المقالات
مكتبة كتاب المقالات والأعمدة
د. علي حمد ابراهيم
فصول من وهج الذاكرة : و تركت الجمل بما حمل!
فصول من وهج الذاكرة : و تركت الجمل بما حمل!
05-02-2017 07:15 PM


2

* * * و تركت الجمل بما حمل!

إنزوى يحدث نفسه فى ركن قصى من الطائر الفخيم ، يتهادى فى بطء محسوب استعدادا للاقلاع الى المجهول فى رحلة مجهولة العواقب . يطمئن نفسه بأن خطوات الانسان مقدرة منذ الازل . كتبها قلم القدرة عليه . ومن يكتب عليه قلم القدرة خطوات يمشيها . هاهو اليوم يمشى خطوات كتبها عليه قلم القدرة لم تكن فى حسبانه يوم انتصب واقفا كالطود طويلا ونحيفا يؤدى القسم امام وزير الخارجية دبلوماسيا يافعا ، يختلج وجدانه بطموح واسع ، يحلم بخدمة البلد الذى انجبه ، وعلمه فأحسن تعليمه . زفرة حرى من سويداء قلبه المحتقن . وتحديقة مبهمة فى الافق البعيد يتبدى له من نافذة من الطائر الفخيم ، يتأمله فى استغراق عميق. يرفض الاستسلام لسطوة الشعور بالتيه ، أو عضّ أنامل الحسرة فى جسمه الموجوع : أن تجبره الربوع التى تعهدها بالحب العذرى منذ فجر صباه ، أن تجبره على الرحيل مغاضبا الى البلد البعيد الذى يستعصم خلف المسافات الفاجرة و المحيطات التى لا تسقى الناس الماء الزلال . لا يكاد يستدرك ما حدث له . وما حدث للخميل الساجى حتى تنادى أهله أن إنج سعد ، فقد هلك سعيد. يستعيد



الشريط الدامى ، يستحضر مشاهد من إنجازات تتار القرن العشرين فى خميل زروق و المحجوب و أحمد خير. يمتلئ صدره بغبن مكين . يغمض عينيه عن النظر فى اللوحة البغيضة . لم يعد يطيق معايشة الجراح الصادحة . يتف عن يمينه وعن شماله كما يتف الصالحون استباقا لحضور الشياطين . تتخطفه الرؤى الحزينة . لا يرى إلا ضحايا غدر بهم زمن التتار الجدد . تساقطور فى البرية . وزحموا طرقات الدياسبورا ومدنها بسحناتهم المميزة وقد علاها الصدأ راكمته فوق كواهلهم المذلة والاهانة والتصغير وظلم الاقربين الكبير . احتوتهم الدياسبورا القاسية ببعض اشفاق اسيف . نظرت الى قيمة الانسان فيهم واحتفت بكسبهم المعرفى وخبراتهم التراكمية ، وقدمت لاطفالهم اللقمة التى انتزعها من افواهم ت تار القرن العسرين لا لسبب إلا إحتلال والديهم لمواقع يريدها التتار للعصبة من عشيرتهم الاقربين . ما زال الطائر الفخيم يشق عنان السماء بقوة ناجزة . يبتعد عن ربوع الخليل كثيرا ، ويقترب من بلاد اليانكى التى صارت ملاذا للمضطهدين والمحتاجين والغارمين والخائفين. يمضى يستعيد مناظرالشريط الحزين كما لو كان يشهد فيلما هنديا فى سينما مدينة التراب ، هكذا أسمى الروائى المبدع المدينة التى أسماها اهلها بالعاصمة الوطنية . يحدث نفسه اكثر ويتذكر اكثر : لقد طفح السيل وبلغ الزبى . أكاذيب الشيخ العراب يضحك بها على عقول الدهماء ، يعقد قران ابنائهم القتلى على الحور العين. قتلهم فى حروبه الجهادية الفالصو . ويزوجهم زواجا عرفيا بلا شهود و بلا توكيل بالقبول من العرائس اللائى تعذر الوصول اليهن فى ذلك الزمن الذى لم تنفرط فيه ثورة الاتصالات من عقالها . وقد قضوا فى حروبه الجهادية فى احراش الجنوب . ولكن العراب الشجاع صنع لهم أكاليل من المجد الكاذب وسماهم شهداء عنوة و إقتدارا . حتى اذا قضى وطره السياسى منهم عاد واسماهم فطايس. تختلج عضلة من احاسيسه. ول يتذكر سرادق الاعراس التى اقامها لهم ذات يوم احتفالا بتزويجهم بالحور العين فى السماوات العلى . زواج تغيب عنه العروس السعيدة . ولا يؤخذ رأيها فى العريس الموؤد . لا استشارة ولا استخارة قبل اتمام عقد القران كما جرت بذلك العادات والشرائع. يستفزك تصغير عقلك الى درجة التصفير . و يهينك تماهى مردة النفاق والتدليس مع أكاذيب العراب العجوز وهم يعلمون . وتمرض قلوب الذين لا يستسيغون هذا الكذب الأبطح. ولكن تضعف حيلتهم فى أن يقولوا أن الأمر فيه عجب واستصغار للعقول : أن والد المقتول يقيم مهرجانا يتقبل فيه التهانى . و تطلق الأم الزغاريد المعربدة ابتهاجا بقتل أبنائها فى الاحراش البعيدة فى فى حالة فريدة






