المقالات
السياسة
بدوي مصطفى: رائد كارثة التعريب
بدوي مصطفى: رائد كارثة التعريب
11-06-2017 05:25 AM

لم يكن تكفير "المعهد العلمي" للشاعر الرومانسي الكبير " التجاني يوسف بشير " وحدها الكارثة الاستعرابية الأولى والتي حدثت في الثلاثينات ، ولكنها وقفة يتعين التأمل فيما ساقنا المآل لكيف استطاع " المعهد العلمي " وهو صاحب مصطلح المعرفة باللغة العربية والدّين ، من أن يُبسط سيطرته على العقول . ويبلي بلاء حسناً في تطويع الرأي العام في مصلحة برنامج الإخوان المسلمين . فمنذ رحيل حكم " خليفة المهدي " ، جاءت بعده الحداثة بمقدم المستعمر . وبقي " المعهد العلمي " يحمل جذوة شرارة العودة إلى الماضي وفرض التاريخ القديم بأدوات جديدة. ربما اختلف منهاج "المعهد العلمي "مع رؤى قصة المهدي أو المتمهدي وهو اختلاف مقدار ، تماماً كما هو الأصل في فكر " مؤسسة الأزهر الدينية ". لقد وقف الإنكليز أمام السلطة العربية الدينية للمعهد العلمي وقوف من لا يستطيع فعل شيء منذ الثلاثينات . وقد سبقت ذلك توصية " سلاطين باشا " أنه من الضروري عند غزو السودان الانتباه للإرث الديني . وبقي الحذر من العقيدة وهيمنتها من جديد ، ولكن بغير قراءة " راتب " المهدية ، وهو العقيدة الجهادية!.

(2)

من الغريب أن الأستاذ " بدوي مصطفى " لم يكن من خريجي " المعهد العلمي " ، بل كان من خريجي قسم الترجمة بكلية "غردون التذكارية ". انتمى للحزب الاتحادي ، ولكنه تبني الاتجاه العربي الإسلامي في منهج حياته ، بل فرضه على مناهج التعليم ، فكان رائد الكارثة الأولى التي أصابت التعليم ، حين تمّ تعريب مواد الثانوية العامة " الرياضيات والعلوم والجغرافيا " عام 1965 ، عندما تقلد سلطة التربية والتعليم في السودان. ثم ترك العمل السياسي وتبع العمل التجاري ، داخل السودان وخارجه.

(3)

لم يكن نظام 25 مايو هو الأول في سلسلة تبني منهاج تعريب التعليم العام ، كما يعتقد معظم منْ يتحدثون ، بل كان هو الثاني . وكان برنامج القوميين العرب ، هو العودة السريعة ، لمناهج مصر وعودتها لتسيد التعليم السوداني . فقد كانت مصر هي القدوة والمنارة التعليمية لأهل السودان ، وقد جاءت الفرصة للاستخبارات المصرية أن تعود عبر ملف التعليم ، الذي خرج من يد مصر بعد اغتيال السير " لي استاك " في نوفمبر 1924 بالقاهرة . وتم بناء عليه طرد القوات المصرية من السودان ، وبالتالي تم استبدال قبلة التعليم إلى إنكلترا بدلاً عن مصر.

ربما يستطيع أهل البحث العلمي أن يستدركوا تحليل منهاج " بدوي مصطفى " القاصد ، وهو يتقلب بين عودة التعليم لمرجعية مصر ، بدلاً عن إنكلترا ، وبين انتمائه لفكر الحركة الإسلامية في السودان.

(4)

رغم ثناء الكاتب الأم درماني الكبير" شوقي بدري " عن تاريخ السيد " بدوي مصطفى " في مقال كتبه عام 2015، فإني لم أنس الانقلاب والفوضى في نظام التعليم الذي سببه السيد " بدوي مصطفي " . فقد كُنا حينذاك في السنة الأولى الثانوية . وكيف تدفقت علينا الكُتب والمناهج المصرية بلا رويّة ، بديلاً عن المنهاج الإنكليزي . فكان القرار قد تخطى " بخت الرضا " ، تلك المؤسسة التعليمية التي تقوم بفحص وتجريب المناهج ، قبل اعتمادها كمنهج للتعليم العام .
أربك القرار الجهاز التعليمي ، ودخل أساتذة المرحلة الثانوية في قضية شائكة وحيرة بين منهجين . فحواها التنفيذ الجبري الناجز حتى لو بالمقررات المصرية ، إذ لم تكن هناك كتب دراسية بالغة العربية . فصار التعليم في زمن من الأزمان بعد قرار " بدوي مصطفى " : طلاب السنة الأولى والثانية بالنظام الذي ابتدعه " بدوي مصطفى " ، في حين طلاب السنة الثالثة والرابعة وفق نظام التعليم الإنكليزي .

