المقالات
السياسة
مجرد تساؤل ودعوة للحوار
مجرد تساؤل ودعوة للحوار
12-27-2017 12:10 AM

اغتال نظام الانقاذ الديمقراطية الثالثة فى يونيو 89. ولقد جاء الانقلاب ليقطع الطريق على محاولات الأحزاب (الأمة والاتحادي فى سدة الحكم) لحل مشكلة الحرب فى الجنوب وتوقيع اتفاق سلام. ولقد كان شعار "الاسلام هو الحل" شعارا يلمس قلوب الملايين من أبناء شعبنا. فلقد نجحت الجبهة الاسلامية القومية فى تقديم نفسها كضامن لوحدة البلاد واستقرار الاقتصاد ووقف تدهور الجنيه فى مقابل الدولار وصد الغزو القادم من الجنوب. ولقد كان لحزب الأمة والاتحادي نصيبا لا يستهان به فى جعل نموذج الجبهة الاسلامية نموذجا مقبولا على اقل تقدير. فهى احزاب تتفق مع الجبهة الاسلامية فى إقامة دولة الشريعة ولعل تنصل السيد الصادق المهدى من إلغاء قوانين سبتمبر يقف خير مثال.
لقد انقضى ما يربو على الربع قرن منذ انقلاب نظام الانقاذ على الديمقراطية. لقد قامت عشرات التحالفات ووقعت مئات البيانات وأكد قادة تلك التجمعات على ان إسقاط النظام ليس ببعيد وان الإطاحة به قد اقتربت. هذه الحقيقة ليس الغرض منها التشكيك فى وطنية هؤلاء ولا مقدرتهم العقلية او حنكتهم السياسية. ان الغرض هو التساؤل البسيط والذى لا يحتاج الى قدر عال من الذكاء ولا معرفة عالية بالسياسة. لماذا لم تنجح كل هذه المحاولات فى إسقاط النظام او توجيه ضربة اليه تجبره على تغيير سياساته أو المساومة على أهدافه وغاياته المعلنة والمعلومة.
لقد أذاق هذا النظام شعبنا الويل من تعذيب وبيوت اشباح وفساد وحروب اهليه ومجازر حتى فى قلب العاصمة ضد الطلاب العزل. لقد قسم البلاد وفَرَّط فى السيادة الوطنية واذل النساء بالقوانين المهينة التى تفسر حسب مرضى النفوس من عضويته وهم غالبية.
الا تقف المعارضة وتسال نفسها هذا السؤال البسيط وهو ما الخطا فى طريقه عملها ولماذا لم تحقق نجاحا ملموسا. أنا متاكد ان المعارضة لا تقيس نجاحها بعدد التحالفات التى أقامتها منذ قدوم هذا النظام ولا بعدد البيانات التى اصدرتها ولا بقوة لغة هذه البيانات. ان للنجاح مقياس واضح ومحدد وهو لا يقف فقط عند إسقاط النظام وإلا لكانت دروس أكتوبر ومارس ابريل قد ذهبت ادراج الرياح.
ترى هل لا زال للشعب السودانى امل فى نظام البشير؟
لا أظن ان هناك عاقل يظن ذلك. نعم هناك أعضاء الحزب وجهاز أمن النظام والمرتزقة من الدعم السريع الذين سيستميتون فى الدفاع عن النظام ولكن هذا لا يلغى محاولة الإجابة على سوْال عجز المعارضة وعدم مقدرتها حتى على زعزعة النظام. فالنظام يملك زمام المبادرة والمعارضة تقوم بردود فعل لا تتعدى التحالفات والبيانات.
ان العلة فى رأيى تكمن فى الأحزاب وفى طريقة عملها. فالأحزاب وبلا استثناء لا تُمارس الديمقراطية فى داخلها. ولعل معالجة هذه الأحزاب لأية اختلاف فكرى وكيف يتم ادارته والاتهامات التى توجه للمخالف والتى غالبا ما تنتهى بالفصل من الحزب والاتهامات التى تصل حد الطعن فى الشرف والوطنية وأحيانا الحياد عن مبادى هذا الحزب او ذاك.
الأحزاب فوقية تؤمن تماما بان هناك زعيم او مجموعة قيادية تفكر وان هناك عضوية وجماهير تنفذ وتلتف حول خيارات ومواقف هذا الحزب او ذاك.
