مع صلاح شعيب ـ الإنقلاب العسكري.... بين التوقع والإستبعاد (2ـ2)
12-07-2017 10:55 AM
وصلا لما إنقطع نبقى اليوم مع مقال الاستاذ صلاح شعيب ـ (الإنقلاب العسكري على البشير بين التوقع والاستبعاد) وقد ابتدر الكاتب مقاله بـ(عدد من المحللين، وخبراء السياسة، أجمعوا على أربعة، أو خمس سيناريوهات تتعلق بمستقبل مسار النظام السوداني الإستبدادي وقد نتفق معه على بعضها بينما نخالفه رأيا في معظمها ، وحسب إفادة كثيرين إستطلعهم كاتب المقال يرون أنه مثلما كانت جماعة العميد ود إبراهيم تنشط لتحقيق ساعة الصفر قبل اكتشاف خليتها السرية فإنهم يتوقعون أن ارتباطات هؤلاء الضباط الإسلاميين الكامنين بالآلاف داخل الوحدات العسكرية لا بد أنهم يتأثرون بحركة الواقع السياسي، والإقتصادي، والإجتماعي، ويتداولون الرأي وسطهم إختلافا وإتفاقا، وربما كانت لديهم قروبات في الواتساب سرية، .. يقول شعيب :وأضاف لي لواء، أ. ح، متقاعد أن..العساكر عموما فصيل أساسي داخل الشعب السوداني، وأنهم يتعاطون الحديث في السياسة في كل لحظة، وإلا لما حدثت ثلاثة إنقلابات ناجحة في تاريخ البلاد..بالإضافة للإنقلابات الفاشلة.
أحد الضباط المحالين للمعاش، حكم عليه بالإعدام في التسعينات، قال لي إن هناك صعوبات جمة إزاء حدوث إنقلاب عسكري على نظام جاء بإنقلاب مماثل، وحجته في ذلك أن معظم الإنقلابات الفاشلة في تاريخ البلاد حدثت تحت ظل الأنظمة الديكتاتورية، وضرب لي مثلا بإنقلابات عديدة حدثت في فترة عبود، ونميري، وأشار أيضا لمحاولتي إنقلاب ضد النظام القائم
وبشأن الإنقلاب المدعوم من الأحزاب أشار مصدر آخر إلى أن النظام إستغل إنفتاح العمل السياسي للأحزاب، ووجد سهولة في إختراقها، مشيرا إلى أن أسرارها غير مؤمنة، ولذلك استفادت الحركة الإسلامية من إختراق حزبي الأمة، والإتحادي، خصوصا، منذ فترة الستينات، وأدخلت كوادرها
في التنظيمين، والذين دعموا الإنقاذ من موقع إنتمائهم الأصيل للحركة، وقال إن هذا الإختراق ما يزال ماثلا، وتعددت طرق التجسس حتى على الضباط، ولذلك يستبعد أن يحدث إنقلاب ضد النظام من خلال كوادر أنصارية، أو ختمية، إن وجدت متخفية، بل يقول المصدر إن النظام دجن الموجودين من الضباط المستقلين، وكذلك الذين أدرك إنتماءاتهم الطائفية، وأضاف أنه حتى لو حدث إنقلاب ذي طبيعة إسلاموية فسيكون صوريا، ولكنه عاد فقال إن التحدي الكبير لأي شكل من إنقلاب ضد البشير لا يعدو - إن حدث - إلا أن يبقى مثل إنقلاب مشابه لما حدث في زيمبابوي دون أن يكون هناك تغيير هيكلي في بنية السلطة.
