المدعي العام جيمس ستيوارت إنه يعتبر أن ما جرى يؤكد الحاجة إلى التعاون الكامل بين الدول الأعضاء في الجنائية الدولية لتغيير المفهوم الخاطئ للنظام الأساسي للمحكمة ذلك أن هناك قرارا من مجلس الأمن الدولي يثبت تورط البشير بمجازر في إقليم دارفور، وأي دولة موقعة على الجنائية الدولية ملزمة باعتقاله.

وقال إن هناك خطوات مقبلة يمكن أن ترى النور قريبا لأن المحكمة باتت ترى أن هناك استهتارا واضحا بأحكامها إذ لم تكتف دول غير موقعة على بروتوكول روما ممن زارها البشير من قبل بعدم الاكتراث بضرورة إيقافه وتسليمه، مثل مصر.
على الصعيد الداخلي فإن المسيرات والتصريحات والدموع لن تغير في الواقع شيئا لآنها مجرد شعارات عاطفية إن صدقت لن تغير في الواقع القانوني والدولي شيئا وتفتقر للمعالجات السياسية والموضوعية للأزمة التي لم تصب الرئيس في شخصه بقدر ما أنها أصابت السودان في مصالحه ودوره وصورته بعد أن وضع منصب الرئيس في قفص الاتهام أمام العالم .
ولعل من المفارقات في السياسة السودانية أنها تقدم نماذج تستعصي على فهم البعض ربما لدرجة شفافيتها ووطنيتها غير المعهودة هذه الأيام في سياق الممارسة السياسية الحالية ذات الطابع الانتهازي من هذه النماذج مخاطبة السيد الصادق المهدي رئيس حزب الأمة برسالة مكتوبة، إلى قمة الاتحاد الأفريقي وإلى دولة جنوب أفريقيا يحذّر فيها من خطوة اعتقال الرئيس، عمر البشير، وتسليمه إلى المحكمة الجنائية خوفا على ما قد يجره ذلك من أخطار الفوضى والتمزق لبلاده رغم أن البشير لم يتواني في اعتقال المهدى لمجرد التعبير عن رأيه في تجاوزات قوات الدعم السريع . وهي ذات القوات التي ينتقد زعيمها حميدتي اليوم القوات النظامية ويتهمها بارتكاب عمليات النهب والسلب ويطالب بمحاسبة المسؤولين عن ذلك.

الصادق المهدي يرى أن من الممكن توظيف هذه القضية بطريقة تعود بالنفع للبلاد من خلال الحاجة إلى مواءمة العدالة الجزائية والعدالة الإصلاحية وعدم التضحية باستقرار البلاد من أجل التشفي والاحقاد البدائية وهو موقف مبدئي اتصف به .
وذلك مقابل أن يتعهد البشير بوقف الحرب وإجراء حوار وطني حقيقي برعاية دولية تفضي إلى تحول ديمقراطي وقيام سلطة الدستور والقانون وقيام دولة مؤسسات ديمقراطية تحترم الحريات الأساسية للمواطنين وحقوق الانسان وان ينطلق السودان نحو مرحلة جديدة عبر انتخابات حرة نزيهة ومراقبة وعامة تؤسس للشرعية الديمقراطية ومقابل ذلك يتعهد مجلس الأمن بأسقاط الملاحقة الدولية للبشير وأن تتولى العدالة الحرة في السودان إجراء تحقيقات عادلة لمساءلة المتهمين ومحاكمة من تثبت إدانته بارتكاب جرائم في دارفور وغيرها او تجاوزات يعاقب عليها القانون .
أن يتعهد المجتمع الدولي بالتعاون مع السودان لإعفاء الديون الخارجية وأن تقوم الولايات المتحدة برفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وان تنداح علاقات السودان الخارجية دون قيد أو شرط .
وحسب العديد من لقاءات المهدي الخارجية بمسؤولين أميركيين وأوروبيين ودوليين حسبما أشار إلى ذلك فإنهم لا يمانعون في تبنى ودعم هذا المخرج للرئيس السوداني لكنهم يتساءلون هل الرئيس مستعد لتبنى هذا الخيار والمخرج لمصلحة بلاده؟.