ولعل النموذج الذى تتبعه احزاب المعارضة هو نموذج القرن الماضى. نموذج المجاميع الواسعة من الجماهير التى تختلف عن جماهير اليوم والتى اتاحت لها الانترنت والهواتف الذكية كما هائلا من المعلومات المتاحة بضربة إصبع. لقد تغير العالم فلم يعد لا للنموذج الاشتراكى ولا الإسلامى أية بريق. لقد سقط النموذج الإسلامى فى وطننا سقوطا مدويا وخلف وطنا ممزقا وفسادا يَزَّكَّم الأنوف وإسلاميين أثرياء فى بلد اكثر أهله من الفقراء. النموذج الاشتراكى سقط فى الاتحاد السوفيتي وفى أوروبا الشرقية ورغم ان التقييم استغرق ما يقارب العشرة أعوام الا ان طرح الحزب وسياسته اليوم لا تختلف عن النموذج الذى سقط رغم الحبر الذى سكب عن انعدام الديمقراطية ف ذلك النموذج.
أحزابنا تحتاج الى العمل مع الجماهير لتشكيل سياساتها وتقديم البدائل. تحتاج الى كسب ثقة الجماهير ليس بفضح نظام الانقاذ او تعريته فقط بل باثبات انها قادرة على تقديم بديل لديمقراطية مستدامة تحقق للمواطن الحياة الكريمة وتقدم له ومعه الضمانات ان لا ننزلق الى العيش ربع قرن اخر تحت حكم طاغية اخر.
ان الضامن الوحيد لاستدامة الديمقراطية هو ان تمارسها احزابنا بامانة وجدية وشفافية وصدق وان تجعل منها نبتا عضويا يزدهر وينمو بالممارسة اليومية لا البيانات والتصريحات. الديمقراطية ليست فقط مواعين ممارستها من هياكل ومؤتمرات وانتخابات، بل هى الحالة النفسية والعقلية والممارسة اليومية مع وبالجماهير والاعضاء وإلا لاصبحت هياكل فارغة المحتوى ولا تختلف كثيرا عن انتخابات البشير المخجوجة. أحزابنا تؤمن بحكم الفرد او الصفوة ولا تؤمن بالعقل الجمعى الذى يثمن الاختلاف الفكرى ويشجعه للوصول الى حلول أفضل لمشاكل سياسية واجتماعية يفشل الاخصائيون المتفقون ايديولوجيا وفكريا فى الوصول الى حلها وينجح عامة الناس باختلافهم الفكرى والمعرفى فى الوصول الى حلها.
وكنموذج لهذا الوهم الصفوى فحتى وسائل التواصل الاجتماعي تستخدم لبث رسالة هذا الحزب او ذاك فى اتجاه واحد وليس طرح الأفكار والنقاش مع الاخر واحترامه كما هو دون سب او شتم او تصغير.
ان هناك احتياج حقيقى للخروج من هذه الحالة الذهنية التى أدت الى العزلة والتكلس والكذب على النفس والمحاولات الدائمة للتبرير.
ان اصرار أحزابنا على العمل بذات الطريقة وتوقع نتيجة مختلفة هو امر يرقى الى حد الجرم فى حق الوطن وحق عضويتها. اننا نطرح هذا الامر للنقاش وأتمنى صادقا ان أكون قد جانبت الصواب وان ما سقته هو افتراء وان فجر التغيير ليس ببعيد.

[email protected]





تعليقات 0 | إهداء 0 | زيارات 529

خدمات المحتوى


أحمد الفكي
مساحة اعلانية




الرئيسة |المقالات |الأخبار |الصور |راسلنا | للأعلى


المشاركات والآراء المنشورة في صحيفة الراكوبة سواء كانت بأسماء حقيقية أو مستعارة لا تـمـثـل بالضرورة الرأي الرسمي لإدارة الموقع بل تـمـثـل وجهة نظر كاتبيها.
Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.
Copyright © 2025 alrakoba.net - All rights reserved

صحيفة الراكوبة