المقالات
السياسة
علي عبداللطيف قصة حلم سوداني لم يكتمل (٣)
علي عبداللطيف قصة حلم سوداني لم يكتمل (٣)
01-12-2018 01:34 PM

علي عبداللطيف قصة حلم سوداني لم يكتمل (3)

11/ موقف زعماء الطائفية و رؤساء القبائل من ثورة 1924:ــــ

تاريخياً في كل معالم الحياة النازعة نحو التغير ، تتضارب مصالح القوي التقليدية مع أي جديد في الرأي والفكر ، مواقف طبقة زعماء القبائل ورجالات الدين من الثورة المهدية كان الرفض المطلق ، في عصر الإستعمار الحديث كانت هذه الطبقة تمثل الأذرع التي عمل عليها الإنجليز لفرض سطوتهم ، موقفها من ثورة 1924 يمثله مقال جريدة حضارة السودان في 25 يونيو 1924، حين كتب رئيس تحرير الصحيفة التي يملكها زعماء الطوائف الثلاثة المهدي والميرغني والهندي ، ان البلاد أهينت لما تظاهر أصغر و أوضع رجالها ، وان الشعب ينقسم الي قبائل وبطون وعشائر ولكل منها زعيم او رئيس او شيخ ، وهم أصحاب الحق في الحديث عن البلاد ، من هو علي عبداللطيف المشهور حديثا والي أي قبيلة ينتمي ، كان هذا هو الموقف الرسمي بلسان حسين شريف رئيس تحرير جريدة الحضارة ، وكأن بودلير حين قال مقولته الشهيرة كان يقصد هذه الجريدة ، لا أفهم كيف ليد طاهرة ان تلمس جريدة دون ان تشعر بالتقزز . مدثر البوشي عبر عن موقف القوي الثورية من زعماء الطوائف ورجالات الدين بشعر رصين :

فما روع العلياء الا عمائم
تساوم فينا وهي فينا سوائم
يقال رجال لا وربك
إنهم جديرون حقاً ان يقال فواطم

في عز المظاهرات كان أئمة المساجد يتحدثون عن إنتشار الدعارة ، ولا تجد أحد يحرض علي الثورة من منابر المساجد يومها ، حتي طبقة المتعلمين التي خرجت منها الثورة بعض أفرادها علي سبيل المثال أسماعيل الأزهري أبو الوطنية لاحقاً لا تجد له أثر ، في تلك الأيام أشتهر مقاله في جريدة حضارة السودان الذي تناول فيه تأثير حامض الكربونيك في حالة إختناق داخل بئر ، صالح عبدالقادر وهو أحد المؤسسين لثورة 1924 له أبيات شعر مشهورة تلخص ثورة الغضب من موقف القوي الطائفية والعشائرية من ثورة 1924 :

ألا يا هند قولي أو أجيزي
رجال الشرع أضحوا كالمعيز
ألا ليت اللحي كانت حشيشاً
فتعلفها خيول الإنجليز

12/ أسباب عدم إكتمال ثورة 1924 :ـــــ

واحدة من الأسباب المهمة في عدم إكتمال ثورة 1924أن التجاوب الجماهيري كان ضعيفاً جداً ، وجدت الثورة رفضاً من قطاعات كبيرة من الشعب السوداني ، الدعاية التي بثتها جريدة حضارة السودان كان لها عظيم الأثر في عدم التجاوب مع أطروحات 1924، سبب أخر ان عضوية اللواء الأبيض كما تقول الروايات التاريخية لم تتجاوز 150 عضو ، والعدد ليس حجة علي الحقيقة ولكنه عامل مؤثر في الثورات الجماهيرية ، نقطة أخري ان العمل الإستخباري من قبل المخابرات الإنجليزية داخل الجمعية كان مؤثراً جداً وساهم في إفساد مخططات الثورة ، قادة بارزين كانوا يقدمون المعلومات للمخابرات الإنجليزية كان أبرزهم سليمان كشة ، كذلك ضعف الوسائل التي اتخذتها الطليعة الوطنية يومها كانت واحدة من عوامل الضعف فالاحتجاج وحده لم يكن كافياً ، حتي هذا الخيار علي أرض الواقع كان ضعيفاً ، المظاهرة الوحيدة التي نُظمت تحت أعلام اللواء الأبيض كانت في 22 يوليو 1924 ، لم تشارك الحركة في التظاهرات التي أنتشرت بعد ذلك ولا يعلم أحد الأسباب وقد يكون شعار السلمية التي رفعته الحركة خصوصا بعد حظر المظاهرات بعد يوم 22 يوليو سبباً في ذلك ، كذلك رؤية عبيد حاج الأمين الأكثر سلمية والذي تولي القيادة بعد إعتقال علي عبداللطيف ، كان يري ان الحركة نجحت في إيصال رسالتها ولا داعي لمزيد من الإعتقالات في صفوف الثوار .

