المقالات
السياسة
ثلاثة أسباب وراء بقاء النظام 29 عاما
ثلاثة أسباب وراء بقاء النظام 29 عاما
01-21-2018 06:49 PM

خلف الستار

تعاقبت العديد من الأنظمة الديمقراطية الضعيفة والشمولية علي حكم السودان،وكان للشعب السوداني دور بارز في إسقاط بعضها بالثورات إن جاز التعبير،وفي تلك الأزمنة كانت معظم إفريقيا والشرق الأوسط غارقين في غياهب الظلام!ثم جاءت حِكومة الإنقاذ أخيرا ومكثت كثيرا!وبالطبع هنالك مجموعة من الأغلال والقيود صنعها النظام بتمعن وإحترافية عالية،تسببت في إختزال رغبة الشعب في التغيير وهي تتمثل في الأتي:-
أولا-وأد العقل السوداني وتدميره كلياً
ليس هنالك شك بأن أسباب إندلاع ثورتي مارس وإبريل إبتداءاً من 1964،تعود الي النضج المبكر للعقل السوداني ومواكبته مجريات تطور الحياة الحديثة!فكرا،ثقافةً،منهجاً وسلوكا ويبدو جليا أن تشبع الشعب بالقيم العليا والرفيعة،صبت في خلخلة عروش الطغيان وهدم جبروتهم وإستبدادهم بسلاح العلم والمعرفة.فحكام الإنقاذ كانوا من ضمن الأجيال التي حُظيت بالمعرفة الجيدة وقتها وشاركوا في ما مضي،فبعضهم درس في أعرق الجامعات القومية والعالمية،ولكنهم كرسوا جُل مفاهيمهم وعلومهم في تدمير المناهج التعليمية والتربوية التي صنعتهم،وإستبدلوها بالسخف والحشو الفضفاض الذي يعمي البصيرة،ويورث ثقافة الجهل والعنصرية ورفض الأخر شكلاً،لوناً،نوعاً،لغةً،ثقافةً ودينا.وقد وجدت تلك الآليات سطوتها عن طريق غرسها في المناهج وتغذيتها للأجيال،فتلقت أربعة أجيال حالية من ضمن السبعة المتبقية معرفة خاطئه وهم لايدرون!لذا إنهارت القيم وإندثرت المعاني النبيلة كالضمير والإنسانية،وحلت محلها البُغض،الكراهية،التمييز،الأنانية والمصلحة الذاتية وأصبح كلُ يغني علي ليلاه!ومنْ يبتئس ويتقزز من مرارة الواقع يجتر الذكريات ويعيش في جلباب الماضي الجميل المعافي من القاذورات!حتي أصبح مستقبل الشعب السوداني قطعيا في الماضي!علي شاكلة ياحليل الطلاب كانوا زمان يهزوا ويرزوا،والموظفين نضاف أنقياء تتعجب من خدماتهم،والعساكر كانوا أقوياء أفذاذ مخلصين تجاه المواطن والوطن!والمعلمين هم الأرقي اسلوبا والأرفع مكانة في المجتمع هم تاجه وعقده الفريد وهكذا دواليك.
فإستهداف بنية العقل كان ومازال له أثره الكبير في ترسيب المعتقدات السالبة،وترسيخها في الثقافة اليومية بصورة حركية،وناتج الفعل التركمي للتدمير هو فقدان الهوية الذي نجم عنه ضياع الإنسان السوداني في الوسطين الإفريقي والعربي،رغم السعي الحثيث تجاه العربنه وفكرة التسلق نحوه عبر اللون،اللغه،الثقافة والدين قد هزمه الواقع بصورة فعلية!كما أن التعالي والتسامي من سواد افريقيا وسمرتها أيضا حسمه الواقع بإثباتٍ لا جدال فية،ولكن يبقي صراع العقل المُغذي بالمعرفية السلبية يدور في فلك الحيرة دون جدوي!وكذلك من مخلفات المعرفة الخاطئه إنقسام الوجدان المشترك الي المناطقية والقبلية،وناتجه تجلي في غياب التضامن في القضايا المشتركة علي أساس الوطنية،وإنقسم المجتمع لمركز ذو نفوذ معرفي متقدم وسلطة متجبرة قابعة في اتون القبيلة وسلالاتها،وهامش هش مُحتقن ومُغذي بأيدولوجية المركز يُريد النهضة والثورة ولكنه لا يستطيع الإنفكاك بسبب التخدير الكُلي في جسده!فكل الواثبون من الهامش من أجل التحرير يُعيدون إنتاج أنفسهم في قوالب المركز بصورة أسوي!فجلهم أو كلهم يمضون في ذات المنوال ولا يدرون لماذا؟
