المقالات
السياسة
المقاربات المنهجية في جدلية أبكر آدم (1)
المقاربات المنهجية في جدلية أبكر آدم (1)
11-19-2017 09:05 PM

(1) الجدل
في رواية اليكس هيلي "الجذور" امتهن أحد ابطال الرواية، من احفاد "كونتا كنتي"، خوض مباريات صراع الديكة. وفيها يُقسر ديكين على التواجد والتصارع في حلبة دائرية يمكن أن نسميها "حقل كلية" يشكله الجمهور المتحلق حول حلبة الصراع. يبدأ الصراع ولن يحل إلا باحتمالات محدودة: أن ينهك الديكين دون أن يتغلب أحدهما على الاخر، أو أن يموت أحدهما على الحلبة مباشرة. أو أن ينتهي الصراع بهزيمة أحدهما ويعود المهزوم مثخنا بالجراح محمولاً على يدي صاحبه، وربما تتغير تكتيكاته كراً وفر في الحلبة القادمة أن نجح صاحبه في علاجه بحيث يصلح لصراع قادم ونجا من الموت لاحقا متأثراً بجراحه. في كل الاحتمالات لا يتوقع أن ينتج صراع الديكة تطوراً تاريخي في حياتهم وحياة نوعهم نتيجة لصراعهم بالذات، سيظل صراع الديكة هو هو بذات الادوات والسلوك بين الديكة يمارس بعد وفاة حفيد كونتا بكثير. وبالنسبة للديكين المتصارعين بالتحديد فلا تغير في الطرفين سيحدث. إما أن يتعادلا ويظلا ديكين، أو يموت أحدهما أو يقمع مؤقتاً أو نهائياً ويظل الثاني ديك في الحلبة . كيف وبأي مدخل سيكون التطور في حلبة الديكة امرا محتم ؟؟!!
تعريف الجدل، (ص 16) من كتابه "جدلية المركز والهامش" كتب د/ ابكر آدم :-
[ما هو الجدل؟؟؟ .. هو قانون الصراع الذي ينشأ بين المتناقضات نتيجة لوجودها داخل حقل كلية يشترط تواجدها وتطورها داخله. حيث لا يمكن حل هذا التناقض الا بتغير يحدث في الطرفين أو الاطراف، ﻹيجاد علاقات جديدة تستوفى شروط الوجود داخل حقل الكلية لتتكون وحدات جديدة تدخل تلقائيا في علاقة جدلية جديدة ..التطور وهكذا] انتهي ..
وفي ص "80" من الكتاب وتحت عنوان جانبي قرر [( هيغل رائد الفلسفة الجدلية): }هو الذي اكتشف قانون الجدل. وقرر بشكل لا رجعة فيه أن التاريخ ليس حشداً عشوائياً من الأحداث كما كان سائداً في الفكر، إنما هو تسلسلاً متعاقباً للأحداث وفق قانون الجدل Dialectic.{[
وفي هامش صفحة (16) ذاتها وعن منهج الجدل ينقل اقتباس من شتراوس عن العقل التحليلي مبتوراً عن سياقه، حيث أن ستراوس يقرر في محاججته مع سارتر حول العقل الجدلي والعقل التحليلي أن كليهما يعود حين يتفكران في طبيعة العلاقة بين العقل الجدلي والعقل التحليلي إلى ماركس. ولم تنكر الماركسية أن منهجها الجدلي هو المنهج الهيغلي ولكن مقوماً في ارض المادية.
عليه،، أن الجدل المعني بالتعريف في جدلية أبكر ليس جدل ارسطو الاستدلالي بمقابلته الافكار دحضاً واثباتاً بمنطق ارسطو . ولا منهج الجدل الافلاطوني في صعوده الذهني من الخاص للعام وعودته من العام للخاص... ولا غيرهما من ارهاصات الجدل في أوروبا قبل هيغل. بل منطق وجدل هيغل.