كانت أياماً صعبة ، عبس فيها الحظ العاثر بطلاب المرحلة الثانوية ، وبدأت بالرحلة التي انتهت من المرحلة الثانوية عام 1969 .فتعثرت مسيرة اللغة الإنكليزية. ثم جاءت فترة حكم القوميين العرب بعد انقلاب 25 مايو ، فحققوا فترة التدهور الثاني في نظام التعليم العام .

لن يتميز " بدوي مصطفى " بأنه ساوى مرتبات أساتذة العربي والدين برصفائهم أساتذة الرياضيات والفيزياء ، وهو عمل منطقي نفذه ضمن منهاج تمييز اللغة العربية في منهاج التعليم العام ، وتعديل غلبة اللغة العربية لتكن وجها متميزاً لهوية أرادها " بدوي مصطفى " أن تصبح هي الغالبة!.

(5)

ميزة اللغة الإنكليزية في بلد كالسودان ،هو أن يصبح هوية مستعمر ، وقد تصبح هوية مُغايرة . لا تنتمي لقبيلة أو عرق أو لغة . يكفي أن المُستعمر ليس استيطانياً لتكون لغته هوية مُتعالية . بل ، وبعد رحيل المُستعمر السلمي ، أصبحت اللغة الإنكليزية شبه مُحايدة . لماذا فرض أصحاب الثقافة العربية الإسلامية أن تكون اللغة العربية هي اللغة الغالبة؟ . أليست هي ضمن مسلسل الهوية العربية الإسلامية ، بكل تداعياتها المُتمسكة بالغلو والتطرف كما هو بيانه حاضر في الحياة اليوم ؟.

وصرنا نبحث عن الاعتدال ، وهجران الجهاد الدموي ، في وقت سعى نفر لتكون اللغة العربية والدين منهاجاً غالباً ،ليضعوا بذرة صراع الهوية اللاحق . إذ أننا في عصر سيادة القناعات الديمقراطية ، التي تبحث عن الاقتناع ، غير ما هو سائد الآن : من فرض العربية وتابعتها العقيدة والوصول لمآلاتها التي ترفض وجهة النظر الأخرى. واللغة العربية هي من اللغات التي تحاول اللحاق باللغة الإنكليزية ، إذ تتخلف عنها حوالى قرن من التطور . صارت الإنكليزية هي لغة الكون الثقافي الاقتصادي ، الذي لا يعرف إلا العواطف التي تنقاد للاقتصاد والتطور والمعرفة .

(6)

تطورت الهند ، وهي بالتعقيد القبلي والعرقي والثقافي ، أكثر من أهل بلادنا . وحكمتهم " إدارة المُستعمرات ، وهي بالغلظة الاستعمارية ، وليست بالرقّة والنعومة التي يتبع لها منهج " وزارة الخارجية " ، التي حكمت السودان بخريجي " أكسفورد " و " كمبردج " الشباب . كانت الفرصة أمامنا لنختار لغة إنكليزية حيادية ،في الوقت الذي ذهب المُستعمر من بلادنا ، بدأ من " معركة كرري " وانتهى بالحاكم العام " سيمنز" حيث الاهتمام بالثقافة وابتعاث السودانيين للدراسة في إنكلترا " والدعوة لوحدة جنوب السودان . وحده " مشروع الجزيرة " أو مشروع القرن العشرين الذي قام باستثمار اثنين ونصف مليون فدان في زراعة القطن طويل التيلة منذ 1913 إلى أن غادر المُستعمر بلادنا وتركه لنا . عمِل في المشروع 4.5 مليون سوداني مع مجموعات هاجرت من غرب إفريقيا. وأنشأ سكك حديد السودان بطول يبلغ 5500 كيلو متر من حلفا إلى بورتسودان ، والجزيرة إلى " الأبيّض".

لذلك كان قرار الأستاذ " بدوي مصطفى " في تعريب مناهج " الرياضيات والعلوم والجغرافيا " عام 1965 وهو قرار فردي غير مؤسس ، كارثة حقيقية ! . أعطى الغلبة لهيمنة الهوية العربية الإسلامية ، الذي تم وقد لا يذكر سيرته أحد ، و لكنه مهد لطريق الهدم التعليمي على مراحله التي نشهد قمة انهياراته الآن، في مقابل الاستثمار في التعليم الذي يملأ العالم طولاً وعرضاً.

