الناس كالمياه الجارية يذهبون الى المصبات البعيدة ويبقى المجرى ليستقبل غيرهم ..وقد يضيق أويتسع وهويحتويهم ثم يودعهم ..يطوون معهم زمانهم في رحلة العبور واشياءهم التي تشبه كل زمان على حده وربما يبقى منها شي للموجات القادمة في طريق الأثر !
كانت القطارات تتلوى خلف قضيبها الملتصق بالمسافات يقرب بين شرقها وغربها ..والبواخر النيلية يعزف لها اليم لحنا يرافقها من الأسكلة الى الرجاف ..والخطوط الجوية السودانية تبتسم لقدومها مدرجات المطارات البعيدة فخورة بملامسة أجنحتها الخضراء حيثما حلت وتلوح لها بأكف الشوق إنتظارها لعودة طائرها الميمون !
مثلما كان إحتضان المسامع لذبذبات المذياع هو السلوى ..ومجلة الإذاعة والتلفزيون تمثل السمع والشوف لمن لم تتدلى اسلاك الكهرباء في
بيتوهم أو تسقط أشعة الشاشة الفضية المبهرة بلونيها الأبيض والأسود في عيون ريفهم حتى القريب من الخرطوم قبل أن تتلون لاحقاً !
كان الملحنون والفنانون يلتقطون أجمل الشعر من صفحات مجلة هنا أمدرمان ..ليبثوها نغما في مسامع كل السودان ..وكان المصلحون والمصلحات الإجتماعيون ..يتلمسون الحلول للعشاق عبر زاوية مشاكل لها سيقان ..فينفصم الرباط بنصيحة شافية أويلئتم المنفصم بتوجيهات صادقة !
اين تسهر هذا المساء يشدك عمودها ..الى أيٍ من دور العرض السينمائي التي سترتادها مع الأسرة أوحتى مع شلة الأنس ..حينما كانت
الصحيفة الورقية وجبة دسمة في حد ذاتها تلتهم العقول كل صفحاتها لتزداد جوعا في انتظارإصدارة الغد الباكرة..قبل أن تتحول في هذا الزمان عند الكثيرين الى مجرد فرش للأكل أوللفه والأعين مشغولة بالواتساب ..وقد زادت حاجتها الآن لهذا الغرض بعد منع استخدام أكياس ومفارش البلاستيك ..في تفككٍ أسري لم تعد وجبة الغداء مع نشرة الثالثة هي اللمة التي تتوزع فيها إهتمامات الكل ..فالسياسة وأخبار الوفيات للأب وتكون انباء الرياضة للأبناء ..بينما تحضير المائدة وفضها من إختصاص الأم وبناتها !
عشنا أمسنا ولم نرفض حاضر الأجيال الحالية كله ..وإن أمدالله في الآجال سنأخذهم معنا الى زمان غيرهم الذي لن يكون في ذات إيقاع اليوم ولا في صوره ولا معطياته ..وهكذا دورة الحياة التي تسوقنا بقياد التبدل ..فمن قال زماني كان الأجمل من حقه ولكن لا يحق له أن يعيب زمان غيره دون تمحيص ..فالعيوب ليست في الأزمنة ولا الحسنات وإنما في أناسها ..إن هم جملوها بطيّب الأفعال حُسنت ..وإن اساءوا فيها التصرف لن تجمل قبحها كل الوان التحسر عليها بسرد الذكريات الزائفة..بعد أن تمضي في خطى موجات ذات الجدول المتبدل المياه. [email protected]
يا سلام...نشرة أخبار الثالثة عصراً و قبلها عاااالم الرياضة حيث يكون كل أفراد الأسرة متحلقون حول صينية الغداء!! هل كان النهار في ذاك الزمان طويلاً مقارنة بنهار اليوم؟!
المشاركات والآراء المنشورة في صحيفة الراكوبة سواء كانت بأسماء حقيقية أو مستعارة لا تـمـثـل بالضرورة الرأي الرسمي لإدارة الموقع بل تـمـثـل وجهة نظر كاتبيها.
1 | 
0 | 
635
