السيد مبارك الفاضل نقلتْ عنه وسائط الأخبار رفضه مراجعة ميزانية الدولة، قائلاً بما معناه لن نغير فيها ولا كلمة.. ورغم أنَّ العبارة تبدو صادمة للضمير الوطني المأزوم بالأوضاع الاقتصادية الحالية، إلاَّ أنها بكل أسف تعبر عن الوضع بدقة وصدق.
أصلاً الميزانية التي يدور حولها الجدل والتراشق السياسي ليس لها من الفعل إلاَّ اسمها الدستوري.. مراسمها البروتوكولية وإجراءاتها الدستورية.. لا أكثر.. فهي مجرد أرقام ترصد وتعرض على البرلمان لإجازتها ثم تنتهي الحكاية بصدى آخر تصفيق للنواب عند التصويت (التصويت بمعنى رفع الصوت بكلمة نعم فهو تصويت بالحنجرة) ثم لا شيء.
المعلوم بالضرورة في كل العالم أنَّ الميزانية تصبح قانوناً سارياً بعد إجازتها ولا يسمح لأية جهة بتعديله أو تجاهل أي بند، إلاَّ بالرجوع مرة أخرى للجهة التي شرعته لإعادة النظر فيه.. وهي بالطبع البرلمان.. لكن الميزانية في سوداننا الموقر مجرد ورقة لا تغني من الحق شيئاً.. يستطيع وزير المالية بل وكيل الوزارة القفز فوق بنودها دون أن يطرف له جفن.. وقد رأينا المثال الأبهر لذلك العام ٢٠١٦ عندما أصدرت المالية قراراتٍ تركل الميزانية بعد أقل من شهر من إجازتها وبدء سريان تنفيذها..
مبارك الفاضل يعلم أنَّ الميزانية لا تجرح خاطر أحد.. وأنه حين الحاجة ستطأها الأرجل الحافية دون حاجة لأحذية.. فلا داعي لتكبد مشاق تعديل ما هو مفتوح للتعديل على أية حال..
ومن ناحية أخرى.. لماذا تُعدَّل الميزانية؟ الأزمة ليست في بنودها مهما التوت وتلوت.. الأزمة في اقتصاد أقر رئيس الوزراء نفسه أنه وليد مدرسة فاشلة في حاجة للتغيير.. وقبله عقلية سياسية هي أساس الفشل الماحق الذي على تربته تنمو المدرسة الاقتصادية المغضوب عليها..
من حق مبارك الفاضل أن يعتد بكل كلمة في الميزانية لأنَّ مجرد فتح الحديث حول تعديلها يعني إشارةً وتلميحاً، بأنَّ الجهاز السياسي والوزاري يحمل وزر الخطأ الذي استوجب التعديل.. وبالطبع لا يجوز في حق السلطة التنفيذية الخطأ الموجب للمراجعة والتراجع..
لا داعي لتعديل الميزانية لأنَّ أية ميزانية أخرى ولو أتت مبرأة من كل عيب، لن تصلح حال اقتصاد من سلالة واقع سياسي واقع.
التيار
المشاركات والآراء المنشورة في صحيفة الراكوبة سواء كانت بأسماء حقيقية أو مستعارة لا تـمـثـل بالضرورة الرأي الرسمي لإدارة الموقع بل تـمـثـل وجهة نظر كاتبيها.