المتوقع من رفع الحظر الاقتصادي
11-27-2017 04:22 AM
حرك قلمي – أو قل كي بوردي - لتناول هذا الموضوع حديث أدلى به أستاذ الاقتصاد السابق بجامعة الخرطوم ووزير المالية والاقتصاد الأسبق خلال حقبة الديمقراطية الثالثة الدكتور بشير عمر محمد فضل الله لاذاعة كردفان حول رفع الحظر الاقتصادي الأميريكي عن السودان والآثار المترتبة عليه.. بدءا قرر الدكتور بشير بأن رفع الحظر يعني تدفق "الاستثمارات الأمريكية والدولية الكبرى خاصة في مجال نقل التكنلوجيا وتقنية المعلومات وكل المجالات التي تتميز فيها أمريكا على بقية أنحاء العالم", لكن - والقول لا يزال للدكتور بشير - "هناك مجموعة من الشروط لا بد من توفرها: أولا لا بد من اصلاح دولاب الدولة, وخاصة الخدمة المدنية فالسودان يحسب من الدول الأكثر فسادا في العالم" أيضا يقول الدكتور أن هناك "قلة من النخبة تريد دائما أن تجير كل شئ لمصلحتها". كما تحدث عن أن رفع الحظر سيدعم قطاع الصادرات لكنه اشترط أن "هذا الدعم لن يحث بدون انتاج وبدون تحسين جودة المنتجات السودانية كي تنافس عالميا .. زيادة الانتاج تعني أن توجه جل موارد الدولة للانتاج". تحدث أيضا عن بنك السودان ودوره في توفير الموارد اللازمة لمدخلاته, وأنه "لا بد أن تراعي سياسات بنك السودان المنتج الحقيقي ونعني صغار المنتجين من المزارعين والرعاة في كل أنحاء وأرياف السودان, ويتضمن ذلك السياسات التسعيرية". وفي ختام حديثه أكد الدكتور بشير على أن السودان لا يعني الخرطوم فقط, وقد رتب على ذلك أنه "لابد لهذه السياسات من مراعاة هذة النواحي" (انتهى حديث الدكتور بشير عمر).
تراءى لي وأنا أستمع لهذا الحديث أن الدكتور بشير لا يتحدث عن السودان الذي نعرف, السودان الذي يعرف الدكتور اقتصاده من موقع تدريسه الاقتصاد بجامعة الخرطوم ومن موقع شغله لمنصب وزير المالية والاقتصاد. أقول أن حديث الدكتور بشير قد تغاضى سهوا أو عمدا عن مسائل أساسية جدا من حيث النظر والتطبيق الاقتصادي, فبدءا هل حقا ستأتي الشركات الأمريكية والدولية للاستثمار في السودان بوضعه الحالي كما يرى الدكتور بشير؟ من المعلوم أن الدول تتنافس وتستبق لجذب الاستثمارات الخارجية, وذلك بخلق بيئة تغري المستثمر للاستثمار في البلد المعني, وأول المطلوبات في هذا الخصوص هو توفر الأمن, ولعله من التزيد في القول التصريح أو التلميح بأن الأمن مهدد في معظم أنحاء السودان, والثابت لدي أن الدولة نفسها لا تؤتمن على الحفاظ على الأمن بل هي المهدد الأساسي له وبكثير من الشواهد المثبتة مثل معسكرات النازحين و اللاجئين بسبب حرب شنتها الدولة على قطاعات كبيرة من مواطنيها مما أسفر عن عدد من هذه المعسكرات. وآخر تجليات تهديد الدولة للأمن هو ضرب الدولة وقتلها لموطني معسكر كلمة للنازحين لأنهم عبروا سلميا عن رفضهم لزيارة من تسبب في نزوحهم وفقدهم ذويهم وممتلكاتهم وفي هتك أعراضهم, ومن هذه التجليات أيضا قتل طلاب دارفور في عدد من الجامعات. فهل تغامر الشركات العالمية – صغيرة كانت أم كبيرة – برؤوس أموالها وترمي بها الى دولة لا يأمن فيها انسانها على عرضه ونفسه وماله؟