إذن النموذجين أعلاهما أفرزا حالة من الإنكفاء الذاتي بصورة سمجه،لدرجة تبلد الحس الإنساني للسودانيين تجاه بعضهم البعض،فإنقسام الوطن مرا مرور الكرام وجُرح دارفور وجبال النوبه النازف يُبكية العالم والسودانيين يتفرجون!وأطفال هيبان والنيل الأزرق يموتون بالقذف الجوي والأحزاب تتظاهر في الخرطوم من أجل إرتفاع أسعار الخبز،والسودانيين يُسجنون في بلجيكا ويرحلون قسرا ويٌعذبون في ليبيا بوحشية قاسية ويقتلون،والجاليات السودانية تتظاهر أمام السفارات في لندن ودبلن وغيرها،ترفض الغلاء وتطالب بإطلاق سراح مُعتقلي ثورة الخبز!
وفي تقديري الذكراة المثقوبة والتفكير المُضطرب الذي يستسهل موت الإنسان وتعذبيه داخليا وخارجيا،ويُعلي شأن الخبز علي الإنسان هي نسخة كربونية من عقلية النظام المريضة،المُدمنه للفشل والدمار والأعين الحصيفه تري مايحجبه الأنظار ولكن نبتة شجرة المؤتمر الوطني الخبيثه،قد أثمرت وأتت أؤكلها لذا اصبح الجميع كيزاني الثقافة وهم لايشعرون،وربما فلح النظام في إستنساخ نفسه في الشعب وهذا ما جعله يُعمر طويلا دون غيره،وحتي الهاربين للخارج يحملون في عقولهم بقايا الفيروسات المُسرطنة،بدليل عدم إستطاعت عشرة سودانيين الإتفاق علي أمرٍ ما،أو تكوين جسم ما يحوي كل أطيافهم بعيدا عن ثقافة النظام المبنية علي التشرزم والقبلية.وطالما ظل سلوك النظام وثقافته يمشي الهوينه بين أضابير الشعب،ومنهجه المُعبي بطمس العقل من الحقائق وثقله بالخزعبلات والخرافات مُستمرا،لن يتعافي الشعب إن لم يُفطن لهذة المسأله.
ثانيا-إفساد الدين
عُرف الشعب السوداني مُنذ القِدم بعاداته وتقاليده وأخلاقه القوية المستمدة من الأديان،وهنالك الكثير من الممالك سادت وسطرت إرث إنساني نبيل،إرتبطت بالشخصية السودانية أصالةً،بسالةً،فخرا وكرما رغم محدودية العلم والمعرفة وقتها،ومعلوم أن إضعاف المعرفة يؤرث الجهل بالكثير من الأشياء،ولكن لا يضعف صفة التدين ولا يُجهض القيم المرتبطة بها،مثل تحريم قتل النفس،السرقه،الفساد وغيره.كما أن الأنفس المُتدينة تُعظم قيم الحرية،العدل والمساواة،السلام،التأخي والتسامح والتعايش السلمي بين الأديان وكافة الشعوب بمكوناتها المختلفة.
إذن عندما يأتي نظام فاسد يُصادر كل تلك القيم والمعاني،يجد الرفض والإستنكار من العلماء،الأئمه والمشايخ فيبقي أمامه خياران إما غض الطرف ومواجهة الزوال،أو إستوعاب أؤلئك النفر الكرام في زمرته المُفسده عن طريق التهديد والوعيد و شراء الذمم بأثمان بخس لذوي النفوس الضعيفة!وللأسف بعد نجاح النظام في تدمير التعليم وركله لمزبلة التأريخ،لم يكتفي بنشر ثقافة الجهل وترسيبه بل لجأ الي هدم مكون القيم وذلك بالتسلل عبر بوابة العلماء والمشايخ،وأدخلوا الكثير من الخرافات والدجل المُمنهج في الدين وسوقوهه في المساجد والخلاوي بأئمة الفسق والضلال،الأمر الذي أحدث شرخا كبيرا وأليما في المُجتمع،لأن العلماء أهل الثقة يحمون الكذبه والمأجورين مُنتهكي أعراض الناس،وسفاكي دماء الشعوب بأيات وأحاديث من المُقدسات ولا يخجلون!وهذا النهج كان ومازال أكثر فيروس مسرطن ينخر في جسد المجتمع،فعمليتي وأد العقل وتدميره كليا عبر المناهج الداجنه،وإفساد الدين من قمته العالية أفرغت الشعب من كل مضامينه ومحتوياته،وهذان الفراغان أكسبا النظام فرصته في إستخدام البعض ضد الأخر في التعذيب،التنكيل،الإغتصاب،الحروب،القتل والتمثيل بالجثث أحياناً!وكيف لا طالما هنالك عقل مُغذي بمعرفة خاطئه وقلب فقير للإيمان.