مراقبون ومحللون وصفوا مخاطبة المهدي للقمة الأفريقية بأنها تمثل درجة عالية من الغيرة الوطنية والحفاظ على مصالح البلاد واستقراراها والترفع عن المصالح الضيقة والخصومة السياسية .
صحيفة اليوم التالي نقلت بعض من تلك التعليقات منها ما أشار إليه خالد محمد علي مساعد رئيس تحرير صحيفة الأسبوع المصرية الذي يرى أن رسالة الصادق المهدي تعكس شخصيته. وقال إن الصادق المهدي شخصية تختلف عن كل قادة العمل السياسي في السودان، ودائما تغلب عليه المصالح الوطنية على المصالح الضيقة، مضيفا أنه يمتاز بذلك على مر تاريخه، بالإضافة إلى أنه مفكر ويغلب صوت العقل والمنطق، متوقعا أن تكون هذه الرسالة بداية خلافات كبيرة بين المهدي وبين المعارضة المسلحة التي وقع معها أكثر من اتفاق في إعلان باريس ونداء السودان.
أما الدكتور أيمن شبانه أستاذ العلوم السياسية بمعهد البحوث الأفريقية في جامعة القاهرة أكد أن الصادق المهدي رقم مهم في الحياة السياسية بالسودان وما قام به خطوة مهمة.
أما التساؤل الذي يطرح نفسه الآن كيف سيواجه الرئيس هذا الموقف بما يحقق المصلحة الوطنية العليا للبلاد؟ .
هل سيستمر النظام في سياساته الأحادية ولعبة المطاردة الدولية له بكل ما تجره من حرج سياسي ودون اعتبار لوجه السودان ومصالحه العليا ؟
هل سيستمع الرئيس لمستشاريه ومجموعات المصالح الذاتية في حزبه التي تصور له غير الواقع للحفاظ على امتيازاتها ومصالحها الي بنتها على حساب المصلحة الوطنية .؟
أم أن ما حدث في جنوب أفريقيا من محنة حقيقية أصابت الجميع حكومة ومعارضة وطنية بالحرج ستحمل الرئيس على قبول منطق الجنائية والعقوبات والملاحقات مقابل العدالة والحريات والتحول والديمقراطي متبنيا بذلك إحداث تحول سياسي تاريخي نحو الديمقراطية ودولة القانون يجنب البلاد اخطار التمزق ويجنب سيادة السودان مواطن الحرج والذلل .؟


As Africans, we are quite far from the governments of democracy, respect
[email protected]





تعليقات 1 | إهداء 0 | زيارات 6601

خدمات المحتوى


التعليقات
#1287842 [الطيب خالد]
2.12/5 (14 صوت)

06-17-2015 01:35 PM
لك التحية أستاذ حسن على تحليلك الموضوعى الرصين آملين أن يلتفت صناع القرار فى النظام الحاكم لمثل هذا النصح القيم وأن لا يكون إهدار الفرص الثمينة هو سيد الموقف كما دأب حكامنا طوال مسيرة حكمهم ، فهم دائما وإن قبلوا النصح يعملوا على إفراغه من مضمونه كالحوار الشامل المزعوم الذى بدأ فى مطلع العام الماضى وما زال يراوح مكانه لأن الحكومة تريد تفصيله على مقاسها أو قل فى أحسن الحالات تريد أن تخرج منه وهى الكاسب الأول .
على الحكومة أن ترتقى لمستوى أرفع حتى تتقدم البلاد خطوة بعد هذا الإجهاد الذى هد قواها وقعد بها طويلا ثم جهز على نسيجها الإجتماعى وهذا هو بيت الداء الآن .


حسن احمد الحسن
 حسن احمد الحسن

مساحة اعلانية




الرئيسة |المقالات |الأخبار |الصور |راسلنا | للأعلى


المشاركات والآراء المنشورة في صحيفة الراكوبة سواء كانت بأسماء حقيقية أو مستعارة لا تـمـثـل بالضرورة الرأي الرسمي لإدارة الموقع بل تـمـثـل وجهة نظر كاتبيها.
Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.
Copyright © 2024 alrakoba.net - All rights reserved

صحيفة الراكوبة