ويلاه إن نظرت وإن هي أعرضت
10-12-2017 07:48 AM
غداة رفع العقوبات الإقتصادية الأمريكية الأحادية على بلادنا، كانت مظاهر الفرح والإبتهاج تملأ المكان. وفي غمرة الأجواء الإحتفائية، أطل أبوإبراهيم وهو مزارع عريق، على مموله في ذات الصباح يطلب تمويلاً للحصاد، فاعتذر الممول التاجر الممول بلطف: (والله ياج وقفنا التمويل ــ الشيل ــ لأن الدولار نزل وما معروف بكرة ح يصل إيه..!!).. ليه نزل؟.. هكذا تساءل أبوإبراهيم. وطفق الرجل البسيط يهمهم: ليه الدولار ينزل؟!! ليه ينزل؟!! ما الزمن دا كلو ماشي كويس ليه ينزل ما ينزل إلا في وكت الحصاد..!!.. وزاد: طيب النزلو شنو؟!
أجاب التاجر بغير اهتمام وهو يبحث في بعض الأوراق المبعثرة داخل الخزانة: لأنو أمريكا رفعت الحظر عن السودان.. تنهد أبوإبراهيم قليلا ثم تساءل: ليه أمريكا ترفع الحظر..!!! لا حول ولاق وة إلا بالله، هي أمريكا دي ما ترفع الحظر عن السودان إلا في الوكت دا.. طيب نحنا هسي نعمل شنو ما نحصد سمسمنا ولا كيف؟ ونحنا ذنبنا شنو يا اخوانا.. ليه أمريكا ترفع الحظر...!!!..
المعطيات الإقتصادية التي تبدو أمامنا تبشِّر بمكاسب كثيرة جداً ما في ذلك شك أبداً، لكن ستظل هذه المكاسب مجرد أمانٍ لمثل هذا المزارع البسيط، الذي أدرك عملياً أن رفع العقوبات هو سبب "البلوى" التي أخذت بتلابيبه غداة القرار الأمريكي بفك الحظر عن السودان.. ما لمسه عملياً ومسَّ حياته مساساً مباشراً هو الذي يحسه ويصدقه ويؤمن به، وماعداه فهو عنده مجرد "بشريات زي أخواتا الفاتو"..
هذه المكاسب التي نتحدث عنها تحتاج إلى إدارة إقتصادية فاعلة توظفها لدعم الإنتاج، وتحتاج إلى إرادة سياسية قوية تعالج التشوهات ومظاهر الفوضى، وتكبح جماح الفساد، ليكون المحصول النهائي هو ما يصب في معين المواطن السوداني المنتج سواء أكان مزارعاً أم صانعاً أم عاملا، لا ما يذهب إلى جيوب الطفيليين، والوسطاء، والسماسرة، وأرباب النشاط الإقتصادي المشبوه.. حينها نستطيع أن نقنع أمثال أبوإبراهيم أن رفع العقوبات سيجني ثماره هو وأخوانه المنتجين على مختلف مشاربهم..
تنهدات أبوإبراهيم الذي مرت عليه لحظات يأس فضَّل فيها بقاء العقوبات وارتفاع الدولار ندرك أن (العقوبات كانت حارة.. ورفعها أحر)، مثل وقع السهام في الجسد، وكذا نزعها منه. ذلك الحال الذي يصوره بيت الشعر القائل: ويلاه إن نظرت وإن هي أعرضت، وقع السهام ونزعهن أليم... اللهم هذا قسمي فيما أملك...
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين..
الصيحة
|
خدمات المحتوى
|
احمد يوسف التاي
مساحة اعلانية
الاكثر مشاهدةً/ش
الاكثر تفاعلاً
|