من الجيولوجيا والجغرافيا والتاريخ للحقيقة والتاريخ (4)
01-27-2018 05:54 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
ذكرنا في المقالين السابقين ان العلوم الجيولوجية والجغرافية والتاريخ، قديمه وحديثه، ثم العلوم الوراثية والاحياء الجزيئية تستطيع ان تغير المفاهيم المقلوبة والتزييف الذي تعرض له تاريخ العالم ، خاصة تاريخ السودان القديم والحديث الذي نعتبره صاحب اقدم وارقى حضارة بشرية قبل وبعد نوح وطوفانه.
ناقشنا في الحلقة السابقة الخطوط العريضة لجيولوجيا وتاريخ النيل ، خاصة الجزء الشمالي منه الذي يمر بمصر، ونحاول أن نربط ذلك بتواجد الانسان بتلك المنطقة في تلك الأزمان اثناء تطور النيل منذ ميلاده حتى نضجه (النيل الحيث). بهذه المناسبة في كتب الجيولوجيا والجغرافيا يتحدثون عن عدة (أنيال)، وهي جمع نيل، وهي الي كونت النيل الحالي.
• النيل بدأ في مصر خانقاً عظيماً منذ ستة ملايين سنة ولم يتم إتصاله بأفريقيا الإستوائية إلا منذ 800( ألف سنة) فقط وأن النيل الذي نراه اليوم هو نهر حديث ولد مع أمطار (الفترة المطيرة) التي أعقبت تراجع ثلوج العصر الجليدي (الأخير) منذ حوالي (عشرة آلاف سنة), وقد قلت المياه التي يحملها النهر منذ أن إنكمشت جبهة أمطار هذه الفترة منذ ( آلاف سنة).!
• توجد دراسات عن موضوع إستخدمات مياه النيل منذ أن نزل (الإنسان )على ضفاف النهر منذ (مئات الآلاف من السنين) وكيف إستطاع أن يستغل بيئة النهر التي تغيرت عبر هذه السنوات الطوال لتطوير معائشه، متنقلاً من الصيد، وجمع النبات البري والدرنات، وصيد الأسماك، إلى الزراعة البدائية، فالزارعة بإستغلال ظاهرة الفيضان ،ثم بترويض النهر حتى تمام ضبطه بالكامل ببناء السد العالي.
• يشكل نهر النيل (ظاهرة جغرافية فريدة) في شمال أفريقيا, فهو (النهر الوحيد) الذي إستطاع أن يشق طريقه قيها وأن يحمل جزءاً من مياه أفريقيا الإستوائية إلى البحر الأبيض المتوسط عبر قفار الصحراء الكبرى.
• والنيل هو النهر الوحيد الذي يصب في جنوب البحر الأبيض المتوسط، وذلك بعد أن يقطع رحلة طويلة عبر الصحراء الكبرى ينساب فيها لمسافة 2700 كيلومتر, فيما بين عطبرة والبحر دون أن يتلقى رافداً واحداً أو أية كمية تذكر من المياه – وتعتبر مثل هذه الرحلة فريدة وظاهرة نادرة من الظواهر الجغرافية، إذ لا يكاد يكون هناك نهر آخر تمكن من الجريان لهذه المسافة عبر قفار دون أن تتبدد مياهه وتتساقط الرواسب التي يحملها في دلتا داخلية قبل أن يصل إلى البحر و
• ومن أمثلة الأنهار التي لم تستطع أن تقطع أية مسافة تذكر بعد أن إنقطعت عنها منابع مياهها نهرا القاش والبركة اللذان ينبعان من المرتفعات الأثيوبية ثم يجريان إلى مسافة قصيرة عبر سهول أريتيريا والسودان القاحلة قبل أن تتبدد مياههما وتتوزع الرواسب التي يحملانها في دلتاوات داخلية، وسنرى فيما بعد أن نهري العطبرة والنيل الأزرق سلكا، في بعض الأوقات السالفة التي ساد فيها الجفاف، المسلك نفسه وتبددت في الصحراء قبل أن يصلا إلى النيل.
• وقد أمكن للنيل أن يقطع رحلته عبر الصحراء الكبرى نتيجة (أحداث جيولوجية فريدة)، أهمها تلك التي سمحت له أن يكون له مصدران للمياه:
1) واحد من هضبة البحيرات الإستوائية، حيث تتساقط الأمطار على مدار السنة وحيث الأنهار غير الموسمية لا تتغير فيها كمية المياه التي تحملها من موسم إلى موسم لأكثر من الضعفين,
2) والثاني من المرتفعات الأثيوبية ذات الأمطار الصيفية، وحيث الأنهار موسمية تحمل من المياه في موسم الأمطار ما يزيد على 40 ضعف ما تحمله في المواسم الأخرى.
