المشروع الحضاري : بهاء الحلم فجيعة السقوط 2
11-10-2017 01:01 AM
إن غايتنا من إقامة الدولة هي السعادة القصوى للجميع ، وليس لأي طبقة معينة
افلاطون
اعلم أن العدل ميزان الله تعالى في الأرض الذي يؤخذ به للضعيف من القوي والمحق من الباطل ، واعلم أن عدل الملك يوجب محبته ، وجوره يوجب الافتراق عنه.
الاحالة للصالح العام :- مجزرة الخارجية أنموذجآ ً .
ورد في كتاب " ذكريات وتجارب دبلوماسية " لمؤلفه د/عطا الله أحمد البشير أن وزارة الخارجية كانت من أولي الوزارات التي امتدت إليها حملات التطهير باسم الصالح العام وتوالت عليها حملات التطهير بطريقة ممنهجه وشملت قائمة الخارجية 12 من كبار السفراء بعد اسبوعين تقريبا من قيام الإنقاذ وصدر ملحق إعفاء يشمل مجموعة ثانية من كبار السفراء أما المجزرة الثالثة التي تميزت بعدديتها المهولة فقد بلغت 41 دبلوماسيا وبشمولها لكل الدرجات الدبلوماسية من سفير حتي صغار السكرتيرين وكانت بمثابة مذبحة جماعية أحدثت ذعراً وموجه من الأحزان وتشرد علي أثرها عشرات الدبلوماسيين وأسرهم بالداخل والعواصم الخارجية المختلفة فكانت تصفية لكوادر الوزارة المتمرسة مهنياً من ذوي الخبرات المتراكمة .
ثم أعقب ذلك تعيينات جماعية وفردية من كوادر الإنقاذ الإسلاميين في كل الدرجات الوظيفية في هرم الهيكل التنظيمي الخاص بالسلك الدبلوماسي ، ففي أغسطس 1989م صدر مرسوم بتعيين سفراء من شخصيات دخيلة وجديدة علي وزارة الخارجية ثم توالت التعيينات السياسية بحالات فردية وفي مايو 1995م صدر مرسوم بتعيين 35 شاباً من كوادر الإنقاذ الإسلاميين كدبلوماسيين جدد في درجات تتراوح من سكرتير ثاني الي وزير مفوض وذلك دون إجراء لامتحانات تحريرية أو فحص لمؤهلاتهم العلمية أو خبراتهم العملية .
أتضح أن معظمهم كانوا يعملون كممثلين لمنظمة الدعوة الإسلامية التابعة لحزب الجبهة الإسلامية القومية داخل وخارج السودان وفي أمريكا تحديداً .
خرقت الإنقاذ نظام وإجراءات الخدمة المدنية في القبول للمناصب بإجراءات صورية تنتهي باختيار كوادر الجبهة الإسلامية بين الممتحنين , فالهدف هو استقطاب كوادر الولاء علي حساب الأداء والمحسوبية بدلاً من المؤهل والجدارة.
أما السفير نجيب الخير فيقول أنه كان علي رأس الدفعة التي التحقت بالسلك الدبلوماسي في 1977م كان يجيد العربية والانجليزية والفرنسية تحدثاً وكتابة ولكنه كان من بواكير من أنعم عليهم الإسلاميون بالإحالة الي الصالح العام ولكنه عاد كوزير دوله بالخارجية بعد إتفاق جيبوتي عام 99 وكسفير للسودان بالاتحاد الاروبي لاحقا وعندما أرسل علي عثمان إبن إخيه حمدي حسب الرسول محمد طه دبلوماسيا للبعثة ببروكسل سكرتير أول وهو ذو علاقة محددة بأي لغة أوربية أو بأساسيات العمل الدبلوماسي ولقد قام بنقل ذلك لوكيل الوزارة د/ مطرف صديق من منطلق معرفته بمتطلبات منطقة التمثيل وأن هذا الدبلوماسي أصلح له وللوزارة أن يعمل في بعثة دبلوماسية لا تحتاج الي لغة أوربية ، كان مصيره أن عوقب بالإحالة الي الصالح العام مرة أخري ويبدو أن إرسال هذا الدبلوماسي الي بروكسل كان أصلاً لكي تتعالج شقيقته التي كانت مصابة بالسرطان وقدر الله أن تموت هناك أثناء تلقيها العلاج وان يبقى شقيقها في البعثة هناك وان يترقى الي درجة سفير خلال ثلاث سنوات وهو الان سفيراً للسودان باليونان .
