المقالات
السياسة
علي عبداللطيف قصة حلم سوداني لم يكتمل
علي عبداللطيف قصة حلم سوداني لم يكتمل
01-10-2018 09:19 PM

(1)

من المقولات التي تتكرر دائماً عند تناول التاريخ السوداني وشخصياته المؤثرة ، أنه كتب بأقلام أجنبية وتم توظيفه في فرض سلطة المستعمر ، وقهر أي أصوات تنادي بتحرير الوطن من مستعمريه ، ومن هذه الشخصيات التي تعرضت الي تغبيش كبير وطمس متعمد شخصية علي عبداللطيف ، حامت حوله كثير من الأقاويل الباطلة والأوهام الكذوبة ، و التي أراد من خلالها المستعمر كسر إرادة الشعب السوداني ، ولعل الظلم الذي حاق به ما يزال يتمدد الي اليوم ، يتبدى حين تختزل شخصيته في إطار صراع سياسي أيدلوجي ، و تأخذك الدهشة حين تري أن الشخص الذي حارب العنصرية والقبلية ودعا الي وحدة الأمة السودانية توضع شخصيته في إطار عنصري وقبلي ، أتساءل كيف يكون شعوره اذا نظر الي أسمه في خطابات السياسة السودانية الحديثة منسوباً الي قبيلته علي عبداللطيف الميراوي ، عموماً لعلنا في هذا المقال نجلي بعض الحقائق حول هذه الشخصية المؤثرة في تاريخ السودان الحديث ، ولا نبالغ اذا قلنا أنه أحد بناته ومؤسسيه الكبار ، لا نكتفي بالتمجيد علي طريقة لغة المناقب التي تبالغ في من ترفعه لدرجة لا يستسيغها العقل وتبالغ في الحط من شأن غيره ، نرد بعض الأقوال ونقبل بعضها كما يفعل الصيرفي إذ يرد الزيوف من النقود ويقبل النافقة الرائجة كما يقول الشيخ أبو زهرة ، علي عبداللطيف لم يكن شاعراً ولكن قصيدته الملهمة كانت ثورة 1924 ، لا ينفصل الحديث عنه إلا بذكرها ولذلك حاولت ان ألخص سيرته في سيرتها ، نأمل بذلك أن نصل الي إجابة موضوعية لماذا لم يكتمل الحلم السوداني .

(2)

الأصول المتعددة التي تشكلت منها أسرته تجعل من الصعب وضع شخصية علي عبداللطيف في قالب قبلي او عنصري ، أصوله الأفريقية ، ميلاده في أقصي شمال السودان ، حياته في وسط عرقي شديد الاعتداد بالقبيلة والعنصر ورغم ذلك قدمه قائداً ، زواجه من إمراة متعددة الأعراق والأصول ، ولذلك لم يجد الإنجليز وصفاً لهذه الظاهرة الاجتماعية سوي تسمية المجتمع الذي خرج منه بأنهم عناصر منبتة قبلياً ، كتب التاريخ التي بحثت في أصول هذه الأسرة ، ذكرت أنهم مجموعات أسترقوا في فترة حكم محمد علي باشا ، و أنتهي بهم الحال خدم وشغيلة في بيوت أثرياء الخرطوم يومها ، و بعضهم سيق الي مصر ، و عندما انتهت هذه الحقبة ، أستقروا في شمال ووسط السودان و أنقطعت صلتهم بالأصل القديم .