إلا أن الجدل عند هيغل امر مختلف عن الذي قدمه لنا ابكر آدم .فعند هيغل يوجد الشئ فيوجد معه نقيضه، وجهه الاخر، سلبه الذي هو ايجابه، نفيه، الوجود – العدم – الصيرورة، الشئ وحدة مع ضده، تتصارع (الحركة) لحل التناقض. والحل يتكشف عن شئ جديد، يشكل نفي النفي. وتبدأ حركة جدل من جديد مع الجديد الذي يولد وداخله بذرة نهايته .. تناقضه ..
واحدة من مقولاته وهي واحدة من قوانين الجدل الهيغلي الماركسي قانون وحدة وصراع الاضداد. الذي يورده مشوها ابكر ادم اسماعيل اعلاه. - وسنتجاهل مؤقتاً أنه ليس تعريف للجدل الذي هو منطق ومنهج هيجل بل مجرد تشويه لقانون وحدة وصراع الاضداد:-
اللبس في استخدام كلمة تناقض هو أول الملاحِظْ في تعريف د أبكر مقارنة بمفهومه عند هيغل. دكتور أبكر آدم وفي تعريفه يستخدم التناقض/المتناقضات بمعنى تباين واختلاف متفارقين متباينين منفصلين، بأمارة اشتراط الاطراف في التعريف "طرفين على الاقل". الاختلاف هنا لا يتعلق باختلاف سلب كتناقض وجود وعدم. الاختلاف هنا فصل تام فلم نعد نتحدث عن الشئ ونبحث تناقضه الكامن كما عند هيغل حيث النقيض هو الوجه الاخر لنفس الجوهر، لذات الموضوع والتناقض سر ودافع الحركة (التطور)، لا تتطلب الحركة /التغير/ التطور قوة من خارجه بتوسطه الشى ونقيضه.
في ويكيبيديا وعن جدل هيغل المثالي:-
))يتألف الجدل عند هيجل { من حركة ضرورية ثلاثية، تنتقل من "الدعوى" إلى "نقيضها" إلى "التأليف" بين الطرفين، وشرح هذا "الثالوث" (كما أطلق عليه هيجل)، هو:
"إننا في البداية نتناول فكرة ناقصة، فتؤدي متناقضاتها إلى أن يحل محلها نقيضها، غير أن هذا النقيض تظهر فيه العيوب نفسها، فلا يبقى طريق للخلاص سوى أن ندمج بين محاسن التصورين في تصور ثالث، ومع أن هذا العلاج من شأنه أن يحل المشكلات السابقة ويتقدم بنا خطوة نحو "الحقيقة"، إلا أنه بدوره يتكشف عن متناقضات، فينشأ من جديد موضوع ونقيضه، ثم يرتفع هذا التناقض بينهما في تآلف جديد، وهكذا دواليك، حتى نصل إلى مقولة ((الفكرة المطلقة))".
وواضح أنه منهج يكتشف صحته من داخله ليكون شامل صالح لضروراته كمنطق ومنهج يصلح لسبر وجود وحركة الوجود والفكر دون أي استعانة لازمة بشروط وعناصر من خارجه..
هل تجنينا على الجدل عند أبكر؟ الواقع أنه يثبت عدم تجنينا ويبرز اختلافه عن جدل هيغل المدعى بنفسه.. بايراده لاطرافه المختلفة المتباينة تماماً دون اجلاء كيفية اتحادها ويلغز عليه استخدام قانونه دون أن يستدعى شروط وعناصر اطراف خارجية لكي يكون صراع. فيستجلب وسائط أخرى لا يمكن للجدل (كقانون) أن يأخذ حيز دون أن تتوفر أولاً كشروط .