[email protected]





تعليقات 2 | إهداء 0 | زيارات 1784

خدمات المحتوى


التعليقات
#1707676 [Arabisation]
5.00/5 (1 صوت)

11-06-2017 11:43 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الكاتب عبدالله الشقليني،
بعد التحية والسلام لشخصكم الكريم
قرأت بتعجب واندهاش مقالكم في حق د. بدوي مصطفى، رحمه الله، الذي حملتموه فيه، دونما أدنى حق أو علم وبعد تحليل سطحيّ لا منطقيّ، قضيّة كارثة التعليم انطلاقا من منهجية تعريبه التي ناضل من أجلها في مجلس الوزراء إذذاك. قضيّة التعريب يا سيدي الكريم قضية بيداغوجية، اجتماعيّة وثقافية شائكة ومعقدة إلى أبعد الحدود لا يتثنى في غضون مقال صحفي متسرّع رصدها وتحليلها، دون دراية أو معرفة بمساطر وتقنيات علم الاجتماع وللأسف أنكم في هذا المقال تجرمون هذا الرجل – رحمه الله – دون حق، أمالكم كيف تحكمون؟!
كنت أتمنى أن تتوخوا الحذر أخي في الحديث عن أعلام هذه البلد وأن يكون المقال علميّ تسنده ركائز بحثيّة معتمدة على أدلّة علميّة بينّة بدلا من الانطباعيّة الشخصيّة فيه التي لا تقدم ولا تؤخر بل تحسب عليكم وعلى سطحية العمل الصحفي المتسرع. هذه جريمة في حق الرجل!
اسمح لي أن أشير إلى أهميّة الحذر في الحديث عن أعلام هذه البلد في الآتي:
أولا: خطورة الحديث عن رجل له أياد سابغة على هذا البلد، أولها في النضال وفي استقلاله ذلك مع الرعيل الأول، من أولئك الذين ضحوا بالنفيس والغالي من أجل رفعته ومن ثمّة نضاله السياسي المستميت ضد تسلط المستعمر وفوق هذا وذلك ترسيخ الحراك والعمل الصحفي في البلد ككاتب ورئيس تحرير لعدة صحف على مدى السنين؛
ثانيا: كان ينبغي عليكم من جهة، الرجوع إلى مرجعيات علميّة وتوثيقية وإلى من عرفه حق المعرفة ووقف على عمله ونضاله في مجلس الوزراء من أجل إنشاء صروح علميّة خرّجت الملايين إلى الآن، على سبيل المثال لا الحصر الجامعة الإسلاميّة، كلية القرآن الكريم، إضافة إلى الدعم الاقتصادي الذي انبثق من انشائه لمصلحة صندوق الزكاة، ومن جهة أخرى الإلمام بقضايا التعريب أو التعليم بلغة غير اللغة الأم (أو المتداولة في البلد) ذلك تجدونه في بطون علم الاجتماع وفي أبحاث علميّة عديدة.
ثالثا: كان د. بدوي مصطفى شموليا واسع الأفق متسامحا رغم تدينه وورعه، بعيد النظر في كثير من الأمور السياسية سيما قضية تعريب التعليم بلغة البلد، وهذه القضية أعطت أكلها وأظهرت نجاحها في السودان، هذا البلد، الذي خرج في تلك الفترة عباقرة في كل المجالات الأدبية أم العلميّة، يشار إليهم بالبنان إلى هذا اليوم، وساهموا في بناء التعليم والدولة في العديد من الدول العربية والأوروبية حتى، ولم يكن التعليم في زمنه وضيعا مبتذلا – كما تدعي - بل كان رسالة سامية دافع عنها وحافظ عليها بكل ما ملكه من أيمان وشجاعة. وأعلام البلد من الرعيل السابق خير محام لما وضعه من قواعد وأسسه من بناء في النهوض بعجلة التعليم في السودان في الستينيات.
لكن ماذا فعل الذين أتوا من بعده؟ لماذا لم تتحدث عن تغيير السلم التعليمي في البلد من اثنتي عشرة سنة إلى أحد عشرة؟ لماذا لم تتطرق إلى الزخم الموادويّ في العديد من المراحل التعليميّة التي أدخلتها الإنقاذ دون تخطيط أو دراية؟
رابعا: هل تعتقد أن مشكلة التعليم هي فقط اللغة العربية؟ نعم، اللغة العربية في ضائقة الآن وليس الأمر بهذه السهولة أن نربط تطور العقول بلغة ما؟ ها هي الدول الأفريقية تدرس باللغتين الفرنسية والانجليزية، أين هي من الحراك العلميّ والثقافي في العالم؟ القضية أعمق مما تتصور سيدي الكريم. وها هي الصين تعلم بلغتها، وهل كان ينبغي عليها أن تتخذ اللغة الانجليزية أيضا منهجا لتصل إلى ما وصلت إليه الآن؟
نحن نفتقد إلى أبجديات أوليّة منها مناخ ملائم وإلى الحريات العامة منها حرية التفكير وحرية الرأي وكل الحريات الأخرى التي وأدها هؤلاء ومارست وأدها الأنظمة السابقة من نميري إلى البشير، فهل تنتظر من اللغة الانجليزية أن تخرجنا من هذا المأزق بعد؟
ارجع البصر فيما كتبت يا أخي، ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك هذا التجريم خاسئا وهو حسير وينقلب إليك السرد الانطباعي بما لا ترضى عنه أنت.
بدوي مصطفى والأزهري ومحمود ويحيى الفضلي وكثيرون هم اسماء ندين إليها في أعمالها الخالدة وينبغي على كل فرد منّا أن يحترم هذه الهامات وهؤلاء الرجال المؤسسات لما قدموه من عمل ناكرين للذات في حق السودان وحق أمته.


