المقالات
السياسة
الاوضاع الاقتصادية في جنوب السودان في ظل الصراع السياسي
الاوضاع الاقتصادية في جنوب السودان في ظل الصراع السياسي
10-30-2017 04:03 AM

الاوضاع الاقتصادية في جنوب السودان في ظل الصراع السياسي
(الواقع، التداعيات، والحلول)


المقدمة :
اصبح الاقتصاد الجنوبسوداني في غرفة الإنعاش، متعرضاً لكافة العمليات الجراحية الاقتصادية الحرجة، بعدما طال سرطان الصراع السياسي والحرب اللعين كل جسده الاقتصادي، فالصراع لم تخلف فقط القتلي بل تردى من خلالها الوضع الاقتصادي، بحيث لا يمكن مقارنة الوضع الاقتصادي خلال سنوات السابقة مع سنوات الحرب والصراع .
ويذكر أن الاقتصاد الجنوب سودان قد شهد مرحلة من النمو النسبي المستقر في الفترة بين العامين 2005م و2010م وكانت تلك هي انسب الفترات لتحقيق النمو والاستقرار ولكن الدولة انتهجت سياسية الانفاق العام الخاطئ دون مراعاة الاولويات الاساسية لبناء الدولة مما أدت الي تفشي الفساد داخل مؤسسات الدولة .
فقد تعرضت جنوب السودان الي اوضاع اقتصادية مزرية شهد من خلالها الارتفاع المستمرة في سعر الدولار، قابلها هبوط واضح في قيمة الجنيه الجنوبسوداني مقابل الدولار ، وإرتفاع جنوني في أسعار بعضالسلع الاستهلاكية مما خلفته من معاناة الأفراد الطويلة معها، فضلاً عن ارتفاع البطالة، وعدم قابلية المؤسسات الاستثمارية الصغيرة والكبيرة على العملمما أدي ذلك الي تدهور الوضع المعيشي للمواطن الجنوبسوداني .
فنجد أن الاقتصاد الجنوبسوداني قد شهد تحولاً سلبياً في مؤشراته الكلية جراء الأزمة السياسة التي تمر بها البلاد، حيث ألقت هذه الأزمة بظلالها على الموازنة العامة، والاقتصاد الكلي عامة، وضاعفت من حجم الضغوط الاجتماعية ، وزادت من أعباء الاقتصادية في الدعم المبذول من قبل الحكومة في المجهود العسكري او الحربي أي بالآحري اصبح الانفاق الأمني ، فقد خسر الاقتصاد الجنوبسوداني جراء استمرار هذا الصراع الدائرة الملايين الدولارات ، دون تقديم الخدمات الي المواطنين التي أدت بدوره إلى ارتفاع نسبة الفقراء لتفوق اكثر 80% من مجموع السكان.
الآثار الاقتصادية للصراعات والحروب الأهلية :
واقع المشهد الاقتصادي في جنوب السودان:
أن الاقتصاد الجنوبسوداني قد سجل العديد من التشوهات والتحديات نتيجة لتأثره بالصراع السياسي ، وخاصة في مجال التنمية وإدارة المال العام ومؤاشرات الفقر والمجاعة ،بعد استقلال الجنوب و انتهاء الحرب الأهلية حصل الجنوب على ملايين الدولارات من المانحين الدوليين لتطوير بيئتهم وحياتهم الاقتصادية وبناء مؤسساتهم الاقتصادية ولكن القائمين علي إدارة الدولة لم يستغلوا تلك المبلغ لمنفعة العام بل استغلوها لمصالحهم الشخصية هذا ، بالاضافة الي الإيرادات النفطية وما ذلك فإن جنوب السودان يحتاج إذاً لخطة اقتصادية شاملة تساعد على الحد من تفشي وباء الفساد وبناء مؤسسات ووضع تشريعات قانونية بجانب مرونة الحركة الاقتصادية ولذا فان المشهد الاقتصادي هنا يقول إما أن يظل جنوب السودان مستهلكا لمنتجات غيره كما هي الحالة الآن أو أن يحاول مع كل هذا التعقيد تحريك الإنتاج المحلي عبر برنامج اقتصادي يهدف الي تفعيل القطاعات التي تم أهملها مثل قطاع الزراعة والصناعة والخدمات وغيرها وذلك باستغلال ايرادات النفط ولكن في ظل تجدد الصراعات الأهلية تبقي فرضية تحقيق الاستقرار الاقتصادي والنمو الاقتصادي امر لا يتحقق.
الاثار الاقتصادية للصراع السياسي والحروب الأهلية في جنوب السودان :