1- شرط وجود متباينين، (طرفين على الأقل فأكثر) لكي يمكن للاختلاف أن يكون. ولكن الاختلاف وحده لا يستلزم حدوث الصراع.
2- 2- وكي يكون الصراع (والجدل هو قانون صراع وفق التعريف).. يجب أن تتواجد الاطراف معاً. وفرض التواجد أمر لا بد أن يأتي من خارجها اي الاطراف، لتوفير الإطار والقوة اللازمة لفرض التواجد في بوتقة الصراع .
3- احتاج ابكر آدم وادرج في تعريفه هذا الخارج القاسر (حقل الكلية). وبذلك وعملياً لم تعد الاطراف "ثنائية على الاقل". كما ورد بالتعريف، بل ثلاثية على الاقل (طرفين على الاقل وحقل الكلية).
فلا شئ في ما اورد ابكر آدم يجعلنا نعتقد أن حقل الكلية هذا في اساس وجود الطرفين ويتأتى عن التناقض ذاته كحل له كما هو حال الدولة عند هيغل. والواقع أنه وفي الكتاب وضع حقل الكلية كشرط ثاني للمنهج (صفحة 101) وعرفه بأنه عامل الوحدة –والوحدة عنده ليست وحدة تجد عامل توحدها في طبيعتها بالذات كما في ذرتي الكلور والصوديم- الوحدة هنا يمكن أن يمثلها قط وكلب، ولن نقول فار، أدخلا معا في صندوق زجاجي صلب محدود الابعاد. ولو ان مفهوم وحدة الاضداد كان ماثلاً لما كان لحقل الكلية أن يُشترط في قلب التعريف/القانون كما نعته .
4- هل استكملت الشروط اللازمة للجدل لكي يستطيع أن يعمل (كقانون يستبطن شكل الوجود العيني أو الفكر) .. أو ان يستخدم (كمنهج) .. لا ليس بعد، فالتعريف ينص على حدوث التطور في نهاية العملية الجدلية الابكرية كنتيجة يحتمها "القانون". ولكن كيف ينتج هذا التطور وبأي "ميكانيزم"مع كثرة استخدام مفردة ميكانيزم في كتابه الا انه لم يخبرنا عن ميكانيزم التطور في قانونه. ولا نستطيع تبين ذلك في نص التعريف ذاته؟؟ ... فالصراع مجرد الصراع بين طرفين أو أكثر لا ينتج وبالضرورة تطوراً..
الحديث عن التغير الكمي والتغير النوعي والحذف والاضافة الذي يورده أبكر آدم في ص (19)، ، لا يقدم العون هنا .. فمقولة الكم والكيف يفترض أن تدرك كحال المقولات الجدلية المتسلسلة جميعها من الجدل ذاته لا أن تأتي ملحق لتكملته. وإلا فلن يصلح ليكون اساس منهج فلسفي يثبت برهانه من داخله في التطبيق على موضوعاته.
على خطل الفهم لمقولة الكم والكيف الجدلية التي ابرزها ابكر في كتابه حيث ابرز التغير الكمي كسلسلة من التغيرات النوعية ولم يثبت حدوث التغير النوعي إلا لاخر السلسلة، وجعل التغير خطياً، نافياً حدوث الطفرة من الكم الى الكيف فلم يجعل لها في عرضه مكان.."ومع ذلك ينشد الثورة ".. ويبدو أنه لم يراجع عرض الماركسية لقانون تغير الكم إلى كيف، ووحدة وصراع الاضداد وقانون نفي النفي وهذا العرض الماركسي هو ذاته عند هيغل ومأخوذ عن المنطق الهيغلي..
نعود لمأزق تعريفه، يجب أن يكون ناتج العملية الجدلية تطور ولا بد لهذا التطور من قوة محركة ومتجهة تدفع به لان يكون .. هذه القوة لا نستطيع ان نتبينها من داخل التعريف بعد.
استجلبها- دون وضعها في أول فصول الكتاب الموسوم ب (مقاربات منهجية) – ووضعها ص (116) بأسم الشرط الثالث لمنهجه (جدلية المركزوالهامش)، المرتكز بدوره على تعريفه للجدل فيقول : ((من خلال تعريفنا للمنهج ومناقشتنا السابقة تعرفنا على شرطين من شروط المنهج هما: الاختلاف وحقل الكلية. أما الشرط الثالث هو النسق أو النظام: حيث أن المنهج في تعريفه ذاك يفترض أن هناك نسقاً معيناً ينتظم الصراع خلال مسار تاريخ الوضعية التاريخية المعينة)).
لم يكن التعريف يفترض أن هناك نسقاً .. والنسق سيستعيره من بنائية ليفي شتراوس مطبقة على الانثروبولوجيا الباحثة في مجتمع الطوطمية .. (هذا النسق وقوامه عند شتراوس واختلافه عنه عند أبكر، ومعه مفاهيم أبكر عن الثقافة والسلطة والعدل ومفاهيم التمركز والتهميش الخ .. امر سنعود اليه والان فقط مع فهمه وتعريفه للجدل).