ثالثا-تفكيك المؤسسة العسكرية
لا أحد ينكر أن المؤسسات العسكرية هي حامية حِمي الشعوب ومكتسباتها،وهي تمثل القوي الضاربة السلبية التي تُفتت الأوطان وتنسفُها،وكذلك القوي الإيجابية التي تُعمر الأوطان وتبني أمجادها إن شاءت!وتواريخ الشعوب محليا وعالميا تحكي الكثير عن التجارب في المضمارين،وفي الديمقراطية الثالثة لعب الجيش السوداني دوره الرائد بقيادة سوارالدهب في النقلة النوعية،فالأتون علي ظهر الدبابات يعلمون مدي قوتها،وكذلك يدركون خطورتها إن لم يحكموا القبضة عليها،فتسلل النظام بأكمله داخل المؤسسة العسكرية بكهوله ومشايخه الفجره،أفقدتها مزيتها ووهج بزتها الوطنية وتحولت بثقلها ليد النظام الباطشه والقاهرة!وكانت ومازالت تحصد الملايين من الأرواح من أجل حماية عرش الشر المنبوذ!بل تعدي المدي أقصاه وإنتقلوا الي الخارج يحصدون المئات من أرواح الشعوب الأخري،مقابل حُفنه من الريالات والدولارات إن وجدوها،إذن العقول الخاوية الفقيرة المُدججه بالأسلحة،ولاتحمل بدواخلها أي قيمة لوازع ديني يُذكر فهي آلات تُدار بالرمود كنترول تُدمر دون أدني رحمة،ولا تُميز بين مواطن ولا جار أجنبي في السحق والتدمير،وإن سألتهم لماذا يٌجترون سمومهم المُخزنة سلفا،وإن وضعت لهم الأحرف علي النقاط،إحمرت أعينهم وإنتفخت أجسادهم قائلين يازول ما دايرين أي فلسفة معاك.بالله شوف!
الجدير بالذكر أن تطور تكنولوجيا التسليح وشهوة الأنظمة القمعية للدماء،علي الصعيدين القومي والعالمي وإنحياز الجيوش لهم بكل قوتهم المفرطة،زادت سطوة الهيمنة والإستعلاء علي الشعوب،ولكن القوي الخفية التي تدك عرش الطغاة دائما مدفونه في صدور الشعوب المقهورة،فمتي ما إكتشفوها يمكنهم توظيفها وإستخدامها ضد أولئك القلة القتله.
فثلاثية الأسباب المذكرة أعلاه كانت كفيلة بتمديد عُمرالنظام،وإنعكاساتها أيضا جعلت نصف الشعب السوداني يُغادر البلاد،ما بين هجرة أبدية وأخري مشروطة بتغيير الوضعية المأزومة،كما أن هفوات المعارضة غير الجادة زرعت المزيد من الإحباط في الواقع المُنهار،والمعارضة المصادمة بشدة أيضا لا تجد المُساندة من الأغلبية المستسلمه والمُتململه لإنجاز المرحلة،وهذا يتطلب إعادة قراءة مُتانية لتلك الظروف بصورة دقيقة،وفك طلاسم النظام من مرتكزات قوته أي إبتدار حملة توعية قوية،تستهدف كافة القطاعات خصوصا العسكرية منها وتحييدها إتجاه الشعب،ثم تصعيد حملة شبابية قوية لتصيحيح مشارب الأديان،ومقاومة تجار الدين بفكر مُدعم بالبسالة يُفضي لترميم ما تم إفساده زورا وبهتانا!فمجموع حملات التوعية ومُحاربة الفساد تعمل علي إعادة خلق وجدان سوداني مُشترك في الهوية،والروح الوطنية الأصيلة التي تكون مدخلا لثورة تغيير حقيقية تقضي علي المُستبدين والرجرجه الدهماء،وتفتح أفاق جديدة لتأسيس وطن حدادي مدادي يسع الجميع.


