تفشت نبرة تشاؤمية فى أحاديث وكتابات الكثيرين من من يعتبرون فى صف الثورة والتغيير . ووصلت هذه النبرة الى حد الزعم بان الشعب السودانى قد مات وشبع موتا ، وانه ليس علينا الا اقامة سرادق العزاء والبكاء واللطم . وآخر ماوصلنى من الامثلة القصيدة المحورة عن قصيدة الاستقلال " اليوم نرفع راية استقلالنا "، حيث حورت الى :
اليوم نرفع راية استسلامنا
ويسجل التاريخ ميتة شعبنا
ياأخوتى ابكو لنا أبكو لنا
غير ان من قام بالتحوير لايذكر ان شعبنا حى لم يموت ، فهو يقاوم منذ الاول من يوليو 1989 وحتى اليوم . أنشا التجمع الوطنى الديموقراطى الذى كف أيدى النظام الامنى عن قتل المزيد من المناضلين ، والذى مات منه من مات فى حرب العصابات التى اندلعت فى الشرق . وكان من الممكن ان يستمر اداؤه حتى اسقاط النظام لولا ان رئيسه بدل شعاره من " سلم تسلم " الى " ادفع نسلم !" ، ولولا ان أمينه العام أصبح بعد عدة لفات وزيرا للاستثمار ، ولولا ان زعيم أكبر احزابه مازال ىدعو الى الهيكلة ولا يريد تغييرا بالعنف مع اعنف نظام فى التاريخ ! ومع ذلك فاننى لاأعتبر هذا عمل مضاد للثورة ، بل على العكس من ذلك ، هو تنقية للصفوف من الذين كانوا دائما سببا فى انتكاسات الحركات الشعبية الماضية . ولقد بقى من بقى من القابضين على الجمر ، وهم يسجلون كل يوم انتصارا على النظام ، قد لايكون مرئيا لمن لايرى :
- تجمع القابضون على الجمر فى قوى الاجماع ، وهم يسعون الى التوحد مع كل من يدعو لاسقاط النظام بحق .
- بدات القوى الديموقراطية تعمل على استعادة مواقعها فى النقابات المسلوبة ، نجحوا فى بعض تلك المحاولات وسجلوا مكتسبات جزئية فى أخرى .
- يتحرك شعبنا فى كل الاقاليم ضد انشاء السدود ودفن النفايات واستخدام المواد الضارة بالبيئة فى عمليات التعدين
- نضالات يومية لشعينا فى دارفور والنيل الازرق وجنوب كردفان بالسلاح وبالتظاهر حتى داخل معسكرات اللاجئين .
- فى الصحف التى تصادر عشرات المرات ، لازال هناك صحفيون احرار يكتبون ماتمليه عليهم ضمائرهم ، رغم ما يلاقون من ذل وهوان ، مثلما حدث للصحفية التى جرجرت فى الاقسام والمحاكم بحجج مضحكة .
ومع هذا وغيره من النضالات المستمرة رغم بطش الحكام الذين لم يعد لديهم مايمكن حتى ان يسمى نظام ، فهم الآن عبارة عن مجموعة قطاع طرق يستخدمون كل امكانيات الدولة للبقاء والاستمرار فى النهب بالمليارت وحتى باغتصاب أموال الافراد وتلفوناتهم ومحلاتهم التجارية وعلى عينك ياتاجر فى دارفور . هؤلاء لا يسالون لانهم يتبعون لرئاسة الجمهورية التى قالت بكل زهو وفخر انها تعتمد عليهم فى البقاء ! أقول ومع هذا فقد جاءنى التالى من مقال لأحد الاصدقاء :
يقول المقال تحت عنوان " دعوة للجعير " : ( بمناسبة الاستقلال والناس الفرحانة بدون موضوع دى ..أنا شايف أى سودانى حقو يمرق الشارع ويلاقى أخوهو ويتقالدو ويقعدو يبكو ، وكلما يتذكرو مأزق السودان تانى يبكو )
ثم يذكر المقال مافعلته الانقاذ من فساد وتدمير ..و ..و على انها هى الاسباب التى تدعو الى ذلك " الجعرى " ، غير ان المقال، مع ذلك ، يهدف من كل ذلك الى أحياء الضمائر حيث ينتهى الى : ( معايدة باكية حتى لاننسى أو نتناسى . أعجبتنى الكلمات برغم مرارتها فقلت ربما تكون معايدة لضميرنا الذى نام طويلا ولابد ان يستيقظ . الوطن يناديكم ..)
