بارانويا الأبواق الميتة 02-08-2016 09:14 AM
*(أجسادنا كالخلايا، والشهد
والعسل فيها عشق الحق!..)
- جلال الدين الرومي -
.. لدي اعتقاد. لا يطوله الشك، أن قليلاً من الحزن ينعش القلب.
* * *
قبل أن أرمي القصيدة في جوف الحقيقة، سأدعو الأساطير إلى ممارسة جنونها في حضرة (النص) قبل أن ينهض الصمت من سباته الأبدي.
* * *
أقوله للشعراء الذين لم يتمكنوا من التعبير عما يجيش في أعماقهم: أحلامكم هباء في حضرة اللغة، توقفوا عند ناصية الفضيلة وأصيخوا السمع لإيقاعات الزمن المر، فثمة من ينتظركم عند منعطف الهزيمة ليمنحكم المزيد من المعاني قبل أن تضل كلماتكم عند القصد.
* * *
ها هم أولاء السورياليون.. أراهم يتساقطون الواحد تلو الآخر في أروقة (النص)، قبل أن يقوموا باقتناص طرائدهم التي تتسكع فوق أرصفة المدن الحافلة بالانتظار والنزوات والخطوات العابرة، غير مكترثين أو مبالين بالعواصف الفكرية والآراء الفلسفية التي اقتلعت المجاز والتأويلات الغامضة من جذورهما.
* * *
يا إلهي... كم السماء منخفضة الآن.. والأرض تعلو... وتعلو.. تكاد تطير من الفرح بعد أن أوصدت فردوسها بوجوه الديدان والذئاب الماكرة ودفعت الخطيئة والحكايات الماجنة نحو الهاوية.
* * *
ثمة امرأة.. كانت تتسكع، بكل ما تملك من دهاء وخبث، في أروقة الرذيلة، وحين اكتشفت خطيئتها.. دخلت صومعة الندم.. وعلمت أن ما اقترفته لا تغسله الدموع.. ولا تجففه رياح الزمن العاتية.. حينئذ تركت لأنوثتها حرية البحث عن رجل يتقن فنون المغفرة.
* * *
الموت حادثة غير عابرة في الحياة.
لكن حين قيل للناس إن: (الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا).
استسلموا لمقدماته، وتركوا صياغة نتائجه لمعتقداتهم الدينية الملوثة – في بعض الأحيان – بالخرافات والأساطير.
تناثرت حبات المطر فوق جبين الأغنية المرصعة بالتفاصيل الحزينة.. لذا أشعل المغني في أعماقه مدفأة الشوق والحنين ليتقي زمهرير عواصف البعد والغياب.
* * *
أحياناً.. أحتاج إلى امرأة تنتشر في جسدي كالطاعون لترتب خلاياي خلية.. خلية.. وتعيد تنظيم مشاعري وأحاسيسي التي تعاني الفوضى.. وتمشي على رؤوس أصابعها فوق سهول روحي المزدحمة بالبروق والرعود، وقبل أن تغادرني تسكب حماقاتها فوق نيران قلبي وتتركني مستسلماً لطقوس قصيدة لم تولد بعد.
* * *
يحتشدون كالذئاب في طرقات المدينة المكتظة بالموبقات... يحدقون بالمارة.. والأرصفة... والنساء... وفجأة ينطلقون خلف شجرة أعلنت تمردها وعصيانها ليقلموا أغصانها قبل أن يتجمهر المارة تحت ظلالها وهم يحلمون بميلاد يوم جديد يعيد إليهم ثقتهم بأن الأرض ما تزال وطيدة تحت أقدامهم.
* * *
ذات نزيف.. كانت الكلمات تمشي حافية القدمين فوق جمر القصيدة... بينما كان الشاعر يحصي خطوات أحزانه خطوة.. خطوة.. فوق أرصفة الهذيان.. وحين أدرك أن ما يعتمل في أعماقه غير قابل للتأويل.. ترك للكلمات حرية التعبير عن هزائمها في حضرة الروح.
* * *
نهضت المدينة في الصباح... أشرعت أبوابها للعابرين... وبكل ما تملك من دهاء وخبث أعلنت عن رغبتها بارتكاب مجازر لا تحصى بحق الذين تركوا الطواغيت يمارسون العهر في وضح النهار، وحين أدركت أنها غير قادرة على مواجهتهم، ارتدت ثيابها السود ومضت هائمة على وجهها في صحاري اليأس والقنوط.
[email protected]
|
خدمات المحتوى | الدكتور نائل اليعقوبابي مساحة اعلانية الاكثر مشاهدةً/ش الاكثر تفاعلاً |