المقالات
مكتبة كتاب المقالات والأعمدة
د.عبد القادر الرفاعي
علي هامش كتاب عبدالرحمن عبدالرحيم الوسيلة:
علي هامش كتاب عبدالرحمن عبدالرحيم الوسيلة:
10-12-2015 12:03 PM


علي هامش كتاب عبدالرحمن عبدالرحيم الوسيلة:
اسطورة سيزيف
"ليس هناك قضية فلسفية جديرة بالإهتمام سوي قضية الإنتحار, إن حكمك بأن الحياة جديرة أو غير جديرة بأن تعاش هو, في الحق, جواب عن السؤال الأساسي للفلسفة". إنه ليخالج المرء أحياناً, إحساس غامض فريد, بأن الحياة ليست جديرة بأن تعاش, و قد يلم به ذلك الإحساس, مفاجأة, فيشعر بعبث الحياة يتلخص علي هذا النمط: يقظة-حافلة-اربع ساعات عمل-طعام الغداء-حافلة-اربع ساعات عمل-طعام العشاء-نوم-يقظة-الإثنين-الثلاثاء-الاربعاء-الخميس-الجمعة-السبت-الأحد, و تترادف أيام الحياة, علي وتيرة واحدة, حتي يتصدي سؤال يستفهم عن معني الحياة و جدواها ثم ينتهي من تساؤله إلي عبث الحياة كلها."هذا هو إنسان العصر, تسير حياته رتيبة, مكرورة, كأنها أخذت بمدرجة حياة "سيزيف" بطل العبث في الاسطورة اليونانية,"سيزيف الذي عاقبته آلهة اليونان عقاباً سرمدياً بأن يحمل صخرة كبيرة و يتوغل في الجبل, حتي إذا شارف قمته, تملست الصخرة من بين يديه, و هبط ليحملها من جديد, و يرقي بها و لكنها تتدحرج كلما إقترب من القمة, فيلحق بها, ليعاود حملها, و يظل, هكذا, معذباً بجهده, المضيع بين صعود و هبوط. أرايت إلي وجهه, يرفضُّ العرق في مساربه, و إلي خده يعانق الحجر, و إلي كتفه تتوجع, تحت عبء الصخرة, و إلي يديه تتشبثان بها, و إلي نظرته الحسيرة تتعقبها وهي تفلت منه و تتدهدي إلي سفح الجبل. يقول كامو:"بلي إنني أري إليه وهو يهبط بخطي ثقيلة و لكنها موزونة, نحو العذاب الذي لا يعرف له نهاية"! غير أن "سيزيف" مدرك لهذا العبث, و من هنا تنجم مأساته, و لكنه يظل متمرداً, عنيداً, و من هنا يقوم خلاصه. ففي التمرد علي العبث تنطلق فرحته الكبري. بل أن "سيزيف" هذا العامل البروليتاري لآلهة اليونان هذا العاجر المتمرد يعي وضعه الشقي, إنه يفكر به, وهو ينحدر إلي السفح, إن وعيه هو الذي يهيج عذابه, هو الذي يلهم إنتصاره, و لكن في وعيه هذا مكافأة له, إن نضاله الدائم نحو القمة يكفي بأن يكلأ قلبه فرحاً بل ينبغي أن نتصور "سيزيف" سعيداً. لا يجوز إذن لسيزيف المتمرد أن ينتحر وهو يعي هذا العبث الذي لفعَّ حياته كلها, ف الإنتحار الذي مهَّد له, في البدء, لتقديم قضية العبث, لا يحلها أبداً. قد يكون منطقياً أن ينتحر المرء لأن حياته لا معني لها, و لكن الإنتحار ينفي الوعي كحقيقة فإذا ألغيته, ألغيت العبث, و إجتثثته من جذوره.. هكذا تتبدي لنا فكرة العبث لدي كامو, حالة مستمرة ملازمة للحياة لا كنتيجة يمكن حذفها و الإستغناء عنها.





تعليقات 0 | إهداء 0 | زيارات 2536

خدمات المحتوى


د.عبدالقادر الرفاعي
د.عبدالقادر الرفاعي

مساحة اعلانية




الرئيسة |المقالات |الأخبار |الصور |راسلنا | للأعلى


المشاركات والآراء المنشورة في صحيفة الراكوبة سواء كانت بأسماء حقيقية أو مستعارة لا تـمـثـل بالضرورة الرأي الرسمي لإدارة الموقع بل تـمـثـل وجهة نظر كاتبيها.
Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.
Copyright © 2024 alrakoba.net - All rights reserved

صحيفة الراكوبة