يستتبع توفر الأمن توفر الاستقرار السياسي بالبلاد كعامل مهم لجذب الاستثمارات الخارجية, وهذا - كما يعلم الدكتور بشير – مفقود في السودان حيث تنازل عدد من المنظمات السياسية المسلحة وغير المسلحة النظام بغرض اسقاطه ولأسباب وجيهة تتعلق بسياساته وممارسته خاصة فيما يتعلق بادارة البلاد. ليس هذا وحسب, فالحزب الحاكم نفسه ظل يعاني من الانقسامات والمؤامرات ونشر الغسيل القذر لمنسوبيه ابتداءا من مفاصلة قصره مع عرابه وانتهاءا بما يتردد من أقوال عن محاولة لاغتيال رئيس وزرائه الحالي, فكيف للمستثمر الأجنبي مهما بلغت به الغفلة أن يغامر بالاستثمار مع نظام مثل هذا الذي رزئ به السودانز ان عدم الاستقرار لايقوم فقط على احتمال سقوط النظام, بل يقوم أيضا على عدم استقرار سياسات الدولة في شتى المناحي, وهي سياسات تحكم تقلبها الأهواء ومصالح المتنفذين كما هو معلوم للقاصي والداني, وهذ يؤثر سلبا على اجتذاب الاستثمارات الأجنبية, فلا أعلم ما الذي نحا بتفكير الدكتور بشير وحدا به للتنبؤ بتدفق كبير للاستثمارات الأجنبية – خصوصا الأمريكية – على السودان؟
صحيح أن الدكتور بشير تحدث عن ضرورة اصلاح دولاب الدولة, لكنه حصر حديثه عن هذا الاصلاح في الخدمة المدنية التي تعاني من الفساد, لكنه أضرب عن ذكر جهات أخرى أكثر أهمية, وربما كانت هي العامل الأكبر في تفاقم مشاكل الخدمة المدنية, مثل ادارة الدولة ومؤسسات الحكم, والأجهزة التشريعية والقضائية التي بنى بها الفساد "راكوبة وبيت", وقد أصاب الدكتور عندما أورد أن "قلة من النخبة تريد دائما أن تجير كل شئ لمصلحتها" باعتباره أحد معوقات جذب الاستثمار, ويعلم جميع السودانيون بمن فيهم الدكتور بشير بأن فساد دولاب الدولة الذي ينادي باصلاحه حدث بسبب تحكم هذه "القلة" وسياساتها التي قصدت بها "التمكين" لنفسها, فهل يستقيم أن نطالب هذه القلة بالتنازل عما تعتبره مكتسبات, مشروعة كانت هذه المكتسبات أم لا؟
اشترط أيضا الدكتور بشير في حديثه ضرورة زيادة الانتاج الوطنى حتى يمكن الافادة من دخول الاستثمارات الأجنبية والتقنية العالية, وحث على توجيه جل موارد الدولة للانتاج, وهو يعلم سلفا أن ألقسم الأكبر من موارد الدولة موجه لتثبيت الحكام على كراسي الحكم بواسطة أجهزة القمع الشامل, لا أخال ذلك يغيب عن وعي الدكتور بشير, الا أن يكون قد قصد الى دعوة هذه "القلة" للسعي لحتفها بظلفها أو حافرها على أمل أن تجيب بغرض اجتذاب استثمارات أجنبة لن تجني ثمارها! وهذا – على أحسن الفروض - احسان ظن بمن لا يحسن احسان الظن به.
في هذا الخضم الحالم, يغفل الدكتور أن الانتاج نفسه – دع عنك زيادته – يحتاج للأمن, كما يحتاج للاستقرار السياسي بالمعني الذي ذكرت آنفا. فضلا عن ذلك فالانتاج يحتاج الى توفر البنية التحتية وهي لدينا "تعبانة تعب الموت", ئلك أنها لم تكن من أولويات هذه الحكومة على الرغم من تدفق أموال البترول على البلاد في الفترة من العام 1995 وحتى انفصال جنوب السودان في العام 2011. أيضا يحتاج الانتاج لرأس المال الوفير والدي تفتقر اليه البلاد خصوصا بعد انفصال الجنوب, ولا يمكن لهذه الحكومة أن توفره للانتاج وذلك لأن الأولوية المتجلية في أفعال الحكام اليوم هي ملء الجيوب من المال المنهوب من المواطن.
