المقالات
السياسة
اوراق مبعثرة من ولاية البحر الاحمر
اوراق مبعثرة من ولاية البحر الاحمر
08-27-2017 01:50 AM

كلما أدرجت منظمة اليونسكو موقعا في منظومتها التراثية انتابني ذلك الشعور الذي انتاب مارشال الجو الألماني هيرمان جورنج الذي انتحر بسم السينايد قبل تنفيذ حكم الإعدام فيه شنقا حتى الموت من قبل قضاة محكمة نورمبرج وهو تحسس مسدسه حينما يأتي الحديث عن السياسة. بالطبع ليس لأنني امقت السياحة كما كان المسئول النازي يمقت السياسة ولكنه شعور بالغضب والإحباط بأن سواكن رغم عراقتها الضاربة في الجذور منذ نبي الله سليمان لازالت مصلوبة على بوابات انتظار اليونسكو تستجدى الدخول ..آخر الأعضاء الجدد في نادي اليونسكو للتراث العالمي 21 موقعا منهم مدينة يزد الإيرانية وجزيرة مقدسة في اليابان لا يسمح للنساء بدخولها وكوجاتا، وهي منطقة زراعية جنوب القطب الشمالي في جرينلاند, فضلا عن مواقع سجلت في بولندا وروسيا وبولينيزيا الفرنسية وبريطانيا وألمانيا. لا ندرى الأسباب التي أوصدت الأبواب أمام سواكن بتأريخها الموغل في العراقة لحضارات امتدت من عصر الفراعنة (الأسرة الخامسة) والبطالمة والرومان والبرتغاليين والعصر الإسلامي (بني أمية ) والمماليك والأتراك والحكم الثنائي وكلها تركت بصماتها فهل كل هذا لا يكفى ؟ ..أم إنها قضية عادلة يتولى الدفاع عنها في مقر اليونسكو بباريس محام فاشل ؟
(2)
كلما يأتي الحديث عن سواكن تعود بي الذاكرة الى أخي وصديقي (عاشق سواكن) الراحل المقيم محمد أحمد عبد الرحيم عليه شآبيب الرحمة والغفران ..ما حدث إن زرته في بيته العامر في منفوحة جنوب العاصمة السعودية الرياض إلا وكانت سواكن الخالدة حاضرة تتصدر حديثنا ونحن نرتشف فناجين القهوة.. كم قلبنا سويا دفاتر الزمن حيث يحلو الحديث عن قصيدة الشاعر البريطاني كيبلنج عن (الفزي وزي) التي مجد خلالها فرسان البجا.. وكم حلقنا حول رائعة الشاعر مبارك المغربي في رثاء سواكن حي الطلول البالية واسكب دموعك غالية . كان رحمه الله مأخوذا ومسكونا بعشق أسطوري للمدينة فإذا جاء الحديث عنها إنتفض عارضا أمامي ما سطره يراعه عن زيارة للرحالة ابن بطوطة لسواكن بعد عودته من بلاد الهند والسند في طريقه الى بلاد المغرب العربي في توثيق تأريخي وجد تجاوبا وإشادة واسعة النطاق من مؤرخين مغاربة قرءوا المقال على صفحات مجلة توزع في العالم العربي .
(3)
ولأن سواكن كلها تاريخ ففد كنا نجوب أحيائها وساكنيها ودلالات تسميتها منذ القدم ..نعرج منها الى متحف محمد نور هداب الأنيق الذي يوزن بالذهب والذي شيده على نفقته الخاصة ..نتأسى على بستان شاطة غرب سواكن وهي المنطقة التي نشأ وترعرع فيها فقيدنا وكانت تمد أحياء القيف والجزيرة بالمياه العذبة والخضروات التي يتم ريها من آبار ارتوازية تعمل بالمراوح الهوائية التي تشتهر بها هولندا .
(4)
كل هذا أصبح ذكريات مضمخة بعظمة المكان والزمان بعد رحيل أبو عبد القادر الذي كان يزيل مقالاته باسم محمد أحمد دافع الضرائب الى دار الخلود تاركا لنا جراحا غائرة لن تندمل ولكننا لا نقول إلا ما يرضى الله ..اللهم أجعل الفردوس الأعلى مثواه في مقعد صدق عند مليك مقتدر .
(5)
لازالت قضية توأمة جدة وبورتسودان موضوعا للساعة يقف على ارض صلبة منذ تلك المساهمة السخية للأمير ماجد بن عبد العزيز طيب الله ثراه حينما استجاب لكل احتياجات البلدية من الآليات المتنوعة معربا عن استعداده التام لترميم آثار سواكن لما لها من تاريخ مشترك وعلاقة وثيقة مع جدة وذلك حينما كان أميرا لمنطقة مكة المكرمة .الآن هناك مستجدات تجير لصالح التوأمة تتمثل في المناخ الاستثنائي لعلاقات السعودية والسودان والعشرات من الخيرين السعوديين ذوي الجذور السواكنية.حينما سألت نائب رئيس البعثة في السفارة السودانية بالرياض الدكتور احمد التيجاني سوار عن دور المغتربين في تدشين الخطوة الأولى أشار بأن هذه مسئولية حكومة ولاية البحر الأحمر فهل يبادر الوالي باتخاذ خطوة في هذا الاتجاه ؟.
(6)
بحضوره المذهل وعفويته التلقائية قدم الفنان الدرامي جمال حسن سعيد خدمة لا تقدر بثمن الى السياحة في ولاية البحر الأحمر ..انتظرناه بشغف وتابعناه بمتعة ..أخذ المايكروفون وذهب الى الناس في أحيائهم في المدن الصغيرة والمواقع السياحية . تحدث معهم على السجية دون افتعال ودون أن يشعرنا بأنه يروج لسلعة .وقدم دروسا مجانية في كيفية توظيف نعمة الصوت والصورة لخدمة القضية المحورية في الولاية .ليت إعلاميو التلفزيون يتحررون من العباءة النمطية ويستفيدون من التجربة بدلا من مقابضة الناس في الشارع العام بأسئلة أشبه بالاسطوانة المشروخة التي لا تتحدث إلا عن نفسها مشيت السقالة ؟ زرت السي لاند ؟
أسألكم بالله هل هذا أعلام سياحي؟