يتدامج فيها نواح الثاكلات مع تهليل الفرحين بالجنان الموعودة بلا عقود ملزمة . حالة يتنازل فيها الانسان بطوعه واختياره عن خصائله الانسانية ويصير انسانا غير منتم لعالم الانسان الذى خلقه ربه ضعيفا بعواطفه الضعيفة يهتز ويرتج عند المحن والنازلات . الطائر الفخيم ما زال يشق عنان السماء فى قوة واقتدار يقترب اكثر من أم المدن العالمية . يبتعد به اكثر من بلد الخليل ، يتهتك فى حبه فى لحظة الفراق لا يدرى أين يحط به قدمه المفارق. يحن اليه ، يشفق عليه ، يتضرع ، مثل التنى الشاعر المتبتل ، أن ترعى العناية وطنه العزيز. يغرق اكثر فى منلوجه الهامس وقد طالت به المشاوير و تقازفته الأنواء النفسية . و امتدت امام ناظريه صحارى التيه . يعود بخااطره الى الوطن الفقيد يتذكر حكايات تضحك حتى القلب المعنى . ما زالت ترن فى اذنيه صيحات أم وليد ، وهى تهيل على رأسها الرماد ، تنادى بصوت مبحوح هده النواح على حبيب ذهب بغير وداع . صدق الصبى اليانع اكاذيب الشيخ الكجور يعده بالعروس الحورية تنتظره عند فم البوبة الرابعة من ابواب الجنان فى جوار النبى الكريم . رصاصة غادرة تغتال احلام الصبى العريس ومعه تغتال كذب ابنها فى غاد احراش الجنوب ، ذهب اليها مجاهدا غرا دو ن دون العشرين . تسأل الأم الثكلى ابنها الفقيد لمن يتركها و قد علاها هذا الشيب الكثيف. ك تعرف أن ابنها لن يحير جوابا على سؤالها الكبير . فاجأتها مظاهرة مصنوعة قوامها المتبطلون الجائعون من أهل الحى من محترفى التظاهر المصنوع الذى يعتاش منه رجال مردوا على النفاق يمزقون حلاقيمهم صياحا ونبيحا بلا قضية وبلا لزوم ، و نساء يزغردن بلا طرب غير طرب الملاليم المرجوة من كيس القادرين على الكشكشة بلغة حاج سعيد الصريحة التى لا تعرف المداراة واو اللف والدوران . يقول هم يريدون مظاهرة مدنكلة ونحن عندنا المستعدون للتظاهر حسب الطلب . كل شئ بثمنه . ما زالت الحكاية دائرة فى الذاكرة . المرأة الهرمة المتهدمة ود نساؤها تبارك لأم الشهيد بزغرودة مجلجلة. تقلع ام الشهيد برطوشها من رجلها وتصفع به العجوز الهرمة عدة صفعات قاسية . تتف فى وجهها قبل ان تسمعها عبارات نابية يصعب تسجيلها سياق . مسحت العجوز الهرمة الاوساخ من وجهها . ومضت وهى تردد : شن بجيب الزعل والدواس . ناس الحيكومة قالوا دايرين مظاهرة . اضربوا ناس الحكومة كان ما عجبكم الكلام ده . وكمان امسكوا عليكم اولادكم . خلوهم الماتوا ، امسكوا الباقين . نحن ما جبنا الموت . الجاب الموت معروف علّ عينو حارة . اغلقت ام الفقيد دامغة بابها الصبى قد غرر به . وما كان يليق بمن غرر به أن يرسل صبيا لا يعرف فى الحرب ولا فى الدين ولا فى السياسة ، أن يرسله الى حتفه وهو يعلم مقدما أنه مفقود مفقود. ما زال غائبا فى ادكاراته وهواجسه والطائر الفخيم يقترب من المطار الفخيم انقلب يناجى نفسه :هكذا كنت عبر حقب الزمن الكسول ، مسافرا فى المفازات والفصول ، يرهقك الترحال ، و يعيدك الحنين الى البوادى عموم . و ما تلبث حتى تكون فى سفر جديد . وهأنت انت اليوم فى سفر جديد * تضرب فى وهاد سحيقة ، تبعد عشرات الاوف من الاميال عن الديار التى ارضعتك .:كأنك تنسحب من الميدان و المعركة لم تبدأ بعد . جدته بت وداعة لها تصنيفاتها الخاصة للاسفار. أسوأها سفر السجم والرماد . وانكرها سفر الجفا . يوم تناهى خبر سفره الى البوادى عموم ، دقت بت وداعة ، كجورة المخيم ، وخازنة اسراره ، دقت صدرها من جزع وخوف ، سألت كيفن يفوت الخير العميم ، و من يحمى . حكيمة المخيم العجوز تعطى السفر خارج البوادى عموم درجات وتصنيف الديار فى اليوم الحار . فهو لا يقع فى خانة سفر السجم والرماد. و لا فى خانة سفر الجفا . هو اذن سفر الغبينة التى تقطع القلب ، وتشق الصدور. مثل سفر أمه بت على ، البدوية الفارسة ، الى مدينة البندر ، تريد معاورة و مشاتمة مفتش الانجليز ، تحدثه عن اصله المقطوع وفصله ، لأنه زجّ بزوجها ود ابراهيم فى سجن المدينة عقابا له على تعديه على قوانين المناطق المقفولة ، وجعله يحمل جرادل المياه على كتفه الى منازل الموظفين اهانة له امام الملأ ، وهو شيخ القبيلة القادرة ، التى ينحنى السيف ولا تحنى ظهرها . هو سفره