(3)

السيرة الذاتية تقول أنه ولد في العام 1896م في مدينة وادي حلفا ، من أم تنتهي أصولها الي قبيلة الدينكا ، وأب تمتد أصوله الي منطقة جبال النوبة ، استقرت أسرته في أقصي شمال السودان الجغرافي في منطقة الخندق ، والد علي عبداللطيف كان مشلخاً شلوخ الشايقية كما تقول الرواية التاريخية ، علي عكس التركيبة الإثنية لمنطقة الخندق اليوم ، ولعل هذه تحتاج الي إعادة بحث ونظر في التركيبة السكانية والتغيرات الديمغرافية ، والدته كانت متزوجة من أحد أعيان منطقة الخندق ، قبل أن تتزوج من والده ، وله أخ من أمه ، حين عبرت جيوش المهدية المتوجهة الي مصر بقيادة النجومي منطقة الخندق ، انضم إليها والده ، و أسر في معارك المهدية مع الجيش الإنجليزي ، ومن بعدها انضم الي الجيش الغازي وشارك في القتال ضد المهدية ، بعد دخول الجيش الغازي الي أمدرمان تخلي والده عن الوظيفة العسكرية ، أستقر بمناطق النيل الأبيض ، تزوج علي عبداللطيف من العازة محمد عبدالله وهي من أصول شديدة الإختلاط ، والدها من أعيان منطقة الخندق ، وجدها لأمها من صعيد مصر كان يعمل في الجيش المصري ، تزوج من سودانية من قبيلة الدينكا وأنجبت له فاطمة والدة العازة .

(4)

واحدة من عناصر القوة ولعلها ساهمت في رسم ملامح شخصيته الواقع الإجتماعي المرهق ، علي حسب السياق الطبيعي كان يمكن ان يكون له أثراً سالباً علي شخصيته ونقطة ضعف تلازمه في حياته ، فالرق الذي عاشته أسرته في تلك الفترة التاريخية وهو كان واقعاً إجتماعياً في السودان يومها ، يُولد في النفس ذلاً ومهانة ، ولكن اذا تتبعت سيرته تجد أنه كان علي النقيض من هذه الصفات ، شخصيته كانت في غاية الإعتداد والترفع ، بقدرات إنسانية عالية أستطاع أن يتغلب علي هذه النقائص ، حادثة مدينة ود مدني والتي حُكم عليه بالسجن تحكي عن كبرياء وشموخ ، حين رفض ان يقدم التحية للمفتش الإنجليزي ، مسالة أخري كان يمكن ان تكون واحدة من عوامل الضعف في شخصيته ، وهي سيولة المواقف في حالة والده ، وبلا شك أنها فرضت علي أسرته المقهورة ، اذا تتبعت تاريخ والد علي عبداللطيف تجد أنه شهد تحولات مربكة ، تجده مرة مقاتلاً في صفوف المهدية ، وتارة أخري مقاتلاً في صفوف الجيش الغازي ضد المهدية ، يمكن ان تجد تفسيراً موضوعياً وتبريراً لهذه الوقائع بأقل جهد ، ولكن أثرها لا يمكن تغافله علي المستوي القيمي والأخلاقي ، دخول علي عبداللطيف كلية غردون ومن بعد ذلك عمله في العسكرية في رتبة مرموقة أكسبته طاقة إيجابية ، لم يكن يعاني من عقدة نقص او فقدان ثقة في تعامله مع صفوة المجتمع يومها ، كذلك ميزة إيجابية أخري تحلي بها أنه كان متجاوزاً للواقع الإجتماعي الذي نشأ فيه ، وكما يقول تولستوي لن يكون الرجل عظيماً إلا اذا أنتصر علي أمته وهو أنتصر علي واقعه الإجتماعي شديد البؤس ، لم يكن يشرب الخمر ولم يعيش حياة الملاهي عاش حياة جادة ، رغم ان الشائع في تلك المجتمعات الشعبية أنها أقل إلتزاماً أخلاقياً في سلوكها العام .

