المقالات
منوعات
مصطفى سيد أحمد 22 سنة من الحضور رغم الغياب وقفة قصيرة
مصطفى سيد أحمد 22 سنة من الحضور رغم الغياب وقفة قصيرة
02-12-2018 11:50 PM

عندما كان الفنان مصطفى سيد أحمد موجود خارج السوداني كُنا نحتفل عندما نتحصل على شريط كاسيت يحوي عدد من أغنياته الجديدة ولو عُرض علينا الذهب في مُقابل شريط كاسيت يتغنى فيه مصطفى سيد أحمد لأخترنا الكاسيت بدل الذهب وهذا لم ينبع من فراغ وقد قال الشاعر الراحل المقيم حميد حين رثاه :( ما جانا عشقك من فراغ لا نحنا غنيناك عبط..جيّت رسول إنسان فقط بيناتنا ما بينهم ربَط)؛
وبالفعل لم يأتي عشق الملايين للفن الأستاذ مصطفى سيد أحمد من فراغ فأولا" :مصطفى سيد أحمد وقتها ومازال يمثل نقاء الإنسان السوداني المُتجرد من كل شيئ ماعدا حُبه لوطنه ولاهل السودان؛ولكونه يمثل المثل الأعلى لنا في مقاومة الظُلم الذي وقع على الشعب السوداني في كل فترات الحُكم الديكتاتوري بدءا" بنميري ثم عمر البشير وهذا من ناحية؛ ومن الناحية الأخرى كانت أغنيات مصطفى سيد أحمد واراءه الثاقبة في ققضية الوطن تصل إلينا ضمن هذه التسجيلات في شكل اراء وونسة تتخلل جلسات الإستماع التي كان يقدمها بالعود لمحبيه في كل مكان.
الشيئ الثاني والمهم أن الفنان مصطفى سيد أحمد قد تبنى نهجا" مُختلفا" في تقديم الغناء عن ما كان هو سائد قبله إذ أنه ربط الفن بهموم الناس اليومية بكل نواحيها السياسية والإقتصادية والثقافية وفي الأخيرة كان يمثل لنا البلسم الذي نردُم به الهوة الثقافية في تلك الفترة التي أغلنت فيها حكومة عمر البشير مشروعها الحضاري المزعوم وتلته بإجراءات حاربت من خلالها المنابر الثقافية حتى أوصلتها مرحلة الجفاف الثقافي ؛ بل ذهبت لأكثر من ذلك بمنعها تسجيل وبث الأغنيات العاطفية عبر إذاعة أم درمان وتلفزيون السودان.

وأذكر في هذا المضمار أن وجود شريط كاسيت واحد لمصطفى سيد أحمد بحوذة أي شخص سوداني ؛خاصة تلك التي كانت تأتي من الدوحة ودول أخرى تواجد فيها أثناء فترة وجوده خارج السودان يمثل عند أهل السُلطة جريمة تصل حد وصف حامله بالخيانة العُظمى للوطن؛ ذلك كون مصطفى سيد أحمد كان مثل المرايا الناصعة التي كانت تكشف وتكشف أوجه القُبح لهذا النظام المتسلط على شعبه بإسم الدين منذ 30 يونيو 1989م وحتى لحظة كتابة هذه السطور ؛والسبب في ذلك نستشفه من مقولة أطلقها الفنان الراحل المقيم مصطفى سيد أحمد عندما أجرى معه الشاعر الجميل عزمي أحمد خليل بالدوحة والذي تحدث له مصطفى سيد أحمد حديث الصراحة وقال أن نظام الخرطوم أرسل له العديد من الناس في الوسط الفني وغيره ليقنعوه بالعودة لأرض الوطن وكان مصطفى يرى في هذه الدعوات مؤامرة تُدبر له ليعود إلى السودان ليتم تكميم فاهه وإسكات صوته في حال تواجده داخل السودان بالإضافة إلى ذلك كان يرى أن وجوده داخل السودان في تلك الفترة سيُضيع عليه فرصة تلقي العلاج بكُل العجز الذي تعانيه مايكنات غسيل الكُلى في السودان وقال في ذلك :(( إذا كانت الملاريا تُمثل معضلة يصعُب القضاء عليها ومات بسببها العشرات فكيف يمكنني أن أعود إلى السودان وأنا أعاني من الفشل الكلوي وأذهب لعملية إجراء الغسيل ثلاث مرات في الإسبوع؟).

من الملاحظ أن حتى الذين يختلفون مع مصطفى سيد أحمد ومن الذين لايستمعون إلى مصطفى سيد أحمد يكنون له كل إحترام كبير لأنه ليس بوسعهم ذكر سيرته بخلاف ذلك وأذكر في هذا خبر سمعته من أحد الأصدقاء أن أحد الصحفيين سأل رئيس الوزراء السابق السيد الصادق المهدي :((هل تستمع للفنان مصطفى سيد أحمد؟)
فكان رد رئيس الوزراء السابق مختصرا" وعميقا" في نفس اللحظة حين رد قائلا" (أفتكر أن أي سوداني لايستمع للفنان مصطفى سيد أحمد داقس و ماعنده وطنية ).