الخاص . ليس مثل سفر أمه بت على . مفتش الانجليز غادر ، و غادر معه ظلمه وتجبره . اصلها ما دوامة السلطة , و لا دوام العز. طوفان التتار الجدد غمر الخميل الجميل فى ذلك الصبح المشئوم ، صبح الجمعة بالتحديد . فتح نوافذ الديرة للريح الصرصر . دمر كل شئ اعترض طريقه . وتركه رميما او كالرميم . ما زال يحدث نفسه ، يناجيها ، و يناجزها على التعزى الى حين . و مكبر الصوت يلعلع فى الارجاء ما زال . يبدو متماسكا كما كان دائما ، لا يبعثر الضيم كيانه ، و لا تهده النوائب العارضة . نظيف من العوار ، لا تعلق به الاوساخ السابلة . مفطوم على بزازة التحدى ، ومناجزة رهق الحياة والترحال . البوادى عموم لا تذكره الا وهو مناجز عن حق مضاع . امتهن السفر والترحال فى الفضاءات الخارجية كانه يستنسخ حياة العشيرة فى البوادى عموم . اليست هى حياة الترحال السرمد فى رحلتى النشوغ والدمرة . السفر هو غطاء العشيرة وفرشها الممدود و هو غطاؤه كذلك. لن يستطيع الكهنة الجدد تصغير نفسه العنيدة . الريح لا ياخذ شيئا من البلاط. سفر الغبينة غير . ما زال يصعد الدرج الى بوابة التيه ، البوابة ثلاثين . يصعد بخطى وئيدة . يقدم خطوة ويؤخر خطوة ، ينظر تحت قدميه كأنه يتحسس مواقع الزلل الذى يهابه كثيرا . كل شئ إلا الزلل فى الحياة القصيرة . يتطلع الى الافق الساجى وقد تلبد بالغيوم الداكنة . البروق توجوج وترعد السماء. علها مغاضبة هى الاخرى ، أنواء الطبيعة . ام هى مشايعة له فى القرار الكبير . التفت وراءه يحدق فى وجوه المودعين الذين تراصوا امام الدرج . انفعالات هنا وهناك . اناس مسرورون . واناس محزونون . و آخرون لا من هؤلاء . و لا من اؤلئك . لو تحدث معجزة ما ، فيرى فى جموع المدعين اناسا من البوادى عموم يعزهم و يعزونه ، فيلقى عليهم نظرة وداع حانية . حانية ، نعم . فهو لا يدرى الى اين يقود (القرار) قدمه المفارق . لا يدرى هل يعود من قابل . ام يتيه فى المفازات اليباب و يغلبه أن يعود . وتصير حكايته مثل حكاية يونس الاحمر. غادر يونس الاحمر البوادى عموم مغاضبا ولم يعد رغم نداءات وابتهالات امه ، تلك المرأة الصالحة ، التى تصوم رمضان و الايام البيض من كل شهر و لا يفوتها صيام يومى الاثنين و الخميس . ولكنه ليس مغاضبا للبوادى عموم . ولا عاقا لها . وسوف يعود اليها بقى التتار الجدد ام ذهبوا. الديان باق . وباقية كذلك البوادى عموم . صعد الدرج الاخير . توقف قبل الولوج الى جوف الطائر الفخيم و القى نظرة عميقة فى الفضاء العريض كانه يستجليه ، ويعقد معه عهدا على الوفاء و المناجزة . حول نظره الجوال فى اتجاه البوادى عموم. تخيل أنه يسديها تحية وداع خاصة ، يبثها بعض لواعج نفسه المحتشدة بالهموم العابرة لكل الشواطئ النفسية . مرة اخرى تدلت من عينيه دمعات ساخنة بلا استئذان . مسحها بكم جلبابه ، تظاهر بالشجاعة ، رفض الانكسار امام هجمة الاحزان الطارئة . . تمتم بكلمات خفيضة ، يحدث نفسه : مشاها خطوات كتبها عليه قلم القدرة . ومن كتب عليه قلم القدرة خطوات مشاها . تحية روتينية من كابتن الطائر الفخيم . يتمنى للمسافرين فى ركابه رحلة مريحة و سعيدة معه الى البلد الذى لا تؤذن ديوكها للفجر عند كل صباح، كما تفعل ديوك الناس فى بوادى دار محارب عموم . و لا يشبه البلد الذى اطلق فيها صرخة ميلاده الاولى. لا يشبه تحديدا البوادى عموم. بدأ اذن فصل المحنة الأول : أن تزوغ قدم فى الفلوات القفر بعد ثبوتها فى الديار الآمنة. تضرب فى وهاد لا تعرفها . ولا تعرف انسها ولا جنها . توجس خيفة من ان يكون فراقه هذا مثل فراق الطريفى لجمله الاصهب الهباب ، ذلك الفراق الذى سارت بذكره الركبان . وصار مثلا شعبيا مطروقا . تشير النتيجة الى الخامس عشر من مارس. نفس التاريخ الذى كان يتطير منه يوليوس قيصر ، عظيم الروم . لقد صدق شؤم الدكتاتور الرومانى . و قتل فى الخامس عشر من مارس . لا يتطير من ايام الله . و لكنه ولج الى جوف الطائر الفخيم بمشاعر مختلطة لا تخلو من خوف . خوف على افئدة تركها وراءه وهى جزعة و ملتاعة من فراقه للبوادى عموم . عشرون ساعة كاملة قضاها معلقا فى