حاجّة النخيل… صداقات بلا حدود
11-09-2017 04:18 AM
للصداقة قصص وحكاوى لعل من اشهرها و اجملها على الاطلاق تلك الصداقة الحميمة التي نشأت بين شاعرين من عمالقة القرن الثامن عشر هما الشاعر المرهف ” شيللر” والفيلسوف والشاعر الكبير “جوته” . فعندما تعارفا كان “شيللر” في الخامسة والثلاثين و”جوتة” في الخامسة والاربعين وقد صارت صداقتهما عبارة عن قصيدة رائعة كانت اجمل مما كتباه من شعر معاً . فقد كانت صداقة بين رجل عملاق طبقت شهرته العالمين ورجل مريض متهالك اذ كان “شيللر” وقتها قد فقد احدى رئتيه وكان قاب قوسين او ادنى من الموت غير ان هذه الصداقة انقذته فاستطاع ان يعيش احد عشر عاماً اخرى .
كان “شيللر” يحب العدل وكان “جوتة” يعشق الجمال . كان “جوتة” غنياً مترفاً وكان “شيللر” فقيراً معدماً . بيد انهما كانا يشتركان في عشق الشعر الذي يريان فيه الوسيلة المثلى لتحويل الانسان العادي الى كائن اسمى واعلى . وهكذا تكاتف الشاعران في العمل وكل منهما يشجع الآخر ويستحث عبقريته . فيقرآن معاً ويعرض كل منهما انتاجه على الآخر ويتبادلان النقد الهادف والرأي الصواب فيما يكتبان من اجل الاحسن والاجمل
ويموت “شيللر” فيختفي “جوته” عن الانظار ويغلق باب غرفته على نفسه ويبكي كما الطفل ويكتب : لقد فقدت نصف مقدرتي على الكتابة ، ان اوراقي كلها بيضاء فارغة كفراغ حياتي . الا انه يفيق من هول الصدمة وشدة الحزن فيترجم ذكريات صديقه الرائعة الى دوحة شعرية غناء .
اما اروع صداقة شهدتها بأم عيني فتلك التي نشأت بين حاجة النخيل السودانية وحاجة عائشة الافغانية حيث كان عامل السن هو القاسم المشترك الوحيد بينهما اما اللغة والعادات والانتماء فلم تكن حجر عثرة امامهما . فحاجة النخيل كانت تتمتع بذكاء اجتماعي حاد مكنها من كسب قلوب عدد هائل من الناس في اقل من شهر رغم عدم المامها باللغة الانجليزية . فكانت تخاطب صديقتها باللغة العربية وبلكنةٍ شايقية فترد عليها الاخرىبلغة الاوردو فتفهمان بعضا بدون عناء كأنما تتحدثان بلغة واحدة .
كان نشاطهما اليومي يبدأ عادة بعد العاشرة صباحاً الى ما بعد الظهيرة حيث تتبادلان الزيارة . اما فترة العصر فتقضيانها في الحديقة العامة حيث تمارسان رياضة المشي الى قُريب المغرب ثم تفترقان على مضض على امل ان تلتقيا في صبيحة اليوم التالي .
كانت صداقتهما ظاهرة انسانية خالصة ترجمانها الحب النقي الخالي من اية مصلحة ذاتية ومبعثاً للاعجاب والتعجب لكل من شهدهما تتآنسان وتضحكان بسعادة ما بعدها سعادة واخلاص لا مثيل له . فكانتا موضوعاً للنقاش والفضول لدى الصغار والكبار في تلك الحارة الامريكية . وعندما حان موعد سفر النخيل الى السودان تأثر كل من شهد احداث تلك الصداقة الجميلة .
فكان مشهد يوم الفراق شديداً وقاسياً على الجميع خاصة في اللحظة التي كانت فيها الصديقتان تتعانقان وتنتحبان وتبكيان بكاءاً حاراً يقطع نياط القلب .
ومنذ ذلك الفراق الحزين عم السكون ارجاء الحارة بعد ان تركت حاجة النخيل فراغاً عريضاً في نفوس محبيها وفقدت الحديقة العامة نشاطها وبريقها واصبحت الحاجة عائشة لا تُرى الا لماماً ولم ينقطع لسانها عن اجترار ذكرياتها الجميلة مع صديقة عمرها النخيل ولا تكاد تخفي حزنها وحظها العاثر على هذه السعادة التي لم يكتب لها ان تستمر طويلاً . وصدق الحكماء عندما قالوا : الصداقة اهم من الحب فالصداقة ثابتة ولكن الحب متحول ومتقلب .
والصداقة اغلى من المال فالمال يذهب ويجيئ والصداقة تبقى .
فالصداقة اذن نعمة عظيمة فلنحافظ عليها اذا كان بأيدينا شيئا منها خاصة في هذه الايام التي قل فيها الصدق فقل الصديق الذي اصبح اندر من الهلال في كبد السماء
مالك معاذ سليمان
[email protected]
|
خدمات المحتوى
|
مالك معاذ سليمان
مساحة اعلانية
الاكثر مشاهدةً/ش
الاكثر تفاعلاً
|