(7)

ينتابني إحساس وربما أكون مخطئا وأنا كثير الترحال بين فضائتي كسلا والبحر الأحمر لكونهما النافذتين اللتين نطل من خلالهما على ولايتي الشرق إن الموضوعات المطروحة في الأولى أكثر دسامة من الثانية ..قبل فترة تابعت بمتعة في فضائية كسلا لقاءا مع رموز من الجالية القبطية عكس لنا التلاحم والتعايش حد التمازج والانصهار في المجتمع الكسلاوي السؤال هنا ان البحر الأحمر يعج برموز من هذه الأقليات التي كانت لها بصمتها في جبين الولاية ودليلنا إن وسائل التواصل الاجتماعي تتحدث عن القبطية جورجيتا التي أصيبت بلوثة عقلية وانتهت تائهة على وجهها في شوارع بورتسودان تبحث محبطة عن خطاب من جار سوداني واعدها على الزواج ثم اختفى حتى أسلمت الروح بضربة شمس وهناك أيضا قصة حارس المرمى اليهودي الذي لعب حارسا لنادي الشبيبة ثم انتهى به المطاف سفيرا لإسرائيل في مصر وهناك من يروي عن خواجة سنكاتي تاجر العطور في السوق الكبير ببورتسودان وإسهاماته المشرقة تجاه فقراء المدينة .. أو لا يستدعى كل هذا التفاتة توثيقية ؟ .تابعت أيضا على فضائية كسلا توثيقا شيقا للراحل المقيم محمد بدري (ابوهدية) رغم إن معظم نشاطه الاجتماعي والخيري كان في ولاية البحر الأحمر استعانوا به بمداخلات من ولاية البحر الأحمر .شاهدت أيضا لقاء للمكاشفة بين والى كسلا ادم جماع وأركان حكومته مع إعلامي الولاية تم خلالها استعراض هموم الولاية بكل جرأة بوضعها على طاولة التشريح بتسليط الأضواء على السلبيات والمعوقات .أنا والله لا أطلق اتهامات على عواهنها في فضاء ولاية البحر الأحمر ولكن لدى أدلة قابلة للنقاش لازالت أنفاسها ساخنة .. ففي قضية طفل سنكات مثلا توقعنا أن تكون فضائية البحر الأحمر المرجع الأول لكل وسائل الإعلام السودانية بحكم حدوث الجريمة على أرضها ولكن لسبب في نفس يعقوب سدت الفضائية أذنا من طين وأخرى من عجين على الجريمة البشعة التي هزت ضمير الشعب السوداني فإتجه إنسان الولاية في ريفه وحضره يطلق الشائعات يمنة ويسرة بحثا عن ضوء في النفق المظلم في وجه التعتيم الدامس حتى أنقذنا من حيرتنا وصدمتنا الطاهر حسن التوم بإفادات من مدير شرطة ولاية البحر الأحمر.والطاهر هذا لا يغطي لقناة البي بي سي البريطانية ولكنه أحد إعلامي فضائية 24 السودانية فلماذا ازدواجية معايير تناول الأحداث هنا وهناك أولسنا ننتمي لوطن واحد ؟
(8)
توضيحا لمعالم الصورة أكثر دعيت قبل سنوات للقاء في الفضائية سعيت له سعيا وكان ما يشغل ذهني ككل مواطني الولاية الحديث عن قضية الساعة وكل ساعة وهى أزمة الماء والكهرباء .كانت تتزاحم في رأسي وقتها أفكارا قابلة للدراسة فسألت معد البرنامج عن محاور اللقاء حتى ارتب أفكاري ففوجئت به يتحدث عن القضية التي أكل عليها الدهر وشرب وهى الفارق بين الإعلام الالكتروني والورقي وحينما سألته محتجا لماذا لا نتحدث عن شاغلنا وهاجسنا همس في إذني قائلا " الوالى مانعنا الحديث عن قضية الماء خير شر ". صدقوني هذه العقلية الأمنية لن تساعد على خلق رأي عام مستنير وفاعل بل تلغى أي دور له رغم أنه المعنى بقضية التنمية ثم أسألكم بالله الذي خلقكم ما قيمة الشعب الذي ليس له لسان وماذا يرجى من مواطن يشرعون باسمه وينفذون باسمه ويكتبون باسمه القانون ؟