13/ المشهد الوطني بعد ثورة 1924 :ــــ

بعد نهاية ثورة 1924 دخلت البلاد في وضع إجتماعي وسياسي أكثر تعقيداً ، وهو الوضع الذي خرجت منه الدولة السودانية الحديثة عشية استقلال السودان ، من بعد نهاية الثورة إنزوت حركة المثقفين والمتعلمين من المشهد العام تماماً ، أغلقت المدرسة الحربية ، وضُيقت فرص التوظيف لخريجي غردون ، كذلك ساهم تخوف الإنجليز من النخبة المتعلمة في خلو الساحة تماماً للقوي التقليدية والعشائرية ، لا تعرف من الذي ابتدأ و ارتمي في أحضان الاخر ولكن الوضع ان كلاهما ارتمي في حضن الاخر ، حدث تزاوج بين القبيلة والطائفية وسلطة المستعمر ، وهو الوضع الذي ما يزال يسيطر علي المشهد السياسي السوداني حتي اليوم .

14/ نهاية الحلم :ـــــــ

بعد إنتهاء فترة سجنه لم يخرج علي عبداللطيف ظل حبيساً ، أتهم بالجنون ولا توجد مصادر محايدة تؤكد حقيقة هذا الإدعاء ، أسرته قالت يومها أنه كان في كامل وعيه عند زياراتها له في السجن ، بعض الروايات تقول أنه في فترة سجنه تعرض الي ضرب من سجين معه وكان عضواً في ثورة 1924 وهو محمد علي عبد البخيت ، والرواية الإنجليزية تقول أنه منذ تلك الضربة تأثرت قواه الذهنية ، البعض إتجه الي ان هذه الضربة كانت محاولة إغتيال برع فيها الإنجليز باستخدام عناصر سودانية ، كما حدث مع عبيد حاج الأمين الذي تعرض الي حادثة تسمم أودت بحياته ، بعد إنتهاء فترة سجنه أعيد الي سجن كوبر وقضي فيه ثلاثة سنوات ، وفي العام 1938 تم نقله الي مصر ، قضي سنوات في مستشفى الأمراض العقلية بالعباسية ، توفي في 29 اكتوبر 1948 ، في الختام لعلنا لا نبالغ إذا قلنا أن قصة علي عبداللطيف هي قصة وطن ، وليست قصة شخصية عابرة في التاريخ السوداني ، بوفاته مات الحلم السوداني الذي كان سيجعل ملامح الوطن غير الملامح التي تبدو عليه اليوم ، وبوفاته أفلتت من بين الأصابع هذه اللحظة التاريخية المضيئة في تاريخنا و التي كانت ستصنع ملامح تقوده نخبته المثقفة و المتعلمة ، وطن مختلف بلا قبلية وبلا عشائرية وبلا عنصرية وبلا طائفية.
[email protected]





تعليقات 3 | إهداء 0 | زيارات 891

خدمات المحتوى


التعليقات
#1730595 [htamrabe]
0.00/5 (0 صوت)

01-13-2018 08:14 PM
هناك من يقول ان حركة 1924 كانت موجهة ضد الأنجليز ولم تكن موجهة ضد المصريين فماذا لو نجحت الثورة في طرد الأنجليز ؟
الشي الطبيعي ان ينفرد المصريون بالسودان وعليه فان الحركة لم تكن على قدر من الوعي الكافي للأنتباه لهذا الموقف لأنه من مصلحة السودان ان يكون الأستعمار ثنائيا


#1730189 [Abu Hawa]
0.00/5 (0 صوت)

01-12-2018 05:49 PM
اردت ان اقرا المقالات السابقة و لم اوفق. ارجو من ادارة الراكوبة ادراج كل الكتاب في مكتبة كتاب الاعمدة مش خيار و فقوس


#1730129 [توفيق صديق عمر]
0.00/5 (0 صوت)

01-12-2018 03:07 PM
المهم جدا جدا يا دكتور عبدالله وغيره من الحادبين علي نجاح وانجاح شعلو الغضب والحفاظ عليها مشتعلة حتي تضيء درب الخلاص من العهر والكفر والنفاق والذل والإذلال المهم
إن نستغل فرصة ترحيل للبراميل المسمية الدعم السريع الجنجويد القتلة السفاحين ترحليهم الي شرق السودان خوفا من ما يمكن ان يحدث ولاعتماد البشير الان عليهم في كل صغيرة وكبيرة. نامل أن يلهب النظرة السالبة من قبل البشير للجيش نار الغيرة من تفضيل الدعم السريع عليهم فينحازوا الي الشعب. الفرصه مواتية جدا للخلاص


علي عثمان علي سليمان
مساحة اعلانية




الرئيسة |المقالات |الأخبار |الصور |راسلنا | للأعلى


المشاركات والآراء المنشورة في صحيفة الراكوبة سواء كانت بأسماء حقيقية أو مستعارة لا تـمـثـل بالضرورة الرأي الرسمي لإدارة الموقع بل تـمـثـل وجهة نظر كاتبيها.
Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.
Copyright © 2025 alrakoba.net - All rights reserved

صحيفة الراكوبة