جوف السماء قبل ان يهبط فى المطار الفخيم فى فجر اليوم المقدس ، فجر الجمعة بالتحديد . فى طريقه الى قلب المدينة المنبعجة صار ينظر فى كل الاتجاهات و الاركان . ناس يتسابقون كما يتسابق الغر الميامين فى البوادى عموم. شتان بين السباقين . الناس فى البوادى عموم يتسابقون نحو جامع المخيم الوحيد فى هذا اليوم ، كل يروم مكانا فى الصف الاول ، احتسابا ليوم تشخص فيه الابصار. وتزوغ فيه من مواضعها القلوب التى فى الصدور. الناس هنا يتسابقون لحجز مقاعد للسفر الى مناطق التنزه الفخيم ، يقضون فيها عطلة نهاية الاسبوع . لا اثر ، و لا خبر عن هذا اليوم المقدس فى هذه المدينة المشغولة بمضاربات البورصات العالمية والمحلية . تسابق لم يالفه من قبل . و لا تعرفه البوادى عموم . غايا . لا يكاد يجمع بينها شئ غير الهيكلية البشرية التى صنع المولى الناس عليها . هذا آسيوى صغير الحجم ، دقيق القسمات ، ناحل الجسم كأنه مفطوم من الاكل والغذاء. وهذا افريقى اسود البشرة ، ضخم الجثة كأنه ياكل نصيبه ونصيب مجالسيه حول مائدة الطعام . وهذا ابيض البشرة ، ناعم القسمات . بدت عليه آثار النعمة التى لا يحمد الله عليها. وذاك مشغول بآلته الحاسبة يراجع بها ارباحه وخسائره فى سوق الاسهم والبورصات . اغتم صدره فجأة . اطلق زفرة عميقة من صدره المأزوم . عاد يحدث نفسه فى منلوج مكتوم : بعدت عنه البوادى عموم . و بعد عنه الناس الذين تالفهم القلوب قبل العيون . لم يعد نظره يطالهم ، ولا يحمل النسيم اليه بعض همهماتهم الحانية . عائشة ، الاخت الأم ، غابت عن العين. وبقيت فى الوجدان . عجزت ان تكون فى جحفل المودعين الباكين. وعجزت مياسة الصغيرة الباكية . اكتفتا بالدموع المدرارة عبر المسافات المستحيلة . لماذا فعلت بهم الذى فعلت . عزاؤك الباقى انهم لا يطلبون منك اعتذارا . و لكنك تتعزى على أى حال . غلبك أن تمارس الاصطبار السرمد على المذلة والهوان . الاصطبار السرمد على الذل و الهوان غاية لا يدركها كل البشر ، حتى الانبياء منهم . ايوب النبى الكريم ، سيد الصابرين جميعا ، لم يستطع الاصطبار السرمد . ويونس النبى الكريم ، خرج مغاضبا غير صابر ، فعاقبه ربه بالحوت يبتلعه فى جوفه . هو لم يستطع ان يمارس الانحناء خوفا من سيف المعز او طمعا فى ذهبه . حمل اوراقه وغادر . ارض الله واسعة . والارزاق قسمت سلفا قسمة غير ضيزى . لن تفنى نفس قبل أن تفنى ما كتب قلم القدرة من رزق . قد تاكل يوما ، و قد تجوع يوما . ولكنها تأكل على أى حال ، و تبرأ من ذل الاذعان و الانحناء . بخ بخ ! على البيع الرابح . ترك لهم الجمل بما حمل . بدأ ملحمة الحياة الجديدة فى عالم جديد . حياة مرة فى مجتمع مر ، يطلب اليك ان تنسى ماضيك القريب وأن تبدأ من الصفر فى كل شئ ، حتى تكون قادرا على تحقيق الحلم الامريكى . مغرورون هؤلاء الناس حتى نخاعهم العظمى. يانكى مغرور من قمة رأسه حتى اخمص قدميه. يريدك ان تنسى ماذا كنت . و ماذا تعلمت. وماذا انجزت فى امسك القريب : قسوة بلا حدود . مجتمع يرحم اذا كانت نار جهنم ترحم . قلت لا بتصميم غير مساوم . رفضت وظيفة كبيرة جاءتك تمشى اليك فى عقر دارك ساقها اليك اليانكى وهو يتوقع منك القبول المتلهف ولكن الثمن المطلوب كان عاليا ولكن مطلوباتهها وظيفة عائدها يسيل له اللعاب
جدا . وظيفة يسيل لها اللعاب . ثمن الوظيفة االمطلوب كان عاليا . و لا يستطيع دفعه . رفض ذلك الحجم من التدنى وسط دهشة العارضين الذين ظنوا ان الذهب الذى تدره هذه الوظيفة كان كافيا لتغطية جميع الثغرات. كبرت نفسه عن التدنى الى ذلك الدرك . و رفض عرض المرفق الخطير. و طلب اليه أن ***يوقف ملاحقاته المغرية له . و رفض ان تمد يديه الى منظمات الاغاثة التى تحتال على الجميع ، بما فيهم المانحين والمحتاجين فى دياسبورا الامتهان . فتحت عينيه واسعتين حتى لا يقع فى الحفر العميقة كما وقع الكثيرون . فرق بين معارضة حكومة زمنية قائمة اليوم . و قد لا تكون قائمة غدا . و بين معارضة وطن انجبه ورباه وعلمه . فضل سهر الساعات الطويلة فى مكاتب الطرق السريعة . وساعات اخرى فى مكاتب المتاحف التاريخية ، وساعات مثلها فى مكاتب التمويل المركزى على ان تقف فى صفوف الرعاية الاجتماعية . او تستجيب لملاحقات المرفق الخطير . اكتشف عالما غريبا فى البلد الذى يتدثر بالبعد عن عوالم الآخرين ، فلا يدركون كنهه و لا يرون تضاريسه الداكنة التى تجثم فوق هضاب من الوجود الآسن . صورة مطابقة لصورة رسمتها ريشة ادريس جمّاع، الشاعر الملغوم بالابداع ، تجسد فيها السماء تبدو قريبة من عالمنا . ولكنها تستعصم بالبعد عنا . قالها ادريس جمّاع الذى جمع فى صدره عذابات الابداع التى افقدته دنيا الناس وألق الحياة . كذلك هى بلد اليانكى ، قريبة من عوالمنا بزخمها المترع . بعيدة عن مداركنا بقدراتها الفتاكة على التزيين والتزييف فى آن . تغيب عن مدارك الناس من حولها صورة دولة قطب ،و اغنى بلدان الدنيا ، ولكن انسانها تحول بفعل الحاجة الى ماكوك يغدو ويروح دأبا من صبحه الى مسائه وراء لقمة عيش بائسة يقضمها على عجل فى مطاعم الوجبات السريعة . ويقضم معها المرض السريع. وصار انسانا دوارا ، مثل عجلة دوارة فى مجتمع غير متكافل ولا يسأل فيه حميم حميما . يصبح الفرد فيه و يمسى و هو غير مطمئن على أى شئ . فالراسمالى الضخم قد يطيحه فى أى لحظة تتراجع فيها ارباحه سنتا واحدا . سؤال واحد لا يبرح مخيلته فى أى وقت : كيف يسدد فواتير الاستغلال الرأسمالى غدا . و كيف يبقى فى جعبته من المال ما يوفر له و جبة ضئيلة فى مطاعم الوجبات السريعة عند المساء ، ينام عليها ببطن نصف خاوية .*** جون ، زميله فى مكان العمل ، رآه يدفع ثمن وجبة قدمها الى صديق جاء يزوره. اغتم جون ، وافترشت اساريره بسمة حائرة. لم يقل له شيئا فى التو . ولكنه اضمر ان يقول له الكثير عندما يغادر الزائر الغريب مكتبهما المشترك . الناس هنا يتكلمون بمقدار . ويبتسمون بمقدار . ولا يعرفون الضحك المجلجل مثلما يفعل الناس فى البوادى عموم . لا يدسون انوفهم فى شأن الآخرين . و يرفضون بشمم ان يدس الآخرون انوفهم فى شأن من شئؤنهم الخاصة . صديقه الجديد جون صار استثناءا منذ تعارفا فى الوردية المسائية فى مكاتب المؤسسة التى ترعى المتاحف التاريخية القومية . لم يعد يمارس معه عادة الخواجات منذ تعرف عليه فى مكان العمل . صار صديقا فوق العادة ، يدس انفه الدقيق فى امور صديقه القادم من ىعوالم الشموس الافريقية بطباع بدت له غريبة و جالبة للحيرة والاندهاش . عندما خلا المكان ، امسك بتلابيب صديقه الافريقى يجره اليه بقوة . يحتج لديه بقوة . يصرخ فى وجهه بقوة . البارحة فقط كان جائعا لا يملك قوت نفسه ولا قوت عياله . وها هو اليوم يتفضل بوجبة منتصف النهار على زائر تبدو عليه علامات الراحة المادية . يدفع ثمن هذه الوجبة من مرتبه الضامر. وكان حريا به ان يوفر هذا المال القليل للذين ينتظرونه فى برد فيرجينيا المغاضب . سأل صديقه الافريقى الذى بدا له عبيطا بما فيه الكفاية : لماذا فعلت هذا ؟ لا تقل لى ان دينك يأمرك بهذا . الرب لا يأمر بالهلاك . كلنا اهل اديان .و اهل كتب سماوية . كل واحد منا يعبد ربه بطريقته الخاصة . انت تسجد له على الارض , تعفر له جبينك بالغبار فى اسمى نوع من التقديس و اذلال النفس للديان فى علاه البعيد . تعجبنى هذه الاستكانة للخالق فى صلواتكم . يكفي هذا من شخص فى مثل حالك . لن يطلب منك الرب ان تبعثر القليل الذى تجمعه بشق الانفس على الآخر غير المحتاج و انت سيد المحتاجين . هذا زائر مستور الحال جاءك ملاطفا وليس محتاجا . لماذا تدفع له ثمن طعامه . تقبل منى دس انفى فى شانك الخاص. افعل هذا من باب الاشفاق عليك ، لأنك لا تعرف نواميس الحياة فى هذا المجتمع القاس الذى وفدت عليه بدون تدبر كاف . اريدك ان تعرف ، مثلا ، لماذا اعفاك مخدمك من العمل معه حين اكتشف انه يوظف سفيرا سابقا يحمل من المؤهلات العلمية والخبرات ما يؤهله لوظيفة اكبر من الوظيفة التى قدمها اليه . اريدك ان تعرف الامر على حقيقته الكاملة. تصرف مخدمك هكذا لأنه يخاف قانونا يمكن ان يعرضه للمساءلة بتهمة استغلال حاجة الآخر المحتاج . هذا قانون القانون متوحش فى جانب . وانسانى فى جانب آخر. فهو لا يسأل عن ماذا