المقالات
السياسة
القرار .. والرد بالدولار !
القرار .. والرد بالدولار !
12-08-2017 06:27 AM

بالامس صدر القرار المتوقع والغريب من ترامب . وهو غريب لأنه يتعارض مع قرارات دولية شاركت فيها أمريكا نفسها ، وكذلك لأنه يجعل موقف الولايات المتحدة فى غاية الضعف ولايمكن ان يسانده حتى عملاء وحلفاء امريكا فى العالمين العربى والاسلامى ، بل وفى العالم أجمع . وليس أدل على هذا من الموقف الاوروبى وعلى رأسه الموقف الفرنسى الأكثر وضوحا . ولهذا يبرز السؤال : هل كان كل هذا خافيا على ترامب وعلى مستشاريه .
اذا استبعدنا المستشارين الذين عادة لايضع لهم ترامب أهمية ، نقول برغم وضوح الامر حتى لسذج السياسة ، فانه كان بالتأكيد واضحا لترامب ، غير انه اتخذ القرار بناء على اساسين : الاول ، والاقل أهمية ، هو اعتماده على نجاحه فى جر الدول التى حضرت القمة الاسلامية \ الامريكية الى بعض المواقف الاقتصادية والسياسية فى مصلحته ، وبالتالى ظنه ان تلك الدول تستطيع ان تمرر قراره الاهبل سياسيا ! أما الاساس الثانى الرئيس : فهو ان القرار يعتبر هروبا لقضايا السياسة الخارجية ، أمام ما يتعرض له من ضغوط داخلية قد تودى بما تبقى من فترة رأسته .وكذلك اعتماده على سند اللوبى الاسرائيلى فى هذا الشأن . وعليه فان القرار هو لمصلة شخصية بحته لرجل الاعمال وليس الرئيس ترامب ، الذى كان عليه ان يضع مصلحة الولايات المتحدة فوق كل اعتبار آخر .
وعلى أى حال ، فبما أن القرار قد صدر وسينفذ ، فان السؤال الملح والعاجل هو : ماذا نحن فاعلون ؟ هل سينتهى الامر ،كالعادة ، بقليل من المظاهرات وكثير من كلام الشجب والاستنكار ، ام انه حان الوقت لاستغلال الاوراق ، التى لم تعد امريكا تستحوذ على 99% منها ، على قول السادات !
أولا : لابد من ان تقف القضية الفلسطينية على رجليها ، وليس على راسها كما ظلت ، فى اعتقادى ، منذ ان بدأت . لقد تولى الامر العرب نيابة عن الشعب الفلسطينى . وهنا تكون البداية بالوحدة الفلسطينية التى تتجاوز القضايا الصغيرة الى قضية : تكون فلسطين أو لاتكون . ومن ثم وضع خطة تفصيلية لهبة الشعب الفلسطينى ، التى تعتمد فى الاساس على القوة المؤكدة فى انتفاضة الشارع المحمية من العناصر المسلحة للفصائل . فالعمل الشعبى يحرج القوة المسلحة الاسرائيلية ، وفى نفس الوقت يجد تأييدا شعبيا دوليا لقضية لايختلف عليها اثنان . ولعل الامثلة على نجاح هذا النهج لاتحتاج الى حصر ، ولكنى اشير فقط لنجاح الشعب فى جنوب افريقيا من التخلص من النظام العنصرى . وبالطبع فانه مع وحدة الشعب الفلسطينى وبالتالى وحدة قراره ، فانه سيكون قادرا على تحديد الاسلوب المناسب للنضال فى وقته ومكانه المناسب .
ثانيا : بما ان رجل الاعمال ترامب يبنى معظم قراراته على اساس مصلحة الاقتصاد الامريكى ( التى هى فى تقديره مصلحة الكبار من أمثاله ) ،فان اعظم ما يمكن ان تقدمه البلدان العربية المساندة للقضية الفلسطينية ، هو الضرب فوق وتحت حزام المصالح الاقتصادية الامريكية . الامكانية لهذا موجودة وبوفرة ، الذى ينقصنا هو العزم والارادة .
واليكم ماأرى من امكانيات لهذا الضرب :
- كثير من اقتصاديى النظام الراسمالى الامريكى يتحدثون بالصوت العالى عن حقيقة الدولار ، الذى لايساوى عدة سنتات فى قيمته الاقتصادية ، وذلك نتيجة تدهوره منذ بداية السبعينات بعد ان رفع نيكسون عنه الغطاء الذهبى . وان قيمته الخارجية الآن يدعمها تمسك البعض به كوسيلة الدفع الرئيسة للبترول ، وكذلك بسبب القوة السياسية والعسكرية التى ما زالت امريكا تفرض بها ما تريد . كذلك برهن اولئك الاقتصاديون ان وضع الاقتصاد الامريكى الحالى يؤهله فى السنوات القليلة القادمة لأزمة اقتصادية تتفوق على المثال الكلاسيكى لازمة 1929 ومابعدها . ( راجع مقالتى حول الدولار بالراكوبة ). وقد قلت فى المقال الاخير من تلك المقالات ان الوقت مناسب لاستغلال الازمة الامريكية للثأر من الازمات الى ظلت تصدرها للخارج.
- كذلك اصبح مما ليس عليه خلاف بين كبار اقتصاديى النظام ، ان الارتفاع المتواصل لاسهم كثير من الشركات الامريكية الكبرى ، لايعبر عن قوة حقيقية لتلك الشركات ، بقدر ما يعبر عن لجوء بعض رؤوس الاموال الاجنبية لشراء تلك الاسهم كملجأ من نار اقصادات بلدان رؤوس الاموال تلك التى تبدأ الازمة العالمية المتوقعة من عندها .
- الكل يعلم عن تريليونات الدولارات من الودائع السيادية بالبنوك الامريكية ، وقد ذهبت الى هناك بسبب التحالف السياسى وكذلك لثقة اصحابها فى ذلك الاقتصاد والقوانين الحامية . ولكنى لاأظن ان التحالف السياسى قد اصبح ذو معنى بعد الذى حدث ، ولم يعد الاقتصاد الامريكى يعطى الثقة للشركات الامريكية نفسها بدليل هروب الشركات التى يحاول ترامب اعادتها عن طريق التخفيضات الضريبية . كما ان هذه الاموال قد تعرضت لانهيارات ضخمة خلال الازمات المتلاحقة فى امريكا . ولعل هذه الاموال قد استثمرت ، ولو جزئيا فى بلداننا ، لحافظت على الاقل على قيمتها .
- لقد بدأت بالفعل بعض بلدان العالم تتحسب للقادم المؤكد مثل المملكة السعودية والصين وروسيا ، التى بدأت تتعامل فى ما بينها بعملاتها الذاتية ، وهو اتجاه يمكن تطويره ليشمل معاملات وبلدان أكثر ، خصوصا قد أصبح من المعلوم ان الصين باعتراف من صندوق النقد ، قد بدأت بالفعل الاستعداد لجعل عملتها ، بالاضافة الى حقوق السحب الدولية ،لعملات التداول الدولى البديلة للدولار المتدهور محليا وعالميا.
كذلك ، لدعم الحراك السياسى والدبلوماسى لفلسطين المتحدة ، فانه من الضرورى جدا التزام البلدان العربية بالدعم المالى والاقتصادى لفلسطين ، بشرط ان يتعدى المساعدات الاستهلاكية ’ الى تنمية الاقتصاد الفلسطينى بجزء من تلك الاموال المنسحبة من البنوك الامريكية . وياحبذا لو ارتبط ذلك بالاتجاه نحو اوروبا والصين وروسيا فى كافة التعاملات التجارية والاقتصادية ، هذا سيشكل دافعا لاوروبا لاستمرار موقفها السياسى الداعم للقضية الفلسطينية ، وهو فى نفس الوقت يساعد على اضعاف اقتصاد الدولار ، ويعطى ترامب الدرس الاقتصادى والسياسى الذى يستحقه.
وأخيرا ، فربما كانت هذه ضارة نافعة تيقظ الكل وتدفعهم لمراجعة مواقفهم وتكون اساسا لوحدة فلسطينية وعربية واسلامية ، بل ودولية ضد راس الحية الرأسمالية ، التى سيتضح للكل انها أصبحت ،بالفعل ، نمر من ورق ، على قول الصين"سابقا" !