ردود على Arabisation
Bahrain [ميمان] 11-07-2017 09:29 AM
يا أخي انت اوف بوينت ولم ترد على الموضوع الأساسي المثار. الرجل لم يتصدى لشخص بدوي مصطفى بل لقرار خاطئ اتخذه الاستاذ بدوي مصطفى وهو تعريب التعليم الذي اتخذ دون دراسة ودراية ومعرفة بمآلات السودان واصبحنا بسببه مجموعة من الجهلة

Italy [عبدالله] 11-07-2017 12:27 AM
اقتباس:ان د. بدوي مصطفى شموليا واسع الأفق متسامحا رغم تدينه وورعه، بعيد النظر في كثير من الأمور السياسية سيما قضية تعريب التعليم بلغة البلد، :

يازول خلي الكركبة والتطويل الما فيها فايدة وخلينا نتكلم عما جنيناه من التعريب, انت عارف انو التعليم بقي يعتمد علي اللغة الانجليزية ومعظم المراجع والمجلات العلمية تكتب فيها المقالات بهذه اللغة, اما اللغة العربية فمنتوجها العلمي ضعيف وذلك لعدم توفر المراجع والمجلات المحكمة.
هل تعلم لماذا يفشل الطالب السوداني في الحصول علي منح دراسية خارج السودان؟ السبب لانهم لا يجيدون اللغة, هل تعلم لماذا قل منتوج البحث العلمي من الاساتذة السودانيين في المجلات العالمية وخاصة الاساتذة الذين نهلوا من بالوعة التعريب ؟ الاجابة نفس السبب , لماذا تصدر جامعة الملك سعود والملك عبدالعزيز صدارة التصنيف للجامعت العربية؟ لان اساتذتها يقدمون منتوج علمي غزير في الدوريات المتخصصة.


#1707622 [اللغة الأم]
5.00/5 (1 صوت)

