السياسة المشير البشير : الرئيس الذي لا يصبر على طعام واحد
المشير البشير : الرئيس الذي لا يصبر على طعام واحد
12-28-2017 10:56 AM
هناك حقيقة مسكوت عنها في التاريخ السوداني ، وهي أن هذا التاريخ لم يكتبه المنتصرون كما جرت العادة ، بل كتبته نخب سياسية لها مصلحة في ثني الحقائق التاريخية وتطويعها لخدمة أهداف سودانية ، فالثورة المهدية قامت ضد المحتل التركي ، ومن أساب الثورة كانت الضرائب والظلم والعنصرية ، التاريخ السوداني لم ينصف الجنرال غردون الذي قتلته قوات المهدية عند الاستيلاء على مدينة الخرطوم ، الجنرال غردون قُتل بسبب المظالم التي ارتكبتها الدولة التركية في حق السودانيين ، فمن الضير الاحتفال بعيد الإستقلال من الانجليز وتجاهل مناسبة تحرير السودان من الدولة التركية ، فالانجليز تركوا بنية اقتصادية وتعليمية وإدارية ، ولم نرث من الحقبة التركية سوى عبارة (( التركي ولا المتورك )) ، غزت مصر السودان في فترة محمد علي باشا إرضاءً للباب العالي في الأستانة ، فأسترقت السودانيين وأرسلتهم ليحاربوا نيابةً عن الأتراك في اليونان وشبه جزيرة القرم ، اليوم يعود الأتراك وهو يحملون الهدايا للإنقاذ بمناسبة أعياد الميلاد ، ونسى النظام مجاهدات قائد المهدية الأمير عثمان دقنة الذي اشعل نار المقاومة في شرق السودان ، والان الرئيس البشير يقتطع جزيرة سواكن ومينائها ويمنحها لتركيا وفق إتفاق تلفه الضبابية ويكتنفه الغموض ، فالرجل يتعامل مع أرض السودان المٌتقلصة بمنتهى الكرم ، فصل الجنوب بسبب المشروع الحضاري ، ويهدي قطعة من أرض السودان هدية للخليفة العثماني ، وهو فقد أوراق الدعوة القضائية في مثلث حلايب ، والسمات العامة تقول أن هناك حلف جديد مقامه المشترك هو الاخوان المسلمين ، قطر توفر المال والإعلام ، وتركيا توفر الجيش والإنتشار بينما يوفر السودان الجغرافية ، ولذلك لم يختبئ الرئيس ارودغان خلف الأقنعة الكاذبة عندما رفع شعار رابعة في برلمان البشير ، والمقصود من هذا التحالف هو مصر ، فتاريخياً كانت مصر هي البوابة التي يدخل منها الغزاة للسودان ، وأعتقد أن هناك تحولاً في نمط تاريخ العلاقة بين البلدين ، فهل سيفعلها ارودغان ويغزو مصر عن طريق بوابة السودان ؟؟ لا أعتقد أن هذا الحلم قابل للتحقق ، فتركيا عجزت عن مواجهة الأكراد في شمال سوريا على الرغم من الوعد والوعيد ، وخسرت في الأزمة السورية وتحولت من دور لاعب إلى دور متفرج وهى ترى الروس وإيران وامريكا يلعبون في حديقتها الخلفية. كما أن النظام الحالي في مصر نجح في كبح تمدد الاخوان المسلمين وضرب المنظمات الاجتماعية التي كانوا يستخدمونها لجذب الناس.
لكن السؤال الحقيقي هو ماذا كسب الرئيس البشير من تحالفه مع أرودغان والشيخ تميم ؟؟ ومتى سوف تتم إعادة العلاقات مع إيران خاصة أن جبل الجليد قد ذاب ولم تعد هناك ضرورة لقطع هذه العلاقات ؟؟ وهناك حديث يدور عن قيام السودان بسحب وحداته العسكرية التي كانت تحارب في اليمن ، ومن يتابع الإعلام الحربي للتحالف العربي نجده لا يغطي اخبار الوحدة العسكرية السودانية المشاركة في حرب اليمن ، فهناك تحول غير موزون في الموقف السوداني ، ما يجمع نظام البشير بقطر وتركيا هو أكبر مما يجمعه مع السعودية والامارات ، لأن الرابط الفكري – وهو فكر الاخوان المسلمين – يطغى على المصلحة الدبلوماسية ، فالرئيس البشير عُرف عنه التقلب والمزاجية وسرعة تبدل المواقف ، ولنجرد ثمرة حصاده منذ إنقلابه على الحكم الديمقراطي في عام 1989 ، حارب الحركة الشعبية باسم الدين ثم وقع معها على اتفاقية سلام افضت إلى فصل الجنوب ، تحالف مع العقيد معمر القذافي ثم تآمر في عملية إغتياله ، تحالف مع الترابي ثم انقلب عليه وحبسه في السجن ، استعان بالقائد القبلي موسى هلال لمواجهة التمرد في دارفور ثم انقلب عليه وسلط عليه بعض المنافسين له في الزعامة لمهاجمته واعتقاله وارساله مكبلاً بالاصفاد للخرطوم ، تحالف مع ايران ضد السعودية والامارات ، وكلنا نعلم موقف نظام الخرطوم عندما احتل النظام العراقي دولة الكويت ، عرض الرئيس البشير لأسامة بن لادن بأن يكون السودان أرض هجرة ، ثم طرده لاحقاً من السودان واستولى على املاكه ، بل أنه ارسل احداثيات الطائرة التي كانت تقل أسامة بن لادن للمخابرات الأمريكية ، انضم الرئيس البشير لعاصفة الحزم لأن قطر كانت جزءاً من هذا التحالف ، وبدأ الرئيس البشير يحصد في ثمرة التحالف الجديد ووظفه لإلغاء الحظر المفروض على السودان ، لكن الأزمة الخليجية عجلت بخروجه من هذا التحالف ، وعملية التخلص من الفريق طه الحسين مهندس الصفقة كانت هي بداية الطلاق ، وخروج البشير من التحالف العربي فيه أكثر من بعد ، البعد الشخصي هو أن الولايات المتحدة رفعت العقوبات الاقتصادية على السودان ، لكن ما يريده الرئيس البشير هو أن يخرج إسمه من قائمة المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية وبأن تتعامل الولايات المتحدة معه شخصياً دون إلتفاف ، والبعد الثاني هو خروج دولة قطر من التحالف العربي .
وقبلها كتبت في مقال سابق : أخوان السودان قلوبهم مع السعودية وسيوفهم مع قطر ، لكن ذهبت كلماتي كما قال الشاعر
لقد نصحت لهم بمنعرج اللوى ...فلم يستبينوا نصحي إلا ضحى الغد
فتعجل النظام الثمر ، وحرم الرئيس البشير نفسه من موائد السعودية والامارات ، حيث كان يشد الرحال لتلك الدول بمناسبة او من دون مناسبة.
المشاركات والآراء المنشورة في صحيفة الراكوبة سواء كانت بأسماء حقيقية أو مستعارة لا تـمـثـل بالضرورة الرأي الرسمي لإدارة الموقع بل تـمـثـل وجهة نظر كاتبيها.