(9)
الآن بدا وكأن مدينة سواكن استكملت علاج مشاكلها التي يعرفها القاصى والداني لتتفرغ لمحاكمة صحفي شاب تفاعل بغضب مع تردى الأوضاع الخدمية فوجهوا إليه تهمة غليظة اسمها إشانة السمعة. هؤلاء دفعونا بهذا الاتهام الى حافة الشك عما إذا كانت إشانة السمعة هذه تهمة أم شيئا أشبه ببطاقات الحكام الصفراء والحمراء الى يتم إشهارها بالمزاج أحيانا الى الاتجاه الخطأ .مبعث الشك هنا ذلك الاحتفال الأسطوري الذي أقيم قبل سنوات في بورتسودان وتم نقله على الهواء مباشرة والخاص بتوقيع حكومتي الصين والسودان على قرض صيني لمشروع نقل المياه من النيل الى ولاية البحر الأحمر . الكل يعرف لاحقا كيف تبخر حلم مواطني الولاية ولكنني اتحدي أيا من هذه الآلاف التي أشترت الترام إن كان يعرف سببا لعدم تنفيذ الاتفاقية . ماذا نسمى هذا هل هو إشانة كاملة الدسم لسمعة الحكومة . هل إساءة وإهانة للمواطن أم كلاهما معا ؟
(10)
نحن هنا لا نشكك في جهود المسئولين ولكن بمثل رفضنا للصحفي الاكتفاء بلغة التجريح والانتقاص والعزف على السلبيات نود أن نلفت عين المسئول أيضا انه آن الأوان إن يفهم إن الصحفي لم يخلق للتصفيق عمال على بطال على واقع مؤلم نعيشه جميعا لأسباب منها شح الإمكانيات وسوء الإدارة ولكن الإشكالية تبدأ من وعود معسولة يتم إطلاقها مجانا في الهواء الطلق من قبل مسئولين ينبغي أن يعرفوا حدودهم وإمكانياتهم وأظن أن لهم خططا وبرامج عمل . نحن يا سادة أمام قضايا تهم الصحفي والمسئول والمواطن ولسنا في حلبة ملاكمة يروم كل طرف فيها تسجيل نقاط على حساب الطرف الآخر. قبل ست أشهر وتحديدا في فبراير الماضي سجل معتمد سواكن مشكورا زيارة الى حي القلعة (المشيل) ووجه معاونيه بتركيب مولد في خلال أسبوع لينعم الحي المظلم بالكهرباء ولكن حتى كتابة هذه السطور فالوعد لا زال معلقا في السماء ورسوم توصيل الخدمة لا زالت تدفع من جيوب المواطن المغلوب على أمره تحت مسميات مختلفة . ولأن التهم والكروت الصفراء والحمراء جاهزة إذا تذمرت الناس على الحال فلم يتركوا للمواطن سوى الاحتساب والترديد مع يزيد بن معاوية حتى على الموت لا أخلو من الحسد .

[email protected]





تعليقات 0 | إهداء 0 | زيارات 1099

خدمات المحتوى


حسن ابوزينب عمر
مساحة اعلانية




الرئيسة |المقالات |الأخبار |الصور |راسلنا | للأعلى


المشاركات والآراء المنشورة في صحيفة الراكوبة سواء كانت بأسماء حقيقية أو مستعارة لا تـمـثـل بالضرورة الرأي الرسمي لإدارة الموقع بل تـمـثـل وجهة نظر كاتبيها.
Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.
Copyright © 2025 alrakoba.net - All rights reserved

صحيفة الراكوبة