يحدث لك عندما تفقد المال القليل الذى يتيحه لك عملك هذا . اما مخدمك فهو يعرف ماذا سيحدث له اذا اشتم احد المتنطعين فى منظمات المجتمع المدنى رائحة استغلال من أى نوع . يحمى نفسه بطردك من الخدمة ولا يحميك بزيادة مرتبك حتى تستمر فى عملك باطمئنان . تعرف ان منظمات المجتمع المدنى عندنا صارت دولة داخل الدولة . بل صارت اقوى من الدولة فى كيثر من الاحيان . وهى تراقب هؤلاء الجشعين الذين يمصون دماء الذين ترميهم الاقدار فى طريقهم . تبسم لصديقه جون . ولم يجادله . اذ لا جدوى من جدال كهذا . بون العادات الاجتماعية و الفوارق الثقافية والدينية بينهما شاسع. وهو جدال لا يملك له وقتا و لا استعدادا نفسيا . ولكنه سأل صديقه الجديد لماذا صار استثناءا ، و صار يتدخل فى شأن اصدقائه بصورة مخالفة لما درج عليه الناس هنا. وصار يدس انفه فى انوف الآخرين وليس فقط فى شئونهم الخاصة . ضحك جون حتى بان اصفرار اسنانه من كثرة تدخينه للتبغ الفرجينى المغرى . وقال انه صار استثناءا معه فى محاولة منه لانقاذ شخص متهور وغير مدرك لنواميس البيئة التى وفد عليها بلا تدبر حاذق . شخص يريد ان يرهن حياته الجديدة فى موطنه الجديد لنواميس بيئة تراصت بينه وبينها الوف كثيرة من الاميال الجغرافية والمعنوية .
لم يشأ ان يشرح لصديقه جون لماذا رفض الوظيفة التى عرضها له المرفق الخطير وهى وظيفة يسيل لها اللعاب . خاف ان يفرم جون الضخم الجثة رقبته الناحلة . طبعه غير المساوم ، و المجانب للشبهات من أى نوع ، كلفه كثيرا فى ماضيه غير البعيد . و لا يريد ان يكلفه سخرية اضافية من صديقه جون ، الذى لن يفهم . ولن يقبل تبريره لرفض عرض المرفق الخطير . انصرف الى نفسه يحادثها فى منلوج خاص ، كانه يعتذر لها على كل المشاق التى راكمها عليها حتى الآن . الشطب المتكرر من كشوفات الترقى و التنقلات الدبلوماسية مرات ومرات بسبب عناده . ورفضه للانحناء والحقارة من اقزام لن يصبحوا طوالا مهما نافقوا ومهما تزلفوا . مناكفاته الكثيرة ورفضه الانحناء والتقوس امام الآخر المتجبر جعلته اكثر من مرة على قاب قوسين او ادنى من الذهاب الى الشارع العريض مطرودا من الخدمة الدبلوماسية لولا رجال عظام هرعوا الى نصرته بلا سابق معرفة او صلة رحم غير صلة تقدير الابداع الادبى التى ظنوا انه يمتلك ناصيتها ، و هو بعد شاب يضع قدميه غير الراكزتين فى اول درجات السلم الوظيفى و الاجتماعى. حسبوه مشروع مؤلف روائى عظيم فى المستقبل القادم قبل ان يخذلهم جميعا : عمر الحاج موسى ، العسكرى الاديب، وجمال محمد احمد السفير المرموق والكاتب الشاهق ، خلف الرشيد القانونى الضليع، وعبد الوهاب موسى ، الباحث المدقق ، والنذير دفع الله العالم الضخم . واحمد خير، حبر التاريخ الوطنى . كلهم تراصوا خلفه اكثر من مرة وانقذوه من حبل المشنقة الوظيفية . لقد ضل البدوى الشاب طريقه عندما دلف الى حظيرة السلك الدبلوماسى فى غفلة من الزمن مثلما يقول احد اصدقائه الممراحين . كان حريا به ان يظل وسط اهله المغاوير فى المفازات المدلهمة بالخطوب التى لا تبرح عوالم البدويين . ان لزم الامر يحمل بندقيته وسيفه على كتف ويتدرع حربته الكبس ذات الكنداب على كتفه الآخر ، و يخرج مصادما نفس الهواء كما يقول شاعرنا الدبلوماسى صلاح احمد ابراهيم يرثى اهله الذين قضوا ضحايا فى عنبر جودة المشهور فى التاريخ السياسى السودانى . لم تغير الدبلوماسية من سجاياه البدوية . نعم ، تهندم بالبدل من الماركات العالية بدلا من ثياب اهله المرسلة مع الريح . ولكنه ظل على سجايا اهله البدويين الاساسية. يزيده الظلم تماديا فى العناد كعادة اهله البدويين حين يشعرون ان زيدا من الخلق يتقصدهم. اثناء فترة الحكم المايوى ضاق صدره بذلك النظام الذى سدر فى عنفه ضد اهله المهدويين فى جزيرة (أبا ) وفى ( الكرمك) وفى (ود نوباوى ). وقتل عددا من اهله الاقربين فى معارك جزيرة ابا ، و جامع الانصار فى ود نوباوى . وفى الكرمك . لجأ الى فن الابداع الادبى يبث فيه حزنه ووجده . جعل من فن القصة القصيرة والرواية والمقالة السياسية بلسما نفسيا . كتب روايته