ليست هي المرة الأولى التي أجد نفسي فيها محاصرا بتقاطعات سياسية.. ليس لي فيها يد في غالب الأحيان.. وإن كنت لا أستطيع الزعم بأنني بريء من كل ما يحدث.. ولأننا في السودان فالعلاقات الإنسانية هي التي تحكم معظم الأشياء.. وتتحكم في جل التفاعلات.. ولقد كنت دائما حريصا على ألا تؤثر هذه العلاقات.. في تعاملي مع ما حولي من معطيات ووقائع وأحداث.. وأجتهد في التعامل مع هذه المعطيات كما هي.. أعمل فيها تحليلا وتقييما.. وتفكيكا كما سمي احدهم التحليل ذات يوم.. وما تقود إليه هذه المعلومات والمعطيات القائمة أمامي هي الخلاصات التي أحتكم إليها.. أو أرتكن إليها في الحكم على الأشياء.. وبالطبع.. وحيث أن العملية كلها إنسانية.. فاحتمالات الخطأ والصواب قائمة وواردة.. فقد يغذيك أحد المصادر بمعلومات لم تكن دقيقة.. وقد يزين لك أحدهم استنتاجا من وجه واحد للأمر.. بعد أن يغيب عنك الوجه الآخر.. أيضا هنا يوصم التحليل بعدم الدقة.. ورغم كل هذا فسأظل فخورا بأن وجودي لثلاثة عقود ونيف في بلاط صاحبة الجلالة قد رفدني بعلاقات واسعة سأظل أعتز بها.. وأجتهد كذلك في توظيفها لخدمة قرائي.. وأحسب أن هذا واجبي وحقهم..!
غير أن هذه العلاقات الواسعة تضعك أحيانا.. كما بدأت هذا التحليل.. في تقاطعات غريبة.. كما وجدت نفسي مؤخرا.. فما إن اكتمل حسم قوائم المرشحين في انتخابات نقابة المحامين.. إلا وقد فوجئت بأن اثنين من أصدقائي قد اتخذا موقف المواجهة في التنافس على منصب نقيب المحامين.. وأقول بكل ثقة إنه لو ترك الأمر لهما.. لآويا إلى ظل أقرب شجرة.. ولاتفقا على تقاسم مدة الدورة مناصفة.. بل ولأصر كل منهما على أخيه أن يبدأ الفترة الأولى.. ولكن قدر صديقيّ الأستاذ على قيلوب ومولانا عثمان الشريف.. أنهما تقدما للتنافس على هذا المنصب.. أو قُدما إليه في ظرف احتدم فيه الصراع.. وتنامى الاستقطاب حتى بلغ حدته.. فكان قدرهما كقدري تماما.. أن أطلا على المشهد السياسي في ظل هذا الاستقطاب الحاد.. فلم يكن لهما من سبيل غير عبور هذا التقاطع الحاد أيضا..!
وكما قدمت أعلاه.. وأصبح ذلك عهدا على نفسي.. فسأتعامل مع المعطيات.. غض النظر عن علاقتي الشخصية بالطرفين.. فالمشهد للوهلة الأولى يقول إن قيلوب قد كسب قاعدته على حساب حزب سياسي.. فالحزب الشيوعي كان يتمسك باسم آخر.. ولكن محامي الحزب شقوا عصا الطاعة وانحازوا لقيلوب.. مرشحا أوحد لتحالف المحامين.. وهذه نقطة تحسب له.. أما الشريف وكما تابع الكثيرون فقد بدا أنه جاء محمولا على رغبة قيادة الحزب.. عوضا عن القاعدة.. أو بالأحرى جزء مقدر منها.. ولكن الملاحظة الجديرة بالتثبيت هنا.. أن جهودا مقدرة قد بذلت.. كان له فيها الضلع الأكبر.. لإعادة ترتيب الأمر بما يعزز موقفه لدى قاعدة المحامين الوطنيين.. ونجاح هذا المسعى يحسب له ولا شك.. ولعل هذه من أهم مميزات الرجل.. القدرة على نزع فتيل الأزمات..!
ولعل المفارقة الجديرة بالانتباه أن كلا الخصمين.. يتسم بصفات.. تكاد تكون متطابقة لدى الاثنين.. منها الهدوء.. وسعة الصدر.. والجنوح نحو الاعتدال.. والنأي عن إقصاء الآخر.. بل والسعي إليه.. كما أن كليهما يجيد الإنصات.. ويفضل توسيع دائرة التشاور.. ولا يتعجل في اتخاذ القرار.. البعض قد يرى في هذا البطء ضعفا.. وليس بالضرورة أن يتفق الجميع على هذا التوصيف.. ولكن الذي يمكن قوله باطمئنان.. إنه سواء فاز الشريف او قيلوب.. فإن الدورة الجديدة موعودة بقدر من الهدوء.. أما هل يكون ذلك الهدوء هدوءا فاعلا ومنتجا.. أم هدوءا رتيبا؟.. فهذا تجيب عليه الأيام..!
وغير بعيد عن كل هذا.. فقد احتدم الجدل مبكرا حول صحة بعض الإجراءات المنظمة لهذه الانتخابات نفسها.. أهمها العجلة التي شابت تلك الإجراءات.. مما يجعلها غير منطقية في بعض الأحيان.. كأن تنشر قوائم في شارع فرعي في الخرطوم.. ويكون مطلوبا من كل محامي السودان إبداء الرأي فيها في أقل من أربع وعشرين ساعة.. وهذا ينال من حيادية الإجراءات.. وبالتالي مصداقيتها.. والذين يعرفون عثمان الشريف يعلمون أنه لم يكن في حاجة إليها.. وأكاد أجزم أنه غير سعيد بها..!
غداً:
هذا بنك الثروة.. فأين ثروة البنك؟!
المشاركات والآراء المنشورة في صحيفة الراكوبة سواء كانت بأسماء حقيقية أو مستعارة لا تـمـثـل بالضرورة الرأي الرسمي لإدارة الموقع بل تـمـثـل وجهة نظر كاتبيها.