تؤثر الصراع السياسي والحروب الأهلية في جنوب السودان على الوضع والسلوك الاقتصادي؛ فغياب الاستقرار الاجتماعي يعيق عمليات التنمية الاقتصادية والبشرية، كما يحول دون تحقيق هدف تخفيض الفقر، حيث تم تحويل قدر كبير من الموارد الدولة من الإنفاق على الخدمات العامة إلى الإنفاق العسكري كما هي عليه الان في جنوب السودان وكذلك تتسبب الصراعات والحروب الأهلية في تدمير الموارد البيئية. ولا يقتصر التأثير على ما تخلفه الحروب مباشرة من خراب ودمار وقتلى، بل يتعدى ذلك بكثير. فترتب الصراعات والحروب الأهلية العديد من الآثار غير المباشرة؛ والتي تتمثل في انهيار الهياكل الاقتصادية والإدارية للدولة، وهروب رؤوس الأموال كرد فعل لارتفاع درجة المخاطرة، وتدهور الحالة الصحية للأفراد، وانتشار الأوبئة والأمراض، بالإضافة إلى تدني مستويات المعيشة، وانتشار موجات الهجرة الإجبارية من مناطق الصراع. كما أن تأثير الصراعات والحروب الأهلية لا ينحصر في آثارها ـ المباشرة وغير المباشرة ـ على الدول المتحاربة فحسب، بل يتعدى حدود هذه الدول وتتفشى الآثار في معظم دول الإقليم. لذا فإن تقييم الآثار الاقتصادية للصراعات والحروب الأهلية يتطلب الأخذ في الاعتبار هذه الأبعاد المباشرة وغير المباشرة والخارجية .
تداعيات الصراع السياسي علي الوضع الاقتصادي الراهنة في جنوب السودان :
من المؤكد ان الصراع السياسي والحروبات الأهلية في جنوب السودان سيؤدي الي تداعيات علي الوضع الاقتصادي نتيجة للعمليات العسكرية التي صاحبت تلك الصراع ومن أهمها الآتي :
تدهور قيمة العملة*الوطنية :
ظهرت تجليات هذا الأمر بشكل واضح على الجنيه الجنوبسوداني وسعر الصرف، وشهد الدولار أثناءها ارتفاعات مستمرة، قابلها هبوط واضح في قيمة الجنيه ، كما تم استهلاك أغلب احتياطات النقد الأجنبي الذي كان موجود في البنك المركزي، وتراجعت الإيرادات العامة للدولة، نتيجة لعدم وجود صادرات ، وتطبيق سياسة خفض العملة ( التعويم )اثر بدوره علي قيمة الجنيه نتيجة لارتفاع المستمرة للقيمة الدولار مقابل الجنيه ،وذلك بسبب زيادة الطلب علي العملات الأجنبية والاعتماد الوردات وعدم وجود الصادرات هو السبب الأساسي في ذيادة الطلب علي الدولار، ومع انتهاج البنك المركزي لتلك اللسياسات الخاطئةادت الي انهيار قيمة الجنيه والتي بدوره أدت التضخم وانخفاض القوة الشرائية وغيرها من مظاهر الانهيار .
هروب رأس المال من جنوب السودان :
يعتبر هروب رؤوس الأموال أحد أسوأ الانعكاسات الاقتصادية للحرب،وفي ظل الوضع الراهنة في دولة جنوب السودان نجد ان هنالك مبالغ يقدر بملايين الدولارات تهرب للخارج وهذا يؤثر سلبا علي الاقتصاد المحلي وانكمشها
الاسباب التي أدت الي تفأقم الأزمة الاقتصادية التي تمر به البلاد :
ان تفاقم الأزمة الاقتصادية الحالية يرجع الي فشل الدولة في أدارة الاقتصاد والعمل الجادة لمواجهة الاسباب التي ادت الي أفتعال هذا الأزمة والتى يمكن ان نلخصها في الأتي:-
- اعتماد الدولة على مورد النفط بشكل مباشرة ،وبالتالي فإن انخفاض اسعاره عالمياً أثر مباشرة على موارد الحكومة المتاحة للانفاق أي تشكل الصادرات البترولية البند الأساسي لايراداتها .
- عدم تبني الدولة للسياسات مالية ونقدية واضحة و عدم اتباع منهج اصلاحي للاقتصاد القومي لمعالجة هذا الوضع الاقتصادي التى إصابت الدولة.
- الحروبات الداخلية وعدم الالتزام باتفاقية السلام ،بالإضافة الي ذهاب أولويات الانفاق الي قنوات لاعلاقة لها بالتنمية او الصالح العام.
- تعويم العملة المحلية أدت الي ضعف قوته الشرائية امام عملات الدول المجاورة وفقدان قيمته الشرائية داخلية وحدوث التضخم .
- عدم وجود قطاع مصرفي مواكبة للنظم المصرفية العالمية .
- عدم وجود مواجهات لسياسية مالية اقتصادية واضحة تهدف الي تحقيق اهداف الألفية ( مكافحة الفقر ،رفع عبئها عن كأهل المواطن البسيط).
- تفشي الفساد الاداري والمالي داخل مؤسسات الدولة وعدم المحسوبية من قبل السلطات المعينة فى الدولة.
الإصلاح الاقتصادي المطلوب في جنوب السودان :
لم تكن لدولة جنوب السودان تجربة سابقة في الإصلاح الاقتصادي باعتباره دولة حديثة ، ولذا علي القائمين بالإدارة الاقتصاد عليهم طرح هذا السؤال لأنفسهم ، ماهي متطلبات الأضلاع الاقتصادي في المراحلة الراهنة وهل نحن امام جهود حقيقة للوصول الي ذلك الإصلاح المطلوب والمستحق؟