مع وجود النسق، تعسفاً، وفقاً لرغبات الباحث يظل قليل الفعالية مع نص التعريف ومأزقه، فلا زال (يجب أن يتم حل التناقض بتغير يحدث في الطرفين أو الاطراف) لم يضف عبارة (أو في أحدها)، ولا يوجد أي سبب لتجاهل هذه الامكانية (أمكانية حدوث التغير في طرف واحد وحسب)، آدم ليس هناك ما يخبرنا بكيفية حدوث التطور أن تغير طرف واحد ولا كيف استطاع أن يفرض تغير يحدث في الطرفين معاً ويكون تطوراً.. واخيراً كيف اثبت أن نتيجة هذا الصراع تطور وليست تراجع أو ثبات؟؟ وثم وهو امر مهم كيف يفرض وجود صراع من جديد عقب حل الخلاف بين الطرفين ؟؟؟ أو كيف يفرض استمرارية التطور واستمرارية الجدل الذي هو قانون ؟؟..
على الجدل وبعد أن يأتي للمسرح متأخراً أن يتوقف من جديد ريثما يعد له المسرح من جديد بجملة الشروط الابكرية .. حقل كلية القديم مجددا أو جديد (الطرف المضاف للطرفين).. وأطراف جديدة غير الطرفين اللذان حل بينهما الاختلاف الأول.
في تصوره لنهاية التاريخ أنتبه فوكاياما لضرورة وجود قوة محركة دافعة يقتضيها التطور .. وبعد أن زج لهيغل ولماركس مدحاً خاصاً لرؤيتهما حول حركة التاريخ الصاعدة وغائيته، استعان بهيغل اخذا طرحه لفكرة "السعي لنيل الاعتراف" لتكون القوة اللازمة للدفع بالتطور الذي رأى اي فوكاياما أن منتهاه سؤدد الرأسمالية وحكم الليبرالية .
فما هي القوة الدافعة التي تؤدي بالصراع في حلبة ابكر آدم الى أن يفضي للتطور المذكور في نص تعريفه.. وليس الى مجرد تغير في الطرفين أو منطقة وسطى بينهما أو أضمحلال احدهما وبقاء الاخر دون اي تطور نوعي كيفي. وباي منهج أعد ابكر آدم اسماعيل المسرح لجلالة جدله الذي سيقدم متأخراً ريثما تتوافر شروطه؟؟؟ وهو ليس المنهج الجدلي بالتأكيد، ماديا كان أو مثالياً.
الواقع أن افتقاد المنهج في محاولة اعداد المسرح - الثقافي- اوقعه في ما أوقعه من تنظيرات بافتراضات تطلق هنا وهناك دون سند أو توليد وتفتقر للمنطق مثل أفتراضه ان شرط الثقافة أن يقوم الانسان الاول والثاني والثالث (ويراجع التعريف بهما في الصفحات 12 و13 و 14من الكتاب) وابنائهم بإستعمال ذات الادوات والتصرف بذات الطريقة إزاء عملية الصيد، فقط لكي يعرف الثقافة تعريفا يسبغ عليها الثبات. مع ان اي متأمل سيرى أنهم لن يستخدمون ذات الادوات ولن يتصرفون ذات التصرف إزاء عملية الصيد. ومثل افتراضه شمول الثقافة لكل العوامل (الاقتصادية والأجتماعية والسياسية) بحيث يصلح تحليلها فقط في التعريف بهذه العوامل ... ولكن سيستمر حتى يؤسس للمركز والهامش (الاطراف) .. ويوجد (الاختلاف) تقصياً .. ويوفر " حقل الكلية " ثم يأتي المنهج /القانون. و يرى أن منهجه هو الملائم لدراسة وفهم مجتمعات ما قبل البرجوازية- فهل سينتج عن جدليته مجتمع برجوازي مثلاً؟؟ - وطبعا لن يرينا تطبيقاً عمليا نظرياً على اي بقعة متقدمة الأن في العالم قادها صراع سابق غير طبقي (الثقافي بميكانيزمات جدلية المركز والهامش) الى مجتمع برجوازي .. وبدلاً من تطبيق منهجه على الارض والواقع التاريخي يفارق المنهج كما ورد في تعريف ابكر آدم (وأعتقد أنه أكتشف عدم قدرة منهجه على الأتيان بأي تحليل للواقع السوداني المدروس)ويسعى الى المنهج المادي الجدلي عند محمد سعيد القدال - الماركسي المادي الجدلي- المستند على الإمساك بالتناقض الرئيسي بين العوامل المستقلة والمترابطة في ذات الوقت والمؤسس على أهمية الصراع الطبقي والذي ومن المؤكد لا ينظر للثقافة كمفهوم شامل لل (الاقتصادي والاجتماعي والسياسي)، كما يرى ابكرالذي يسعى اليه ليأخذ منه امثلته الجدلية مطبقة على تاريخنا. ويفرض علينا تقبل تحليلات القدال مع معالجات شكلية منها تغيير مدلولات الكلمات طبقة مرحلة، الى شريحة، و فترة على التوالي، ومدلول برجوازية يغير بحيث تقرأ جماعة ذات مصالح اقتصادية مشتركة لا ينطبق عليها المدلول الاصطلاحي الماركسي ! (ص 121 و 122 من الكتاب!.
-نواصل-


[email protected]





تعليقات 0 | إهداء 0 | زيارات 1747

خدمات المحتوى


حذيفة أبوالقاسم
حذيفة أبوالقاسم

مساحة اعلانية




الرئيسة |المقالات |الأخبار |الصور |راسلنا | للأعلى


المشاركات والآراء المنشورة في صحيفة الراكوبة سواء كانت بأسماء حقيقية أو مستعارة لا تـمـثـل بالضرورة الرأي الرسمي لإدارة الموقع بل تـمـثـل وجهة نظر كاتبيها.
Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.
Copyright © 2025 alrakoba.net - All rights reserved

صحيفة الراكوبة