صالح مهاجر
[email protected]





تعليقات 6 | إهداء 0 | زيارات 1842

خدمات المحتوى


التعليقات
#1734422 [السمحة أم كفل]
0.00/5 (0 صوت)

01-22-2018 02:02 PM
خوف الناس من حركات دارفور المسلحة و خطابها العنصري هو السبب الأقوى والأهم في تمدد حكم الكيزان .


#1734417 [Salieh]
0.00/5 (0 صوت)

01-22-2018 01:46 PM
خليك فى تنظيرك دا يا مهاجر وأكل قروش اللجوء بتاعتك دى البدوك ليهادى واعمل نايم..
نسين خلال ثلاثيتك هذه ان الحكم والملك بيد الله يؤتيه من يشاء وينزعه ممن يشاء .


#1734255 [SUDANI HURR]
0.00/5 (0 صوت)

01-22-2018 07:41 AM
رابعا واولا واخيرا : خوف الناس من ان يحكمهم الجبهة الثورية رغم فشل الاخرين من الثالوث النيلي الفاشل


#1734149 [Abdalla]
5.00/5 (1 صوت)

01-21-2018 09:27 PM
هو ذاك - التجهيل بصورة رسمية - عن طريق وزارات التربية والتعليم -


#1734117 [Grfan]
0.00/5 (0 صوت)

01-21-2018 07:14 PM
حركات التمرد هي السبب الرئيسي لبقاء الانقاذ كل هذا الوقت


#1734114 [راجع للوطن]
0.00/5 (0 صوت)

01-21-2018 07:10 PM
الثورة تقوم عندما يشعر الشعب اى شعب... ان النظام عدو او ارتكب Haigh treason.


صالح مهاجر
صالح مهاجر

مساحة اعلانية




الرئيسة |المقالات |الأخبار |الصور |راسلنا | للأعلى


المشاركات والآراء المنشورة في صحيفة الراكوبة سواء كانت بأسماء حقيقية أو مستعارة لا تـمـثـل بالضرورة الرأي الرسمي لإدارة الموقع بل تـمـثـل وجهة نظر كاتبيها.
Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.
Copyright © 2025 alrakoba.net - All rights reserved

صحيفة الراكوبة