هيئة علماء السودان .. والتدين الشكلي
11-24-2017 06:48 AM
هيئة علماء السودان .. والتدين الشكلي
سَألَ عمرُ بن الخطّاب رضي الله عنه
عن رجلٍ ما إذا كان أحدُ الحاضرين يعرفه، فقام رجلٌ وقال :
أنا أعرفه يا أمير المؤمنين.
فقال عمر : لعلّكَ جاره ، فالجارُ أعلمُ النّاس بأخلاقِ جيرانه ؟
فقال الرّجلُ : لا
فقال عمر : لعلّكَ صاحبته في سَفرٍ، فالأسفار مكشفة للطباع ؟
فقال الرّجلُ : لا
فقال عمر : لعلّكَ تاجرتَ معه فعاملته بالدّرهمِ والدّينارِ، فالدّرهمُ والدّينار يكشفان معادن الرّجال ؟
فقال الرّجلُ : لا
فقال عمر : لعلّك رأيته في المسجدِ يهزُّ رأسَه قائماً وقاعداً ؟
فقال الرّجلُ : أجل
فقال عمر : اجلسْ فإنّكَ لا تعرفه
كان ابن الخطّابِ الصحابي الجليل يعرِفُ أنّ المرءَ من الممكن أن يخلعَ دينه على عتبةِ المسجد ثم ينتعلَ حذاءَه ويخرجَ للدّنيا مسعوراً يأكلُ مالَ هذا، وينهشُ عرض ذاك , (ويكسر الثلج لهذا) .. وكان يعرفُ أن اللحى من الممكنِ أن تصبحَ متاريسَ يختبىء خلفها لصوصٌ كُثر وكان يعرف أن غرة الصلاة ليست دليلا على التقوى وربما يحملها من هم أكثر الناس نفاقا
يقولون العلماء معصومون من الخطأ , ولا يستدرك عليهم !! وهذا ما لم يفهمه عاقل يعي تماما أن العلماء بشر كغيرهم يمكن أن تغرهم الحياة الدنيا وإن فضلوا على الآخرين بحمل ميراث الأنبياء عليهم السلام كالذي يحمل أسفارا
وكلنا متفقون إن غيبة العلماء تقلل من شأن العلم الذي في صدورهم والذي يعلمونه للناس والكلام في أهل العلم جرح في العلماء وجرح في ما يحملونه من الشريعة السمحاء , لأن الناس لن يثقوا فيهم بعد ذلك إذا كثر القول فيهم والخوض فيهم .. وللأسف الناس خاضوا فيهم حتى أصبحوا مضغة تلوكها الألسن في كل الأفواه وكثر الحديث عن العلماء في السر وفي العلن عن الغرائب والعجائب التي يرونها ويسمعونها منهم .. وأسوأ لحظة هي عندما يصل الناس مرحلة من الغضب على علماء الأمة عندها لا يقبل الناس ما يأتون به من العلم ويزهدون في علمهم ولا يطيقون حتى رؤية وجوههم نهيك عن وعظهم وفتاواهم وفي هذا ضرر عظيم على الدين . لكن السؤال هو ما الذي يجبر هيئة العلماء أن تصل بالناس لهذه الدرجة من الغضب عليها ويخوض الناس في الحديث عن العلماء ؟ السبب هو عدم تفاعلها مع أحوال الناس في معاشهم ومسكنهم ومشربهم وحرياتهم وإنها تفعل العكس تماما تتفاعل مع كل شيء يغضب الناس ويُفرِح السلطان وتنحاز انحيازا أعمى للسلطان الذي يدغدغها بمتاع الدنيا ويركبون الفارهات ويشيدون الشاهقات والسواد الأعظم من الناس لا يجدون قوت يومهم !!.. وهذا ما يسمى بالتدين الشكلي فلا تبحثوا كثيرا عن أسباب تفشي ظاهرة التدين الشكلي في المجتمع هيئة العلماء هي السبب الرئيسي في تفشي هذه الظاهرة .
أطلعت علي تصريح في صحيفة الراكوبة بتاريخ 21/11/2017 صدر من رئيس هيئة العلماء البروف محمد عثمان صالح تصريح وهو غاضبا على التدخل الأمريكي في شأن الحريات الدينية بالبلاد والتي كفلها الدستور السوداني الانتقالي في عام 2005 وكذلك المعدل في 2016 نصَ على أن الدين لله والوطن للجميع وجاء (الكفار) من أقاصي الدنيا يدافعون عن حقوقنا التي كفلها لنا الدستور كما كفلتها لنا قبل ذلك الشريعة الإسلامية بينما هيئة علماء السودان غاضبة من هذا الدفاع الذي قام به نيابة عنها (الكفار) وتريدنا دوما مكبلين وعبيد مقيدين كما يريد السلطان ذلك !!...
فلم يغضب البروف رئيس الهيئة في شيء تأذى وتضرر منه الناس علي الاطلاق .. فهل غضب البروف على الفساد والسرقة التي دمرت الوطن على رؤوس الناس ؟... وهل غضب رئيس الهيئة بسرقة بعثات الحج للحجاج والمعتمرين في بيت الله الحرام ؟.. وهل غضب رئيس الهيئة من القروض الربوية من الدول الشيوعية والتي أجازها البرلمان علنا ( ولا ندري أين ذهبت ) ؟.. وهل غضب رئيس الهيئة من قانون (التحلل) الذي يجيز السرقة وإيداع رأس المال المسروق ثم الإستتابة وكأن شيء لم يحدث ؟ أو بإختصار هاتوا أي بيان لهذه الهيئة منذ تأسيسها كان فيه إدانة وغضب يدين أي عمل قبيح أرتُكِب وتأذى منه المسلمين .. مع العلم إن كل الموبقات التي ترتكب في دولة المشروع الحضاري ترتكب بإسم الدين وبإسم الإسلام .. لذلك أقول ويقول كل العقلاء بأعمالكم هذه ومواقفكم السالبة من قضايا الناس الملحة والمهمة يا هيئة العلماء تسببتم في ضرر فظيع وتشويه للدين وللمسلمين حتى سئموا منكم ومن حديثكم.
العلماء هم ورثة الأنبياء وإذا كان الأنبياء لهم حق التبجيل والتعظيم والتكريم , بالتأكيد لمن ورثهم الحق أن يُبجل ويُعظم ويُكرم .. لكن عندما ينحرف العالِم عن المسار الذي يجب السير عليه وينحاز إلى جانب السلطان الظالم الجائر ضد المظلوم الضعيف بالتأكيد سيُهان وبإهانته تُهان الشريعة ويُذل ويسقط أمام أعين الناس فتذل وتسقط وتضيع الشريعة التي يحملها.
ياسر عبد الكريم
[email protected]
|
خدمات المحتوى
|
ياسر عبد الكريم
مساحة اعلانية
الاكثر مشاهدةً/ش
الاكثر تفاعلاً
|