وقد تشكلت (تضاريس) هاتين المنطقتين نتيجة أحداث جيولوجية حديثة العهد نسبياً تسببت في توجيه تصريف المياه التي تسقط عليهما (ناحية حوض نهر النيل), وإنه لمن اللافت للنظر حقاً أن معظم تصريف المياه التي تسقط على المرتفعات الأثيوبية يذهب إلى (الغرب ناحية النيل) ولا يذهب إلا أقله ناحية البحر الأحمر, الذي ينفرد من بين جميع بحار العالم بعدم وجود أي نهر يصب فيه.
كما ادت هذه الأحداث الجيولوجية إلى شق وتشكيل ذلك الجزء من النهر الذي يخترق (هضبة النوبة)، تلك الهضبة التي تشكل معبراً تصل عن طريقه مياه النيل إلى البحر الأبيض المتوسط.
• ينبسط النيل في بعض أجزائه التي يجري فيها سهول قليلة الإنحدار, وينحدر إنحداراً شديداً في أجزاء أخرى.
• يمكن تمييز 5( بسطات قليلة الانحدار) هي من الجنوب إلى الشمال بسطات بحيرة فيكتوريا، وبحيرة كيوجا، والامتداد من بحيرة ألبرت إلى نيمولي، ومن جوبا إلى الخرطوم، ومن وادي حلفا إلى البحر الأبيض المتوسط.
• أما (امتدادات النهر) التي تربط بين هذه البسطات فهي (شديدة الإنحدار)، يعترضها الكثير من الجنادل والشلالات، وتبدو من حيث الشكل والتكوين (حديثة العهد).
• ويظهر أن بسطات النهر المختلفة كانت تشكل قبل نشأة هذه الإمتدادات الشديدة الإنحدار والحديثة التكوين( أحواضاً مستقلة ومنفصلة) بعضها عن بعض.
• تختلف كل بسطة من البسطات الخمس عن الأخريات من حيث المساحة وشكل المقطع وكمية المياه التي تحملها، وكذلك في أصلها ونشأتها.
• أما البسطات الأربع الجنوبية فيبدو أنها (شكلت أحواضاً ذات تصريف داخلي) لمدة طويلة من الزمان. فقد جاء إنفتاحها ووصول مياهها إلى البحر حديثاً وفي( فترات متقطعة) – كما كان إتصال بعضها بالبعض متقطعاً، يحدث في الفترات التي تزداد فيها الأمطار حين يرتفع منسوب المياه في البحيرات فتفيض على جنباتها وتصل إلى الأحواض المجاورة.
• أما في الفترات التي كانت فيها الأمطار قليلة فقد تقلصت مساحة هذه البحيرات حتى (جفت) في كثير من الأحيان و إنقطعت صلتها بما جاورها من أحواض.
• وتقع البسطات الثلاث الجنوبية في هضبة البحيرات الاستوائية ذات الأمطار الغزيرة نسبياً (بمتوسط 1200 مم في السنة).
• أما البسطة الرابعة والتي تمتد من جوبا حتى الخرطوم فتكون (حوضاً داخلياً هائلاً ) يغطي الجزء الأكبر من السودان تهطل عليه أمطار أقل غزارة. يتصل هذا الحوض الأخير في الوقت الحاضر بنيل مصر، فالبحر الأبيض المتوسط، عبر هضبة النوبة (سريع الجريان كثير الجنادل والشلالات).
• لقد كان (إتصال) هذه الأحواض ببعضها وإدماجها في نهر واحد كالذي نراه اليوم حدثا (حديثاً نسبياً). فنهر النيل الحديث ليس إلا (مجموعة من الأحواض والأنهار) التي اتصل بعضها بالبعض في (عصر متأخر جداً) لتشكل النهر الذي نعرفه الآن.
• ويبدو من الأدلة المتاحة أن (نشأة النهر الحديث) تعود فقط إلى حوالي (10 آلاف سنة) مضت.
• تقع البسطات التي يخترقها نهر النيل الحديث في أحواض هي جزء من منظومة الأحواض الداخلية التي تمتلئ بها القارة الأفريقية
• في الحلقات القادمة سنوضح تاريخ النيل الأزرق والأبيض والنيل العظيم والبحر الأحمر..الخ ان شاءالله .
نبيل حامد حسن بشير
جامعة الجزيرة
[email protected]
|
خدمات المحتوى
|
بروفيسور نبيل حامد حسن بشير
مساحة اعلانية
الاكثر مشاهدةً/ش
الاكثر تفاعلاً
|