وحتى الذين لايسمعون له كثيرا" تجدهم يرددون معه(( إلا باكر ياحليوة لما أولادنا السُمُر إبقوا أفراحنا البنمسح بيها أحزان الزمن ))
والكثيرين بمن فيهم الأطفال يرددون ((حلوة عينيك زي صحابي وزي عنب طوّل معتق في الخوابي وسمحة زي ماتقول ضيوفا" دقوا بابي ....ألخ الأغنية.))
طبعا" أغنية ( نفسي في داخلك أعاين ) المعروفة عند الناس بحلوة عينيك زى صاحبي نصها طويل وقبل سنوات نشرت تسجيل لها بالعود على مايبدو كانت المحاولات اللحنية الأولى للأغنية لأن مصطفى تغنى بالنص كامل ثم اختصره في النهاية إلى الأغنية التي سمعها كل الناس؛ في حفل الدوحة عيد الأضحى الشهير شيرتون 1995م وكانت جلست الإستماع التي تغنى فيها بالقصيدة كاملة تضم الشاعر بشرى الفاضل وهو أكبر سنا" من مصطفى بقليل وقال له مصطفى ممازحا" قبل أن يتغنى بأغنية الجبال قالت غروب التي كتبها أيضا" بشرى الفاضل قال له مصطفى:((إنت أكبر مني نقولك الخال ولا مابتقبل؟))وبشرى الفاضل قاله مابقبل..!
وضحك مصطفى ضحكة أنت نعرفها جميعنا في مثل هذه المواقف عندما يمازح شخص ما.
وفي تلك الجلسة تحدث مصطفى سيد أحمد عن غربة الأديب السوداني ومعاناته في الغربة وتناول تجربة الشاعر الكبير الراحل عبد الرحيم أبوذكرى والتي إنتهت النهاية المأساوية المعروفة كما قال مصطفى في الجلسة وبعد كلامه عن أبوذكرى تغنى برائعة أبوذكرى الرحيل في الليل التي حملت إسم ديوان الشعر المعروف لأبوذكرى وتحدث مصطفى أيضا" عن قراءته لهذا الديون ولماذا إختار هذا النص تحديدا" دون غيره من قصائد الديوان إذ ذكر مصطفى أنه عندما قرأ قصيدة الرحيل في الليل أنه شعر بأن بأن الصور الشعرية لكل قصائد الديوان(البيئة النفسية للشاعر) تكاثفت حول هذه القصيدة لذلك إختار قصيدة الرحيل في الليل والتي قال عنها إنه عندما أمسك بالعود ليلحنها أتاه اللحن دفعة واحدة وهو اللحن النهائي الذي سمعناه ولم يدخل عليه أي تعديلات لاحقة.
وهذا هو الفرق بين مصطفى سيد أحمد وبين كل أبناء جيله من رموز الفن السوداني الفنان الذي يحمل ثقافة من الطراز الفريد وله مواهب متعددة إذ أنه يجيد كتابة الشعر وفهمه ويتعامل مع الرسم والريشة وكان الضوء الإضافي الذي يمنح اللوحة إزدواجية القراية وفوق ذلك كله فهو الإنسان في زمن اللا إنسانية وعندما كنا نستمع لأشرطة الكاسيت التي كانت تصل من الدوحة ومصر والسعودية وليبيا وحتى تلك الجلسات التي كان يحييها في السودان نلمس أن مصطفى كان أكبر رابط إجتماعي يجمع عدد كبير من الناس حوله في تك الجلسات التي كان له رؤية متقدمة حولها خلافا" لما سبقه من فنانين؛فأنت عندما تستمع لأغنياته في الكاسيت تجد الجلسة تعج بالناس والأطفال والنساء في أبهى صور الرقي والفن الأصيل والأهم أن فلسفته لهذه الجلسات كما ذكر هو تتمثل تقديم مفهوم مختلف للقعدات العادية التي كان يقيمها ماسبقه من فنانين حيث كان يقدم أغنياته في السودان بالعود وفي مواجهة مباشرة مع جمهوره ويستمع في نهاية الجلسة الفنية لاراءهم حول الأغنيات التي يقدمها وهذا هو الفنان الحقيقي والفن الأصيل.
مليون رحمة لمصطفى سيد أحمد وشكرا" تاني لمصطفى سيد أحمد على هذا الألق في زمن الخفوت.

بابكر الصادق يوسف
[email protected]





تعليقات 2 | إهداء 0 | زيارات 1080

خدمات المحتوى


التعليقات
#1742373 [izz]
0.00/5 (0 صوت)

02-13-2018 11:51 AM
شكرا لك .. فتحت في جوانا فرحا ومواجع ..
لك الرحمة والمغفرة ايها المسكون فينا


#1742368 [kanzaman]
0.00/5 (0 صوت)

02-13-2018 11:35 AM
نسأل الله لمصطفى الرحمة و المغفرة و أن يحشره مع الصديقين. آمين


بابكر الصادق يوسف
مساحة اعلانية




الرئيسة |المقالات |الأخبار |الصور |راسلنا | للأعلى


المشاركات والآراء المنشورة في صحيفة الراكوبة سواء كانت بأسماء حقيقية أو مستعارة لا تـمـثـل بالضرورة الرأي الرسمي لإدارة الموقع بل تـمـثـل وجهة نظر كاتبيها.
Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.
Copyright © 2024 alrakoba.net - All rights reserved

صحيفة الراكوبة