لا يغيب على دكتور بشير أن احدى عوامل الانتاج هي الأيدي العاملة, نعم ... لدينا جيوش مجيشة ممن لا يجدون عملا, ولا تزال أعداد كبيرة من الطلاب تتخرج كل عام من الجامعات, لكن لم يعد الحصول على وظيفة مشروطا بالمؤهلات والمقدرات بقدر ما هو مرتبط بالانتماء العرقي والجهوي والأسري وبالولاء التنظيمي أو الشخصي للمتنفذين.
يضاف للمشكلات أعلاه سوء الادارة على جميع مستوياتها العليا والمتوسطة والدنيا, ابتداءا من أدارة الدولة, وهب أن التكتلوجيا والاستثمار الأجنبي انهمرت علينا من كل حدب وصوب فكيف نستطيع ادارة شئونها ونحن بهذ الفقر الاداري الذي يشهد به أهل النظام قبل معارضيه؟ هذه مشكلات أضحت مزمنة وتحتاج الى زمن طويل للوصول الى حلول حتى ولو ابتدأنا العمل على ذك اليوم, ولو افترضنا الأمانة والكفاءة في العاملين على ايجاد هذه الحلول, الشيء الذي لا يمكن أن نضمنه في حكم هذه الشرذمة الشاذة.
من ناحية أخرى دعا الدكتور بشير البنك المركزي وكل الأجهزة المعنية لتبني سياسات تراعي المنتجين الصغار, لكنه نسي أن البنك المركزي تتحكم في سياساته أو على الأقل توثر عليها ثلة ممن يوجهون هذه السياسات للمصالح الخاصة دون النظر للمصلحة العامة التي أصبحت خارج قواميس متنفذينا وسياسيينا, ناهيك عن تذبذب السياسات المصرفية بل والسياسات النقدية عموما, خصوصا تلك التي تتعلق بالنقد الأجنبي.
أخيرا, والأمر الأهم في شأن اجتذاب الاستثمار الأجنبي هو الثقة في النظام بما في ذلك المجال السياسي والاقتصادي, الثقة بين المستثمرين الأجانب والدولة مما يعزز مصداقية الحكومة لدى هؤلاء المستثمرين, وكذلك الثقة بين الدولة ومواطنيها مما يجعل استجابت هؤلاء المواطنين للقرارات الأقتصادية للحكومة ايجابية, وهذا من جانبه يصب في تعزيز الثقة بين الحكومة والمستثمرين.
هذا غيض من فيض الأسباب التي تشير الى أن فك الحظر الاقتصادي الأميريكي عن السودان لن يكون له الأثر الايجابي الذي توقعه الدكتور بشير عمر, حتى ولو اتبعت الحكومة مجموعة النصائح التي زودها بها الدكتور بشير ونفذتها باحسان.
[email protected]
|
خدمات المحتوى
التعليقات
مين فيكم بشير عمر الاصلي؟
#1714072 [Ali Ahmed]
11-27-2017 06:53 AM
الدكتور بشير عمر مان بعول عليه كثيرا فى الديمقلااطية الثالثة ولكن للاسف الشديد انحنى لطلبات سيدات من ال المهدى كل همهم فى اللدنيا الفانية اكتناز المال والتمتع بشهوات الدنيا وفتح على نفسه وحزبه ورئيسه جبهة هو فى غنى عنها ولكنه كان ضعيف الشخصية لدرجة لاتصدق
من هة كاتب هذه المقالة؟ أهو دكتور بشير عمر يكتب عن إفادات دكتور بشير عمر محمد فضل الله أم ماذا؟ هل هما شخص واحد أم هناك خطأ في التحرير؟
|
د. بشير عمر
مساحة اعلانية
الاكثر مشاهدةً/ش
الاكثر تفاعلاً
|