(5)

الحديث عن تاريخية السودان بجغرافيته الحالية و عمقه الحضاري ، أسئلة لا تستطيع ان تقدم عليه إجابات حاسمة ، ولكن الصحيح علي حسب ما تقول كتب التاريخ ، بعيداً عن تأويلات الحاضر وصراعات المدارس الفكرية و الأيدلوجية ان السودان بشكله الحالي لم يُعرف إلا بعد دخول الأتراك الي السودان ، قبل ذلك كان عبارة عن ممالك ودويلات مختلفة لم تنصهر في كيان واحد ، كانت البدايات بمملكة كوش في أقصي شمال السودان الحالي ، ثم تلتها وقامت علي أنقاضها مملكة مروي ، ثم جاءت الدويلات المسيحية ، نوباتيا في أعلي الشمال الجغرافي ، وفي الشمال الأدنى قامت دولة المقرة ، وفي وسط السودان قامت دولة علوة ، ثم إنهارت الدويلات المسيحية بفعل تمدد الوجود الإسلامي العربي ، نتيجة ذلك كان ميلاد دولة الفونج ، تحالف بين العنصر العربي والأفريقي ، عاصرت دولة الفونج في ذات الرقعة الجغرافية الحالية للسودان ، سلطنة الفور في أرض دارفور ، ومملكة تقلي في أرض كردفان ، ثم ضعفت وتلاشت كل هذه المنظومات السلطوية وتحولت الي عصبيات قبلية وإقليمية لا رابط بينها ، أول الملامح التي تشير لوحدة سودانية ، جاءت مع دخول الطرق الصوفية ، ولعلنا لا نبالغ اذا قلنا ان الصوفية كانت من العوامل المهمة التي ساهمت في إنصهار وإذابة النعرات القبلية والعنصرية تحت كيان واحد فيه الحد الأدنى من درجات التنظيم ، ثم جاءت من بعد ذلك الدولة المهدية والتي ساهمت في إنصهار مكونات الأمة السودانية في كيان واحد ، وذلك علي عكس ما يري محمد سعيد القدال ، اذ كان يري ان إسهام المهدية في تشكل السودان الحالي والوطنية السودانية كان بدرجة أقل لأن الإنصهار يحتاج الي درجة من التسامح حتي يمضي والمهدية كانت محض عصبية دينية ، ثم جاءت من بعد ذلك جمعية اللواء الابيض ويمكن بلا شك إعتبارها أول كيان منظم عبر عن شعور وطني قومي سوداني متجاوزاً للقبلية والاقليمية والعنصرية ، ويكفي علي نجاعتها تقرير المخابرات الإنجليزية بعد نهاية ثورة 1924، ان هناك طبقة صغيرة لكنها ذات أثر فعال و لها أفكار وطنية ، ويكفي علي تأكيد قدرتها علي صنع شعور وطني قومي المحاكمات التي جرت لأعضائها ، كان أعضاء الحركة عند سؤالهم عن الجنس يقولون سوداني ، إختفت القبلية والإقليمية والعنصرية ، رغم الضرب الذي مُورس عليهم لتغير هذه الصفة الوطنية.

علي عثمان علي سليمان
[email protected]





تعليقات 2 | إهداء 0 | زيارات 1225

خدمات المحتوى


التعليقات
#1729679 [الصاعق]
0.00/5 (0 صوت)

01-11-2018 10:56 AM
عبد اللطيف مين يا عم ،، دة كان عايز يغطس حجرنا مع الانجليز


#1729601 [Ali Ahmed]
0.00/5 (0 صوت)

01-11-2018 08:15 AM
ساذج غرر به من المصريين لعمل ساذج وفاشل كان يرمى به المصريين لوقف بناء خزان سنار واتشاء مشروع الجزيرة وادخال زراعة القطن فى السودن
والده من اعيان الخندق وليس زوج امه (راجع حديث الدكتور عبدالله حمدنا الله ) وهم من السرارى وليس من زواج


علي عثمان علي سليمان
مساحة اعلانية




الرئيسة |المقالات |الأخبار |الصور |راسلنا | للأعلى


المشاركات والآراء المنشورة في صحيفة الراكوبة سواء كانت بأسماء حقيقية أو مستعارة لا تـمـثـل بالضرورة الرأي الرسمي لإدارة الموقع بل تـمـثـل وجهة نظر كاتبيها.
Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.
Copyright © 2025 alrakoba.net - All rights reserved

صحيفة الراكوبة