المقالات
السياسة
"المماري ولا المتعشي"
"المماري ولا المتعشي"
12-27-2017 06:51 AM

سألني احد أصدقائي من الدناقلة الذين تعلموا اللغة العربية في المدرسة الاولية:" المماري ده شنو؟"

سألته، وانا مشفق على عجمته التي اخفق في التخلص منها، والتي تجعله حتى الان، وقد طعن في السن، ونال من التعليم اوفره، وفارق بلاد الدناقلة قبل اكثر من نصف قرن: " اين وجدت هذه الكلمة، يا مقطوع الطاري (كما كان يحلو للطيب صالح ان ينادي بها من يعرف)"؟

وكان صديقي قد قرأ مقالا رصينا "للمفكر الاسلامي" الدكتور امين حسن عمر الذي يصفونه بانه "منظر" النظام، او احد منظري النظام، يقول فيه، ضمن أشياء اخرى، بلغة فصيحة وفكر ثاقب وهو يفتي، كمن يمشي على قشر البيض، في موضوع ترشيح رئيس الجمهورية لولاية اخرى بعد ان أعلن، مرة اخرى، انه لن يترشح: "إن كنّا نحب الرئيس فنحن نحب مبادئنا اكثر، وإن كنّا نوالي حزبنا، فنحن نوالي شعبنا اكثر". غير أن حماس البعض لإعادة ترشيح رئيس الجمهورية (رغم نص الدستور) أمر يمكن فهمه، في رأي المفكر الإسلامي، "فهو من ناحية، يُبرز تقديرا للأخ رئيس الجمهورية، ونحن المحازبين له يسعدنا ذلك. ففضله فضلنا، ومجده مجدنا. ومن الإنصاف إعطاء الرجل التقدير الذي يستحق. فهو صاحب مبادرات مشهورة ومذكورة ومشكورة في جانب الانحياز للسلام والحوار والوفاق بالحسنى، ومواقفه على الاصعدة الوطنية والقومية والإسلامية لا يلاحي فيها اي مماري".

ورغم انني من نسل العباس وضليع في لغة الضاد، اثرت توخي الحذر في الإجابة على سؤال صديقي الأعجمي. وكان قد استنجد بي قبل سنوات لفهم خطاب الوثبة الذي تمخض فولد، بعد مخاض طويل، حوارا ومخرجات أصبحت هاديا ومرشدا في كل شئ. أسر لي ذلك الصديق حينها انه لم يفهم الخطاب رغم أنه قراه مرات ومرات، وسألني سؤالين بسيطين، أولهما: "يعني شنو؟"، وثانيهما: "من يا ترى كتب هذا الخطاب؟". وكانت بعض الاصابع قد اشارت الى الدكتور امين حسن عمر بأنه صاحب تلك اللغة الوعرة "الغميسة" التي اتصف بها خطاب الوثبة، بينما أشارت أصابع اخرى إلى "منظرين" آخرين (يوفرون لهم سبل الراحة والتأمل والابداع، في دهاليز مبردة تحت الارض، تيسر لهم الهدوء اللازم، والانقطاع عن حقائق الدنيا التي لا تسر البال، ليتفرغوا ل"نجر" نوع الكلام والتعابير والاخيلة التي حفل بها خطاب الوثبة وغيره من شاكلة (التوالي) و (النظام الخالف)، و(الهجرة إلى الله)، و(القاصد)، و(يُلاحي)، و (السيرورة)، و(مماري) وما تزدحم به خطبهم وبياناتهم وأحاديثهم أمام الجماهير والنُخب من وعر الكلام والتعابير).

أجبته على سؤاله الأول بأن المسؤول ليس بأعلم من السائل، مثلي مثل كل من استمع للخطاب وهرش راْسه في حيرة. أما السؤال الثاني فقد أجبت عليه بمقال نُشر في الصحف والأسافير آنذاك بعنوان "إمساك بمعروف" اعترفت فيه بجهلي بهوية من صاغ خطاب الوثبة، ولكنني استطعت، باستخدام أدوات تحليل المحتوى، أن أبرهن أن الكاتب، مهما كانت هويته، مُصاب بإمساك حاد (يابوسة، في الموروث السوداني) ، كما اتضح من المفردات والتعبيرات التي استخدمها في الخطاب.

بهذه الخلفية، وحرصا على التجويد، ورغبة في تقديم المساعدة لصديقي الأعجمي، غصتُ في المعاجم والقواميس بحثا عن معنى "مماري" حتى أفلحت في العثور على المعنى في القاموس المحيط. يقول القاموس أن أصل الكلمة هو "بباري" لقلب الميم باء في لهجات شمال اليمن، مثلما يقلب سكان غرب الهند الباء ميما فتصبح (بومباي) الآن (ممباي)، ومثلما يقلب السودانيون السين في (الشمس) شينا فتصبح (الشمش)؛ والدال

في (دجاج) جيما، والجيم دالا، فتصبح الكلمة (جداد)، كما نري في (جداد الوالي) و(الجداد الإلكتروني). وقد نقلت قبائل اليمن التي هاجرت إلى السودان في القرن العاشر الميلادي عادة إبدال الحروف، ودخلت في اللهجات السودانية، وفي الموروث الشعبي والأمثلة الشعبية، وأشهرها: "البباري الجداد يوديهو الكوشة" !