نتفق مع الكاتب... فإختراق النظام للأحزاب السياسية هي حقيقة لا جدال حولها ، غير إنا نختلف معه حول إستبعاد تحرك إنقلابي من خلال تلك الأحزاب إذ يفتقرااتبرير للمنطق العسكري ... الانقلاب العسكري دافعه صون المؤسسة العسكرية إستدراكا لأية شائبة تلحق بها، إضافة للتدخل الذي تقتضيه حماية البلاد من فوضى متوقعة لغضبة شعبية في مواجهة النظام العسكري الحاكم ،ضف اليها طموح السلطة إذ لا يلقي التدجين الطموح كغريزة بشرية، ونخالف كذلك فرضية صورية حدوث إنقلاب ذي طبيعة إسلاموية ان قدر له، فهو مستبعد في ظل التوجه العالمي في تفكيك بنية الحركات الاسلامية وليس تفرق الرأي الاسلاموي بالبلاد اليوم حول القدس بل هو حول التعديلات الجارية بمبتدر نائب وزير الخارجية الامريكية جون سوليفان خلال زيارته الخرطوم منتصف نوفبر الماضي وجلوسه الى إسلاميين بمسجد النيلين، تلك الزيارة أثارت غبارا كثيفا بالأجواء الاسلاموية بالبلاد ما بين مستنكر ورافض للفكرة ومذعن للمشروع الامريكي ،سيما وانه رهين تحقيق العديد من الآمال المعلقة
بواشنطن تباعا لرفع العقوبات... هذا المشروع لا يشجع بروز تيار اسلاموي طامح للسلطة وسط هذه العزلة المجيدة للإسلامويين، عليه من المتوقع بل وحسب قبول معظم الانظمة الاسلاموية بالعالم ـ تعاطي الجرعة الاولى من الروشتة الامريكية بما فيها السعودية، ففي هذه الحالة الخيار الاوحد لها للبقاء بالسلطة أو الوصول اليها حتمية ـ (تحديث حالة)
وهو ما يعضد فرضية ـ إنقلاب سلس،وهذا غير مستبعد لدى العقلية البراغماتية.
ويمضي الكاتب الى تنوع رؤى الخبراء العسكريين،ولكنها لا تستبعد أي شكل من أشكال الانقلاب على البشير بناء على معطيات متعددة تتخلق في رحم الغيب، والسؤال هو إلى أي سيناريو يسوق النظام السودانيين بعد إنسداد أفق حلوله لأزمات البلاد من جهة، وفي ظل غياب حلول الإسلاميين السودانيين لورطتهم المستحكمة. ذلك في وقت تشابكت علاقة النظام بالصراعات المذهبية، والإمبريالية في المنطقة، ولم يستطع إلى الآن تحديد وجهته الالتزام بشروط الحلف السعودي أم الحلف القطري، والى أي مدى سيسير في اتجاه تحقيق الطموحات الروسية، والصينية، الأمريكية، والأوروبية، وفق شروط الإصلاح داخل بنية السلطة، كما يطالب الغربيون تحديدا تحت دعوى ما يسمى "الهبوط الناعم"؟
كثير من القرّاء يعتقدون أن هناك ضرورة لكل كاتب صحافي لوضع روشتة للخروج من مأزق هذه السيناريوهات، بعضها ذات كلفة سهلة، وبعضها صعبة، ولكن الحقيقة هي أن النزاعات التاريخية للشعوب تحل عبر توفر إرادة جمعية صلبة مثل التي حققتها شعوب كثيرة من حولنا. وهذه لم تتوفر لنا طيلة سنوات ما بعد الاستقلال نظرا لغياب جدية المثقفين، والذين يمثلون رأس الرمح في كل تغيير. ولو أن وجود فاعلية للمثقفين تمثل مدخل الحل لمقاومة الاستبداد، والسلطات الدينية، والاجتماعية، والاقتصادية، التي دعمت الانقلابات العسكرية الثلاثة فكيف السبيل لوجود ميكانيزيم لإنجاز الحلول التي يتطلع إليها القرّاء الكرام، ولكن الأهم من كل هذا أن منع تحقيق السيناريوهات ذات الكلفة الكبيرة المتعلقة بالأزمة المستعصية يحتاج فقط إلى استشعار المسؤولية من كل سوداني راشد حريص على مستقبل وضاء للبلاد، إذن فمتى يحدث هذا الاستشعار...هنا مربط الفرس؟
الجزئية الاخيرة للمقال موفقة وبمثابة بيت القصيد، عموما المقال يستحق الوقوف عنده لما فيه من تشريح لأزمة الحكم الراهن سعيا للخروج من نفقها القاتم، تداركا لمآلات قد تفضي بالبلاد الى فوضى عارمة ودرك سحيق.
[email protected]
|
خدمات المحتوى
|
مجدي عبد اللطيف
مساحة اعلانية
الاكثر مشاهدةً/ش
الاكثر تفاعلاً
|