الكهرباء و طِبها, و الخاطر المكسور
05-04-2016 09:15 AM


رمت بنا صروف الدهر للسكني في حي الملازمين إذ جاء والدي منقولاً من المديرية الشمالية (الدامر) إلي رئاسة وزارة الزراعة. كان حي الملازمين بامدرمان مجموعة متناثرة من البيوت يربط بينا حزام من الحفر العميقة, وكان عدد سكانه محدوداً عمنا أحمد مكي عبده محافظ الخرطوم, و آخر من آل فريجون, و بابكر محمد عبدالله, و فخري زين العابدين, و السر عباس(سيد الناش), و عمنا حمدنالله و مدني الشبلي و عبدالله طه وغيرهم. كنت في الخامسة حين لعبت الصدفة أن نجاور أسرة كريمة كان أحد أفرادها يسقط علي الأرض و يرفس ليأخذه إلي مستشفي بحري فيعود بعد ذلك عادياً ولكن حالته تدعو للعطف. كلما سألنا الوالدة يجئ ردها أن خاطره مكسور. حينما بلغت العشرين كان في الخامسة والأربعين إذ أصبحنا عضوين في الحزب, فأسر لي بلغز الخاطر المكسور بأنه يعاني من نوبات كان ضرورياً أن يتلقي معها جرعات من الكهرباء تجعله في حالة يرثي لها حسب قوله وهو ما عرف عند نساء الجيران بحي الملازمين بالخاطر المكسور. كن يحملن له (بستلات) من عصير النشا التي لا يقوي علي تناول غيرها وإنتهي الأمر. في مطالعة لديوان الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوغان وجدت قصيدة كاملة بعنوان "بيض الحمائم": "بيض الحمائم حسبهن إني اردد سجعهن-ما الكهرباء و طبها بأجل من نظراتهن". الغزل واضح هنا رغم تطابق حالتهم مع حالة جارنا في حي الملازمين-ربما- الفرق أن طوغان قد دخل من باب الغزل الذي ربما كتب له الشفاء دون جرعات من الكهرباء. و الآن إنقطع التيار الكهربائي حسب البرمجة قرابة 12 ساعة يومياً من الأحياء لكن الفرق بين الخمسينات في حي الملازمين والمستشفيات في فلسطين فرق واضح. نحن الآن في السودان نعاني من سوء التغذية و أمراض الملاريا و إرتفاع ضغط الدم و أمراض السكري والفشل الكلوي والسرطان و ضعف النظر و قل العمي إلخ. كيف نحتمل حرارة الجو الحارق الذي حولنا من دائرة الخاطر المكسور إلي الإكتئاب وأخوانه. لا مجال للمغالطة: لأن 99.9% لا يستمتعون بالمولدات الكهربائية, فمن أين لهم إحتمال حرارة الجو الحارقة و حالهم كذلك حتي حين تعود الكهرباء لإستخدماهم لا مجال للتخلص من الحرارة التي نخزنها الجدرانو الحيشان. كان السودانيون يقولون: "نجيكم بالبرودية" فأين هذه البرودية؟. أعيدوا لنا الكهرباء فهذا واجبكم و ذلك من حقنا.





تعليقات 0 | إهداء 0 | زيارات 3506

خدمات المحتوى


د.عبدالقادر الرفاعي
د.عبدالقادر الرفاعي

مساحة اعلانية




الرئيسة |المقالات |الأخبار |الصور |راسلنا | للأعلى


المشاركات والآراء المنشورة في صحيفة الراكوبة سواء كانت بأسماء حقيقية أو مستعارة لا تـمـثـل بالضرورة الرأي الرسمي لإدارة الموقع بل تـمـثـل وجهة نظر كاتبيها.
Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.
Copyright © 2024 alrakoba.net - All rights reserved

صحيفة الراكوبة