[email protected]





تعليقات 1 | إهداء 0 | زيارات 1836

خدمات المحتوى


التعليقات
#1717487 [ابوبكر حسن]
2.94/5 (10 صوت)

12-08-2017 03:07 PM
مقال نابه ومتيغظ من اقتصادي مرموق..
في حاجة ليقظة ومصداقية من الجانب الفلسطيني ( أهل اللحم والرأس )أولا,
واخوانهم العرب والمسلمين ثانيا, ومن ثم اصدقاهم في العالم ...ومن قبل الكتلة الهائلة بالعالم التى أذاقها الجشع الرأسمالي البشع كل صنوف الويل والعذاب .
فرصة عظيمة لكي يسدد العالم الحر الطعنات للأخطبوط الرأسمالي الذي سلع القيم جميعها بما فيها إنسانية الإنسان نفسه !
وقد آن الآوان لذلك , فهل ترانا نفعل ؟!
شكرا صديقنا الدكتور منعم عثمان
ابوبكر,,


عبدالمنعم عثمان
عبدالمنعم عثمان

مساحة اعلانية




الرئيسة |المقالات |الأخبار |الصور |راسلنا | للأعلى


المشاركات والآراء المنشورة في صحيفة الراكوبة سواء كانت بأسماء حقيقية أو مستعارة لا تـمـثـل بالضرورة الرأي الرسمي لإدارة الموقع بل تـمـثـل وجهة نظر كاتبيها.
Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.
Copyright © 2025 alrakoba.net - All rights reserved

صحيفة الراكوبة