في مقاله " المثقف والسلطة طراد مستدام " للدكتور حسن عابدين الذي عمل بالخارجية سفيراً ووكيلاً خلال حقبتي مايو والإنقاذ واخيراً استاذاً بجامعة الخرطوم كتب عن " الدبلوماسية الرسالية " وأشار الي هذه البدعة الدبلوماسية التي جاءت بها الإنقاذ في ظل سياسة التمكين وعن ظواهر الفشل الرسالي في أداء الوزارة وعندما سألته الصحفية نادية عثمان مختار بجريدة التغيير قائلة كنت وكيلاً للخارجية وسفيراً سابقا كيف تنظر لأدائها الآن أجاب د/ عابدين قائلاً " بائس جداً لأنه استشرى فيه أفه التمكين وعدد كبير من الشباب الذين تولوا مواقع في الخارجية تم اختيارهم علي أساس أنهم الدبلوماسيون "الرساليون " وهم يمارسون الدبلوماسية الرسالية وغاب المنهج العلمي في الخارجية .
في مقاله " دبلوماسية في خريف التمكين " يكتب السفير جمال محمد إبراهيم قائلاً " شهدنا في العقود الأخيرة ظاهرة شاعت اسمها " التمكين " والتمكين بدعة ابتدعها الدهاة من السياسيين الحاكمين للامساك بأعنة الحكم وقبل بها الناس رهبة لا رغبة , إذ الرهبة غلبه تدعمها القوة والسيطرة فيما الرغبة تجل للإرادة الحرة المستقلة , الدفع في الأولي خارجي وفي الثانية هو من باطن دواخلها ، في الأولي كرامة مهانة وفي الثانية كرامة مصانة ولعل للتجريب السياسي ثمن تدفعه الأجيال المتعاقبة معاناة ورهقاً وموتاً ويستطرد قائلاً " اي و بال جاءتنا به سياسات التطهير والتمكين حيث بترت بأسيافها العناصر الدبلوماسية الخلاقة والكوادر المناصرة لقضايا الوطن بتجرد ومهنية ونزاهة وانحياز ؟ لقد انهارت الخدمة المدنية بسبب التسييس والتمكين ففقدت العدالة والكفاءة والإبداع وذلك بعدم التقييد بالوصف الوظيفي الذي يقنن ويقيم وضع الوظيفة وكفاءة شاغلها ولقد وصلت الي مرحلة الانهيار الفعلي إذ أن المحسوبية والمحاباة والولاء السياسي طغت علي الخبرات والكفاءات والقدرات وأصبح الصغير يدير الكبير بجانب عدم المراقبة والمحاسبة من قبل الجهات المختصة .
كان حصاد ذلك ما تواتر من أفعال و فعل مشين لمنسوبي البعثة الدبلوماسية بنيويورك وغيره.
وأخيراً
أن قيمة الغاية هي قيمة الوسائل والوسائل كالبذور والغاية كالشجرة والمرء إنما يحصد ما ذرع وان الوسائل التي لا تجانس الغاية تهدم الغاية ذاتها وان ليس في وسع الغايات أن تطمح الي بلوغ كمال يفوق كمال الوسائل المستخدمة .
جدلية الوسائل والغايات " روجيه جارودي"
[email protected]
|
خدمات المحتوى
|
محمد حسن عبد الله
مساحة اعلانية
الاكثر مشاهدةً/ش
الاكثر تفاعلاً
|