والله أعلم!

رحم الله الدكتور عون الشريف قاسم الذي رحل وتركنا نغرق في لغو اللغة و"خمج" السياسة!





تعليقات 3 | إهداء 0 | زيارات 880

خدمات المحتوى


التعليقات
#1723801 [osman mohamed hassan]
0.00/5 (0 صوت)

12-27-2017 02:48 PM
أخي عوض،
السلام عليك و رحمة الله و بركاته.. و كل عام و أنت بخير.
و عن مثل هذا النوع من اللغة المبهمة قال أحد قدامى الشعراء:
" لغة تنفر المسامع منها و تشمئزE النفوس.. فأين قولي هذا كثيبٌ قديمٌ و مقالي عقنقلٌ قدموس"


#1723750 [عزوز (الأول) المناكف الذي لن يهدأ له بال حتى ينصلح الحال]
5.00/5 (1 صوت)

12-27-2017 02:11 PM
أحيانا" يدفع الإنسان حسن الظن الى ما يندم عليه، هذا ما حدث لي عند قراءة مقالك هذا سيدي الكريم.
ولا أريد الخوض في صحة هذا المثل، لأني لم أسمع به من قبل بهذه الصيغة وقد يكون صحيحا"، ولكني أعجب لكاتب (يستحمر) قراءه كما فعلت.
والأمر لا يحتاج منك (للغوص في القاموس الوسيط) لتستخرج لنا معنى كلمة (مماري) التي تقول أن أصلها (بباري) وقلبت ميمها باءا" فصارت (مماري)، وزدت القول أن هنالك قبائل وفدت من اليمن للسودان تقلب الباء ميما" بل وضربت أمثلة في غاية الجفاء للحقيقة مثل دجاج وجداد وشمس وشمش وبومباي التي قلت أنها قلبت مومباي لأن شعب غرب الهند لديه هذا الأسلوب في قلب الباء ميما".
أنا لست من تسل العباس كما أدعيت، ولست ضليعا" في اللغة العربية كما وصفت نفسك، ولم أك بحاجة للغوص في دهاليز المعاجم العربية للحصول على معنى كلمة (يماري).
ولتأكيد ذلك افيدك بأني لم أغص في أي من دهاليز اللغة ولكن خلال 3 دقائق عثرت على المعنى الذي كنت أعرفه سلفا" في (جوجل)، وفي المكان الذي غصت فيه، وللأسف لم أجد أي اشارة لكلمة (بباري) الذي قلت انها قلبت ياؤها ميما".
يقول القاموس الوسيط : تمارى القوم : تجادلوا وتناظروا، ومنها قول الله في سورة الكهف (فلا تماري فيهم الا مراءا" ظاهرا")
وتمارى في الشيئ : شك فيه ، ومنها قوله تعالى (فبأي آلاء ربك تتمارى) وقوله ( الحق من ربك فلا تكن من الممترين).
أما قولك الفج في أن أهل الهند يقلبون الباء ميما" ولذلك حولوا بومباي الى مومباى فلا أساس له من الصحة اطلاقا" ولك أن تغوص مرة" أخرى في كتب التأريح لتعلم انهيار إدعائك، حيث ان (مومباي) هو الاسم التاريخي للمدينة وأردت الحكومة الهندية العودة له بدلا" عن بومباي، ولو كان كلامك صحيحا" لصار الأسم بعد قلب الباء ميما" (مومماي).
اما قولك في قلب كلمة دجاج الى جداد والشمس الى الشمس و أقحامك لذلك المثل دون تبرير إلا لكي تحشر كلمة (موروث شعبي) لإعطاء (هيبة) للمقال، فإنه كلام يدعو للرثاء والشفقة عليك ولا يدري المرء كيف ينتقده ويقومه.
وختاما" سيدي، عندما تكتب لا تتصور ان من يقرؤون مهابيل أو مغفلين أو جهلة، ثم ان الدكتور عون الشريف قد ترك لك قاموسا" جامعا" للهجة العامية السودانية، ولم يتركك تغرق في (لغو اللغة)، كما ذكرت, رغم أني لا أفهم معنى عبارة (لغو اللغة) هذه.

ولك تقديري واحترامي


ردود على عزوز (الأول) المناكف الذي لن يهدأ له بال حتى ينصلح الحال
[مالك سيداحمد صادق] 12-28-2017 02:50 AM
أحسنت يا أخانا الفاضل عزوز .
ونسأل الله أن يعوض معارف وأصدقاء هذا العجيب ، عوض الصابرين .


#1723645 [Ahamazole]
5.00/5 (1 صوت)

12-27-2017 08:40 AM
ما هذا الهراء و ان شئت تبديل الهاء بخاء فلك ما شئت.


عوض محمد الحسن
مساحة اعلانية




الرئيسة |المقالات |الأخبار |الصور |راسلنا | للأعلى


المشاركات والآراء المنشورة في صحيفة الراكوبة سواء كانت بأسماء حقيقية أو مستعارة لا تـمـثـل بالضرورة الرأي الرسمي لإدارة الموقع بل تـمـثـل وجهة نظر كاتبيها.
Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.
Copyright © 2025 alrakoba.net - All rights reserved

صحيفة الراكوبة