11-06-2017 09:33 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الكاتب عبدالله الشقليني،
بعد التحية والسلام لشخصكم الكريم
قرأت بتعجب واندهاش مقالكم في حق د. بدوي مصطفى، رحمه الله، الذي حملتموه فيه، دونما أدنى حق أو علم وبعد تحليل سطحيّ لا منطقيّ، قضيّة كارثة التعليم انطلاقا من منهجية تعريبه التي ناضل من أجلها في مجلس الوزراء إذذاك. قضيّة التعريب يا سيدي الكريم قضية بيداغوجية، اجتماعيّة وثقافية شائكة ومعقدة إلى أبعد الحدود لا يتثنى في غضون مقال صحفي متسرّع رصدها وتحليلها، دون دراية أو معرفة بمساطر وتقنيات علم الاجتماع وللأسف أنكم في هذا المقال تجرمون هذا الرجل – رحمه الله – دون حق، أمالكم كيف تحكمون؟!
كنت أتمنى أن تتوخوا الحذر أخي في الحديث عن أعلام هذه البلد وأن يكون المقال علميّ تسنده ركائز بحثيّة معتمدة على أدلّة علميّة بينّة بدلا من الانطباعيّة الشخصيّة فيه التي لا تقدم ولا تؤخر بل تحسب عليكم وعلى سطحية العمل الصحفي المتسرع. هذه جريمة في حق الرجل!
اسمح لي أن أشير إلى أهميّة الحذر في الحديث عن أعلام هذه البلد في الآتي:
أولا: خطورة الحديث عن رجل له أياد سابغة على هذا البلد، أولها في النضال وفي استقلاله ذلك مع الرعيل الأول، من أولئك الذين ضحوا بالنفيس والغالي من أجل رفعته ومن ثمّة نضاله السياسي المستميت ضد تسلط المستعمر وفوق هذا وذلك ترسيخ الحراك والعمل الصحفي في البلد ككاتب ورئيس تحرير لعدة صحف على مدى السنين؛
ثانيا: كان ينبغي عليكم من جهة، الرجوع إلى مرجعيات علميّة وتوثيقية وإلى من عرفه حق المعرفة ووقف على عمله ونضاله في مجلس الوزراء من أجل إنشاء صروح علميّة خرّجت الملايين إلى الآن، على سبيل المثال لا الحصر الجامعة الإسلاميّة، كلية القرآن الكريم، إضافة إلى الدعم الاقتصادي الذي انبثق من انشائه لمصلحة صندوق الزكاة، ومن جهة أخرى الإلمام بقضايا التعريب أو التعليم بلغة غير اللغة الأم (أو المتداولة في البلد) ذلك تجدونه في بطون علم الاجتماع وفي أبحاث علميّة عديدة.
ثالثا: كان د. بدوي مصطفى شموليا واسع الأفق متسامحا رغم تدينه وورعه، بعيد النظر في كثير من الأمور السياسية سيما قضية تعريب التعليم بلغة البلد، وهذه القضية أعطت أكلها وأظهرت نجاحها في السودان، هذا البلد، الذي خرج في تلك الفترة عباقرة في كل المجالات الأدبية أم العلميّة، يشار إليهم بالبنان إلى هذا اليوم، وساهموا في بناء التعليم والدولة في العديد من الدول العربية والأوروبية حتى، ولم يكن التعليم في زمنه وضيعا مبتذلا – كما تدعي - بل كان رسالة سامية دافع عنها وحافظ عليها بكل ما ملكه من أيمان وشجاعة. وأعلام البلد من الرعيل السابق خير محام لما وضعه من قواعد وأسسه من بناء في النهوض بعجلة التعليم في السودان في الستينيات.
لكن ماذا فعل الذين أتوا من بعده؟ لماذا لم تتحدث عن تغيير السلم التعليمي في البلد من اثنتي عشرة سنة إلى أحد عشرة؟ لماذا لم تتطرق إلى الزخم الموادويّ في العديد من المراحل التعليميّة التي أدخلتها الإنقاذ دون تخطيط أو دراية؟
رابعا: هل تعتقد أن مشكلة التعليم هي فقط اللغة العربية؟ نعم، اللغة العربية في ضائقة الآن وليس الأمر بهذه السهولة أن نربط تطور العقول بلغة ما؟ ها هي الدول الأفريقية تدرس باللغتين الفرنسية والانجليزية، أين هي من الحراك العلميّ والثقافي في العالم؟ القضية أعمق مما تتصور سيدي الكريم. وها هي الصين تعلم بلغتها، وهل كان ينبغي عليها أن تتخذ اللغة الانجليزية أيضا منهجا لتصل إلى ما وصلت إليه الآن؟
نحن نفتقد إلى أبجديات أوليّة منها مناخ ملائم وإلى الحريات العامة منها حرية التفكير وحرية الرأي وكل الحريات الأخرى التي وأدها هؤلاء ومارست وأدها الأنظمة السابقة من نميري إلى البشير، فهل تنتظر من اللغة الانجليزية أن تخرجنا من هذا المأزق بعد؟
ارجع البصر فيما كتبت يا أخي، ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك هذا التجريم خاسئا وهو حسير وينقلب إليك السرد الانطباعي بما لا ترضى عنه أنت.
بدوي مصطفى والأزهري ومحمود ويحيى الفضلي وكثيرون هم اسماء ندين إليها في أعمالها الخالدة وينبغي على كل فرد منّا أن يحترم هذه الهامات وهؤلاء الرجال المؤسسات لما قدموه من عمل ناكرين للذات في حق السودان وحق أمته.


عبد الله الشقليني
مساحة اعلانية




الرئيسة |المقالات |الأخبار |الصور |راسلنا | للأعلى


المشاركات والآراء المنشورة في صحيفة الراكوبة سواء كانت بأسماء حقيقية أو مستعارة لا تـمـثـل بالضرورة الرأي الرسمي لإدارة الموقع بل تـمـثـل وجهة نظر كاتبيها.
Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.
Copyright © 2025 alrakoba.net - All rights reserved

صحيفة الراكوبة