المقالات
السياسة
حينما يكون المحبوب (خبزا)
حينما يكون المحبوب (خبزا)
12-31-2017 04:35 PM

نبض المجالس

سئل الشاعر الأدروبي ابن الشرق الراحل ابو آمنة حامد ذات يوم قبل حوالي عقد ونيف من الزمان وهو يتجول في شوارع الخرطوم ويثري مجالسها بالسخرية والطرائف واللطائف, سأله محبوه ومعجبو شعره واصدقاؤه .. (هل لازلت يا ابو آمنة تحب من بلدك , وانت الذي كتبت رائعة الموسيقار محمد وردي ؟ ) :
بنحب من بلدنا ما برّه البلد
سودانيّة تهوَى عاشق ود بلد
في عيونها المفاتن شئ ما ليهُ حد
التّوب المهبهب فوق أم الضّفائر.
****
فسخر ابو آمنة حامد من هذا السؤال فجاء رده والعهدة على الراوي :( حينما كتبت .. بنحب من بلدنا , كنا في متعة وعز نشرب اللبن ونأكل الخبز المعطون في العسل , أما الآن فأنا لا احب سوى (كيس العيش ) أي كيس الخبز وقتها كان الجنيه الواحد يأتيك بعشر من (الرغيفات) , اما الان فقد انهار الجنيه فقد عزت الرغيفة "وتدللت" ثم طغت وتجبرت ,وعما قريب ستتبدل المعادلة ويكون (الجنيه والرغيفة ) في كفتين متساويتين مما يعني أن هذا الجنيه ستكون قيمته المبرئة للذمة (رغيفة واحدة) حال استمرت المعطيات المخيفة في انتاج اليأس والفشل في إيجاد بدائل اخرى تلجم جنون "الخبز".
كل ما هو متاح من حقائق ومعلومات وإحباطات تؤكد بأن سلعة الخبز وبحسب مخاوف أصحاب المخابز ستكون مبعثاً جديداً لاثارة القلق داخل كل اسرة سودانية لأن الموازنة الجديدة ربما فشلت في أن تخلق البيئة والظروف الصالحة لإنتاج الخبز بالتكلفة التي يمكن أن توفرها كل اسرة سودانية (بالنفس الأخير) , في وقت تتحدث فيه أرقام التكلفة عن زيادات في مدخلات إنتاج هذه السلعة فمثلاً كرتونة الخميرة ارتفع سعرها من 800 الى 1200 جنيه كما ان هناك ندرة في غاز الطبيخ وهذه الندرة من المتوقع ان يعقبها ارتفاع في الأسعار علاوة على أن هناك قفزات في أسعار السلع والمدخلات الاخرى ربما غير منظورة لدى المشرع لهذه الموازنة المخيفة .
ليس من الرشد والمنطق أن تنتهج الحكومة سياسة دفن الروؤس في الرمال بقدر ما أنها مطالبة وبشكل جاد وفاعل في اتجاه امتصاص حالة "الاحتقان" ونفاذ الصبر والتي باتت حالة مسيطرة على المزاج السوداني وبالتالي فهى التي تتحكم في خياراته وربما حتى في سلوكياته , فالخطر المحتمل اذن جراء هذه الإسقاطات والتاثيرات السالبة على المواطن "مهدود الحيل" ليس هو فقط على صعيد الانهيار الاقتصادي والميزانيات المالية والصغيرة داخل الاسرة وإنما هناك آثار اخرى ربما أكثر كارثية ستضرب العمق النفسي والوجداني لكل مواطن سوداني يشعر بالانهيار والفشل أو ضيق ذات اليد في سبيل توفير قطعة خبز لأطفاله "الجوعى".

هاشم عبد الفتاح
[email protected]





تعليقات 0 | إهداء 0 | زيارات 419

خدمات المحتوى


هاشم عبد الفتاح
هاشم عبد الفتاح

مساحة اعلانية




الرئيسة |المقالات |الأخبار |الصور |راسلنا | للأعلى


المشاركات والآراء المنشورة في صحيفة الراكوبة سواء كانت بأسماء حقيقية أو مستعارة لا تـمـثـل بالضرورة الرأي الرسمي لإدارة الموقع بل تـمـثـل وجهة نظر كاتبيها.
Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.
Copyright © 2025 alrakoba.net - All rights reserved

صحيفة الراكوبة