فى الجانب الآخر قرأت مقالين للكاتبين الراتبين الرائعين فى الراكوبة ، الاستاذين :سيف الدولة حمدناالله وزهير السراج . الاول فى مقال عن انتخابات نقابة المحامين ، حيث يجيب على السؤال : لماذا نجح تقيب لائحة الوطنى ، فيرد باجابة شاملة :( الاجابة على هذا السؤال تكمن فى تفسير العثرة التى يعيشها الوطن ، وتفسر السهولة التى سلم بها الشعب رقبته لجماعة محدودة ، تفوقت عليه بنظرية " الالتزام " التى تقابلها نظرية "التقاعس " فى صفوف خصومه ، فمنهم من قاطع ودعا للمقاطعة ، وآخرون يجلسون فى بيوتهم لقناعة شخصية بعدم جدوى الانتخابات ، ومثلهم يرى عدم المشاركة لأن النتيجة محسومة سلفا لصالح النظام ). والمهم جدا هو الاحصائية التى أوردها ، والتى تدل على ان 4078 شخصا ، هم الملتزمون الذين صوتوا للنقيب الوطنى الفائز ، قد تغلبوا على 24000 " اربعة وعشرين " ألفا هم بقية عدد المحامين ، الذين لم يصوت منهم غير 1798 للنقيب الديموقراطى ! فتصور مدى التقاعس الذى حدث فى هذه الحالة ويحدث فى كل الحالات الاخرى بمافى ذلك الانتخابات الرئاسية!
وعليه فبدلا عن الجعرى والبكاء متقالدين أو فرادى ، أليس من الاجدى ان نترك التقاعس ونساهم بقدر الامكان فى عمل أو آخر قد يدفع القضية الى الامام ولو شبرا واحدا ؟! فالعلم يقول ان الاضافات الكمية البسيطة المتراكمة هى التى تؤدى الى تغيير كيفى !
أما الاستاذ زهير فهو كعادته يكشف مناطق الضعف التى تكاثفت على النظام هذه الايام والتى جعلته فى حالة هياج وهضربة واضطراب على جميع الجبهات الداخلية والخارجية . مثلا فى موضوع الميزانية تجمع تعليقات عدد من نواب البرلمان والصحفيين والمحللين السياسيين على انها كارثة ، وليس أدل على كارثيتها من تعليقات المسئولين : أحدهم يقول : لم نأت لفرم الشعب – وكأن قد بقى منه مايفرم ؟! وآخر يقول بطلوا النقة . ووزير المالية يقول الميزانية ماحقتى ، انها حقة الحكومة ! وحزب الحكومة يطالب باقالة الطاقم الاقتصادى وربما يدعو لاستبداله بطاقم صينى !
أما فى المجال الخارجى فالحالة اصبحت سلطة لدرجة ان أهل الخارج نفسهم اصبحوا فى حيرة : هل السودان أقرب الى روسيا أم أمريكا ؟ الى قطر أم السعودية والامارات ؟ سيقف فى صف الدول المعارضة لقرار امريكا بشأن القدس ، أم هو فى طريقه للاعتراف باسرائيل ؟ ..الخ .
أظن ان بيد خصوم النظام الكثير من الاوراق التى يمكن الكسب بها ، ولكن البداية بالوحدة وعدم التقاعس والتفاؤل العلمى !!
أنا علقت على موضوع الدكتور عبدالله علي ابراهيم وكتبت الايميل بتاعي فلماذا ظل اسمي وعنواني مرابطا وملازما لكل التعليقات على جميع المقالات االتي تنشرونها؟ أرجو سحب اسمي وعنواني من صفحاتكم. شكرا.
المشاركات والآراء المنشورة في صحيفة الراكوبة سواء كانت بأسماء حقيقية أو مستعارة لا تـمـثـل بالضرورة الرأي الرسمي لإدارة الموقع بل تـمـثـل وجهة نظر كاتبيها.