عصافير(الحليب)
01-09-2018 09:34 AM
لا أرى قضية اليوم ألحّ وأهم من قضية الغلاء دارت رحاه ولم تزل، ولا أرى مشكلة تطرق الأبواب بقوة كقضية المعيشة التي تأخذ الآن بخناق كل الأسر السودانية، فالغلاء الطاحن يضع المواطن السوداني المقهور بين الرحى بلا رحمة ولا لين، ومعاش الناس اليوم بات هماً وغماً يُذهبُ العقول وتَحارُ له الألباب، وفي تقديري أن هذه القضية بلغت مبلغاً لم يعد معه الاحتمال ممكناً مما يستدعي وبصورة عاجلة تدخل قيادة الدولة على نحو يتجاوز التوجيهات والتصريحات والكلام المكرر إلى خطوات عملية نرى فيها قرارات نافذة لحظة صدورها، فالشعب السوداني اليوم ينتظر قرارات رئاسية تقطع دابر فوضى السوق، خاصة وقد باتت المشكلة معروفة ومكشوفة...
المشكلة محددة جداً هناك انفلات رهيب وفوضى عارمة في الأسواق التي يتحكم فيها لوبي معروف يتلاعب بقوت المواطن، ساعد على تمدده ضعف الرقابة الحكومية لأن السلطة الحاكمة مشغولة جداً بحماية عرشها السلطوي ومهمومة جداً بـ " تصفير العداد" و"الكنكشة"، لذلك من الطبيعي ألا تلقي بالاً لقضايا المعيشة ومحاربة الغلاء وانفلات السوق.
الأمر الثاني أن محاربة الغلاء والضائقة المعيشية تحتاج لإرادة سياسية قوية، وهذه الحكومة تفتقد الإرادة السياسية كما تفتقد الإدارة الاقتصادية الناجحة... انظروا إلى "قومة النفس" والهياج الذي رأيناه في محاربة تجارة العملة، واطرحوا السؤال الموضوعي: ما هي نتيجة ذلك الهياج الحكومي... النتيجة قطعاً صفر كبير، وكعادتها أخذت الحكومة فورتها وأودعت بعض تجار العملة الصغار السجون، وتركت الحيتان والتماسيح الكبيرة، وكل ما فعلته أنها قطعت جزءاً صغيراً من ذيل الحية الرقطاء، وعادت – أي الحكومة - أدراجها تلتقط أنفاسها المتقطعة، لتعود الحية الرقطاء مرة ثانية وتعود معها الحيتان الكبيرة والتماسيح إلى ممارسة نشاطها على نطاق واسع دون خوف، ومن يغالطنا فليذهب الآن إلى "برندات" السوق العربي سيجد سوق العملة منتعشاً ورائجاً كأن لم تمسه "كشة" أو "مطاردات"...
كل يوم يترسخ يقيني أن المشكلة في الحكومة، وليس السوق ولا التجار، فالحكومة لا تستطيع السيطرة على السوق، ولن تستطيع أن تحارب لا تجارعملة ولا مخدارات، ولن تستطيع أن تحارب غلاءً ولا ضائقة معيشية، ولا فساداً، ولا جشعاً لأنها تفتقد السلاح الفاعل لحسم هذه المعركة ، وهي الإرادة السياسية... صحيح قد يخرج علينا اليوم أو غداً وزير التجارة أو المالية، أو... أو... بقرارات أو توجيهات كتلك التي أصدرها حاتم السر الأسبوع الماضي (حكاية الديباجات)، وربما تهيج الحكومة وترغي وتزبد وتنشر فرق مفتشيها في الأسواق و(تاخد فورتها)، وتعود أدراجها تلتقط أنفاسها ليعود بعدها السوق لما كان عليه قبل التفتيش كما فعلت مع تجار العملة الذين عادوا اليوم بقوة بعد كل تلك "الهيجة"... لن نثق في أية معالجات حكومية إلا عندما نثق ونطمئن أن الحكومة استعادت إرادتها السياسية، وحينها سنطمئن أيضاً أن كل أصناف الطيور الموجودة بحظيرة الدندر تحلب "دراً" يمكن أن يكفي حاجة السودان من حليب الأطفال... اللهم هذا قسمي فيما أملك...
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين.
الصيحة
|
خدمات المحتوى
|
احمد يوسف التاي
مساحة اعلانية
الاكثر مشاهدةً/ش
الاكثر تفاعلاً
|