الاولى (الذين دقوا الابواب ) فى ذلك الجو السياسى الخانق . وهى رواية تمجد تاريخ الانصار الرجولى ضد الاستعمار التركى المسنود بريطانيا . وتمجد مناجزتهم لنظام الفريق عبود . وكانت الرواية نوعا من المطاعنة السياسية للنظام الذى يستهدف هؤلاء الانصار دون غيرهم فى وقت انحنى فيه البعض خوفا حتى تقوست ظهورهم من الانحناء السرمد . قصته القصيرة ( الزعامة طايرة و يطير معاها الانجليز ) التى نشرتها صحيفة ( الصحافة ) اثناء فورة الانصار ضد نظام مايو فى جزيرة ( ابا ) فى عام 1970 كانت هى الاخرى مطاعنة للنظام الباطش باستدعائها الفحوليات الانصارية التاريخية ضد الانظمة الباطشة الوطنية منها والاستعمارية ، ودعوتها لتحقيق مقولة ان التاريخ يعيد نفسه ، ادخلته فى متاهات ادارية متعبة . وجرجرته الى المساءلة امام رؤسائه الدبلوماسيين. و عرف عندها كم كان لماحا الناقد الكبير ابن خلدون الذى نصح بعدم نشر ذلك النص الروائى خوفا على مستقبل الروائى الناشئ الدبلوماسى من أن تنهيه الرواية ذات النفس السياسى الحاد متى انتبه اليها الرقيب الصحفى. لو اخذ بنصيحة الناقد الكبير وقتها ربما وفر عن نفسه تلك المتاهات الادارية . ولكنه يكون قد باع موقفه لو انه تراجع وعمل بنصيحة الاستاذ ابن خلدون واوقف نشر القصة الداعمة لكفاح شعبه ضد الطغيان الشمولى . الناقد الكبير دون ملاحظته باللغة الانجليزية على صدر القصة كنوع من التعمية. ولكن رئيس التحرير ، وهو شاعر مرهف ، اعجبه النص القصصى فاجازه . المفارقة الكبرى وقتها تمثلت فى وزارة كانت تعج بالادباء والشعراء والكتاب والمثقفين ، بينما كانت قمتها تكره الادباء والشعراء والكتاب وتزدريهم . لم يكن وحده الذى استهدفته الوزارة المدهشة ! يتعزى بأن رعيلا عظيما من الادباء و الشعراء والكتاب الدبلوماسيين لقى مصائر مشابهة من العنت الوظيفى فى الوزارة المستحيلة . ينظر فى القائمة المشرقة : صلاح احمد ابراهيم ، النور الدبلوماسى الوهاج ، قضى بعيدا عن الوزارة و مغاضبا بعد أن رفضت الوزارة الصماء عودته الى وظيفته بعد سقوط النظام المايوى بحجة انه سبق ان تقدم باستقالته من الخدمة فى النظام المايوى . استقالة ، نعم . ولكنها كانت استقالة بمثابة قلادة شرف . قدمها عندما بلغ سيل النظام الزبى . ولكن بقايا النظام (حدروا ) له وعاقبوه على مواقف وطنية عجزوا هم عن ارتيادها! ينظر فى بقية القائمة الشقية : محمد المكى ابراهيم ، خرج مغاضبا . الحاردلو اعيد من نيويورك بعد ساعات من وصوله اليها منقولا ! عبد الهادى صديق اعيد من البلد التى نقل اليها فى عجل وبلا تدبر دبلوماسى كاف ليدفع هو ثمن اخطاء وزارة تدنت قدراتها التحليلية. ما زال يحادث نفسه فى منلوج خاص . يتذكر مطاردات وزيره له لابعاده من الخارجية بحجة انصرافه الى النشاطات الاعلامية والثقافية . قالها الوزير على رؤوس الاشهاد انه يريد افندية طيعين لا يعصون الوزير ما امرهم و يفعلون ما يؤمرون . اصرّ الوزير على ابعاده الى وزارة الاعلام اكثر من مرة . علل الوزير المدهش مسعاه ساخرا بأن وزارة الاعلام تتيح له مجالا ارحب لممارسة (العك ) الثقافى الذى يجيده و يضيع فيه كل وقته . السفير عزت بابكر الديب ، مدير الشىون العامة فى وزارة الخارجية ، توسل الى الوزير ذى القسمات الصارمة العابسة أن يعطيه فرصة لكى يقنع الدبلوماسى الناشئ بان ينزل عند رغبة الوزير و يتعهد بترك الكتابة فى الصحف . وبتقليل نشاطه فى المنتديات الثقافية . ولكن الدبلوماسى الناشئ ، الذى لم تبرحه نوازع اهله البدويين ، كان يقسم فى كل مرة باغلظ الايمان أن لا يترك الكتابة فى الصحف متى وجد الى ذلك سبيلا . و ان لا يتوقف عن نشاطاته الثقافية . وكانت حجته دامغة . فهو يمارس نشاطه الادبى و الثقافى فى وقته الخاص خارج الدوام الرسمى . استجاب الوزير لرجاءات السيد الديب بشرط ان لا يرى صور الكاتب الناشئ فى الصحف لأن هذا يعكس انصرافية هذا الافندى الصغير عن مجال عمله الذى يقتات منه . و يوظف قدراته فى مجال آخر بعيد عن اهتمامات وزارته . قصته التى نشرتها له صحيفة الايام فى يونيو 1974 بعنوان (دموع