والحقيقة الماثلة اليوم ان الإصلاح الاقتصادي في جنوب السودان مازال" فرضية غائبة"في ظل الصراع السياسي الدائر في البلاد وغياب السلام ولذا يمكن القول ان للإصلاح الاقتصادي حقائق ومتطلبات يجب الركون اليها والإيمان بها لكي يتحقق هذا الإصلاح و و اول هذا الحقائق تتمثل في ان عملية الإصلاح الاقتصادي والاستقرار الاقتصادي مرتبط بالاستقرار السياسي علي مستوي الدولة لان عملية الاصلح عملية تدريجية مراسليك لإيقاف عند حد الانتهاء من برامج التصحيح ، والحقيقة الثانية ان عملية الإصلاح عملية تشاركية تحتاج الي تضافر الجهود وانخراط الانتاج ، وفي هذا الإطار تبقي المخرج الوحيد هي السلام والاستقرار .
االإجراءات اللازمة للخروج من الأزمة الاقتصادية التي تمر به جنوب السودان :
أن الازمة الاقتصادية وأثارها امر واقعي لايمكن اخفاءها ولكن تبقي العبرة فى الخيارات والبدائل التى يمكن أتخذها لمحاصرة أثارها الواضح في حياتنا اليومية ،ولذلك سنتعرض لبعض النقاط التي نراي فيه بانه يمكن ان يكون المخرج الوحيد اي بمثابة الإجراءات الهادفة الي استعادة الوضع الاقتصادي الي الافضل وهي علي نحوالتالي :-
1- العمل بجدية وإخلاص على دعم المبادرات السلمية في الداخل والخارج لتحقيق السلام و لحل الأزمة عبر الحلول السياسية، فتوافق السودانين الجنوبين وحده هو الذي يفتح الطريق لوضع السياسات الإصلاحية للنهوض بالاقتصاد الجنوبسوداني ، وذلك من خلال اتخذ الإجراءات الجادة للإصلاح وإعادة هيكلة الاقتصاد، واحياء دور الدولة في النظام الاقتصادي .
2- عدم الاعتماد علي النفط كموارد اساسي يعتمد عليه اقتصاد الدولة ،والعمل علي انتهاج سياسية تنويع الاقتصاد والنهوض بالصناعات وحمايتها ، و دعم القطاع الزارعي لزيادة الانتاج وذلك من خلال سياسية داعمة للعرض حتي تكون هنالك وفرة تساعد في استقرار الاسعار خاصة السلع الاستهلاكية.
3- وقف جميع أنشطة الحكومة وموازناتها المخصصة للقطاعات غير المنتجة والريعية -والتي يمكن تأجيلها- والتي لاتتناسب مع الأوضاع التي تمر بها البلاد.
4-تخصيص موازنات القطاعات غير المنتجة، والإيرادات العامة المتوقعة حصراً لتأمين المساعدات الضرورية للقطاعات المنتجة وخاصة الصناعة والزراعة، وسد احتياجات المواطنين من السلع الأساسية.
5- إخضاع البنك المركزي لرقابة الحكومة المباشرة، فالسياسات النقدية يجب أن تتماشى مع المعالجات الاقتصادية للأوضاع الراهنة.
6- وقف استيراد جميع السلع، باستثناء المواد الأساسية لمعيشة المواطن ( الموادالاستهلاكية)ومستلزمات الإنتاج للنهوض بالعملية الإنتاجية .
7- ضبط قنوات الانفاق العام من قبل الحكومة ( الانفاق الحكومي ) ومراقبة الأداء المالي والنقدي بأقصي صرامة ممكنة تجنباً لاهدار موارد الدولة و اعتماد مبادئ الشفافية والمحاسبة فى السياسات الاقتصادية واستئصال الفساد المالي والاداري وتواجيه الانفاق العام نحو التنمية والخدمات.
8- إعطاء أولوية قصوي للتنمية من خلال تكثيف الاستثمار فى البنيات التحتية والاهتمام بتقديم الخدمات الاجتماعية الأساسية .
9- تحقيق الاستقرار السياسي وذلك بتحقيق السلام وتهئية مناخ الاستثمار الأجنبي ومنح الثقة للمستثمرين الأجانب.
10- الغاء سياسية التعويم والرجوع الي سعر الصرف الثابتة المرن ، بحيث يعيد القوة الشرائية للعملة المحلية.
11- تأهيل النظام المصرفي لمواكبة النظم المصرفية العالمية وتبني ساساسيات اقتصادية واضحة .
ويبدو جلياً أن معاناة الاقتصادي للدولة جنوب السودان ستتفاقم في ظل غياب السلام التي تنقذ ما بقي من الدولة ومؤسساتها، وتسمح بعودة النشاط الاقتصادي إلى حالته الطبيعية.. ولذلك يمكن القول ان هنالك ضرورة ملحة لاتخاذ بهذا الإجراءات لإنقاذ اقتصاد من الانهيار والسقوط في الهاوية.


جون ديفيد لام أتونق
‎باحث واكاديمي بمركز دايفرسيتي للدراسات الاستراتيجية - جوبا
j.nyatong @gmail.com





تعليقات 1 | إهداء 0 | زيارات 2521

خدمات المحتوى


التعليقات
#1705536 [سامية]
0.00/5 (0 صوت)

10-30-2017 07:49 AM
علاوة على ما ذكرت فى مقالك يا أخي جون، عليكم أيضاً الكف عن لوم الشمال على كل شئ يحدث لكم، فلو أن أحد ساستكم تعثرت قدماه فسقط على الأرض لقال أن الشمال هو السبب، استمرار ساستكم فى لوم الشمال على كل ما يحدث فى الجنوب لن يفيد في شي وعليهم بدلاً عن ذلك أن ينظروا فى كيفية النهوض بالدولة الوليدة وأصلاحها وتحقيق تطلعات شعبها.


جون ديفيد لام أتونق
جون ديفيد لام أتونق

مساحة اعلانية




الرئيسة |المقالات |الأخبار |الصور |راسلنا | للأعلى


المشاركات والآراء المنشورة في صحيفة الراكوبة سواء كانت بأسماء حقيقية أو مستعارة لا تـمـثـل بالضرورة الرأي الرسمي لإدارة الموقع بل تـمـثـل وجهة نظر كاتبيها.
Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.
Copyright © 2025 alrakoba.net - All rights reserved

صحيفة الراكوبة