اوليفيرا السودانية ) زادت طينة علاقاته مع وزارته بلة . و جرته الى حبل المقصلة الوظيفية . ولم يستطع احد انقاذه من الشطب من كشف الترقى الى درجة السكرتير الاول ضمن دفعته التى كان الاول عليها فى آخر تنافس . قاد معركة ( دموع اوليفيرا ) ضده احد زملائه السفراء . كان يتقلد منصب الوكيل بالوكالة و تماشى مع خط الوزير ضده واخلص فى ذلك التماشى حتى صار مسيحيا اكثر من المسيح . سفيره العارف بنواميس العمل الدبلوماسى وحدوده و فضاءاته ، ابوبكر عثمان محمد صالح، ارغى وازبد ضد قرار شطبه من كشف الترقية الى درجة السكرتير الأول . كان يلتصق بسماعة تلفونه لساعات فى اليوم لم يترك مسئولا الا تظلم لديه بخصوص مرؤوسه المظلوم . اجرى اتصالات تلفونية غاضبة مع وكيل الوزارة ، مع الوزير ، مع وزير الدولة . كان السفير الانسان يريد ان يعرف كيف تدحرج مرؤوسه من اول القائمة الى الخروج من القائمة دفعة واحدة وليس فقط الى آخر القائمة . لقد أمن فى تقرير الاداء السرى عنه على كل الايجابيات السابقة فى سجله القديم . واضاف عليها ايجابيات جديدة كانت كفيلة ان تجعله على راس المترقين مرة اخرى . لم يتلق السفير الغاضب غير وعود مبهمة برد الاعتبار الى مرؤوسه المظلوم . ولكن المرؤوس المظلوم قبع فى كشف المظاليم ثلاث سنوات حسوما . سفيره المحتقن الصدر لم يكن يعلم ان ( دموع اوليفيرا السودانية ) هى التى اطاحت بمرؤوسه . لأ احد من الذين ارتكبوا ذلك الجرم وجد الشجاعة ليقول له الحقيقة . لا احد من بينهم يمكن ان يدعى انه فهم مثقال ذرة فى فن التعاطى الروائى الذى نشره مرؤوسه الأديب فى دموع اوليفيرا السودانية . لقد كانوا جميعا انصاف مثقفين و لا يفهمون شيئا فى الادب والثقافة يجعلهم مؤهلين ليدركوا الرمزية العميقة التى حفلت بها ( دموع اوليفيرا السودانية ). ذلك فن لا يملكون أى قدر من ادواته. ولكنهم شطبوه من كشف الترقيات على أى حال . و شفوا انفسهم مما تجد نحوه . حبسوه فى درجة السكرتير الثانى حتى لحق به وتخطاه اقوام دخلوا الوزارة بعده ببضعة سنين . تبع الشطب من كشف الترقيات التهديد بالشطب النهائى من كشف الخدمة الدبلوماسية اذا استمر فى نشر اعمال سياسية مبطنة بالفن الروائى الذى يعترفون له باجادته. ساءت اموره اكثر بعد نشره حكاية ساخرة عن العدل المايوى فى صحيفة ( الاضواء ) فى عام 1971. كانت نقابة المحامين هى خصمه المباشر هذه المرة و ليست وزارة الخارجية . اوقفته نقابة المحامين ، هو و رئيس تحرير (الاضواء) ، خلف القضبان . و لكن الاستاذ احمد خير ، حبر التاريخ الوطنى السودانى ، هرول الى نجدته ونجدة ( الاضواء) وصاحبها ، الاستاذ محمد الحسن احمد ، و انقذه من سجن كان اقرب اليه من حبل الوريد . حفظ القاضى الدعوى لعدم كفاية الادلة لتسلم الجرة الى حين . لو حكم عليه القاضى لمدة يوم واحد ، اذن لوجد غرماؤه الفرصة لطرده من الخدمة الدبلوماسية بعد ان تعتبره مجرما سابقا . ما زال يحدث نفسه فى منلوج خاص . قطع مكبر الصوت فى الطائر الفخيم منلوج نفسه واستجرارها لذلك الماضى الاسيف . الكابتن يطلب من المسافرين شد احزمة الامان استعدادا للهبوط . طفرت من محياه ابتسامة ساخرة . احزمة امان قال . أى أمان وهاهو تائه فى الفلوات القفر لا يدرى ماذا يأكل غدا . ولا يدرى أين ينقضى به الأجل . اغلق النافذة المجاورة . اغمض عينيه ، مسح دمعة ساخنة تطفلت عليه بلا استئذان .





تعليقات 1 | إهداء 0 | زيارات 1162

خدمات المحتوى


التعليقات
#1635622 [ابو زاهد]
1.00/5 (2 صوت)

05-04-2017 01:45 AM
هل تعلم يا سعادة السفر لماذا لم يعلق احد على آهاتك الشخصية هذه؟


على حمد ابراهيم
 على  حمد  ابراهيم

مساحة اعلانية




الرئيسة |المقالات |الأخبار |الصور |راسلنا | للأعلى


المشاركات والآراء المنشورة في صحيفة الراكوبة سواء كانت بأسماء حقيقية أو مستعارة لا تـمـثـل بالضرورة الرأي الرسمي لإدارة الموقع بل تـمـثـل وجهة نظر كاتبيها.
Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.
Copyright © 2024 alrakoba.net - All rights reserved

صحيفة الراكوبة