الحكومة كثيراً ما تتحدث عن علاج ظاهرة ما أسمته بالتطرف والانحراف الفكري، ولكن تمضي الأيام ولا تفعل شيئاً غير الكلام، وقد سبق وأن أسست مركزاً أسمته مركز أبحاث الرعاية والتحصين الفكري يتبع لمجمع الفقه الإسلامي، المركز برئاسة رئيس الجمهورية وعضوية عدد من الوزراء، وقيل إن هدفه حماية البلاد من الانحراف الفكري والعقدي والأخلاقي عبر البحوث والمؤلفات التي تحصن الشباب. وسبق أن قلنا إنه هدف مستحيل لأنَّ البحوث والمؤلفات وحدها لن تحمي البلاد من أي شيء، ما لم توجد سياسات ترعى المجتمع وخاصة الشباب وتسلحه بالعلم والمعرفة، وتضمن لهم الاستقرار والتقدير والحب والتقدير وتمنحهم الحرية.
المجلس الأعلى للدعوة والإرشاد بولاية الخرطوم نظم منتدىً علمياً حول (الانحراف العقدي المفضي إلى الإلحاد) وقام بتسليم التوصيات لوالي الخرطوم الذي تعهد بدعم المؤسسات الدعوية، ومراكز الدراسات التي تعمل على تزكية المجتمع وتحصينه ضد (الثقافات الوافدة) مع أنها أحياناً تكون جيدة. الوالي أشار إلى ضرورة وجود جسم من العلماء والمفكرين ليتصدوا بالدراسة للانحرافات العقدية والذود عن الدين الحنيف. وقال إنَّ الخرطوم بها أكثر من 500 ألف طالب جامعي وهي الفئة المستهدفة بالتحصين والبناء الفكري السليم، وأنَّ المجتمع السوداني مبني على الفطرة السليمة، إلا أن الانحرافات تحدث وسط المجموعات المستنيرة، بجانب الانتشار الواسع لوسائل التواصل التي خلقت بيئة خصبة لانتشار الأفكار.
مرة أخرى نقول للسيد الوالي إنَّ ما تقومون به هدر للأموال والزمن، لأنَّ دعم المؤسسات الدعوية ومراكز تزكية المجتمع لن تقدم حلاً واقعياً وإنما كلام وتنظير، ثم من قال إن الانحرافات الفكرية تحدث وسط الفئات المستنيرة، إن كانت مستنيرة لما انحرفت ولتصرفت باستنارة، الانحرافات الموجودة في المجتمع السوداني هي من إنتاج سياسات الحكومة.
العلاج الحقيقي الذي يبحث عنه الوالي له علاقة ببناء الأمن الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، وإنقاذ المجتمع من حالة الفقر والانكسار والانحطاط التي يعيشها، فحكومتكم يا سعادة الوالي دمرت كل البنيات الأساسية التي وجدتها، وأنتجت مجتمعاً فقيراً يفيض بالمشاكل الاجتماعية والجهل والمرض، ويعيش حالة غربة وهو في وطنه، فماذا تنتظر من شباب يعيش في هذا المجتمع، لا شك أنه حين يفكر في المخرج فإنه يتصرف حسب ما أتيح له من معرفة وخبرات وتجارب في المجتمع. وعليه فإنَّ أي خيار خطأ يختاره أنتم من تتحملون مسؤوليته.
الانحرافات العقدية يا السيد الوالي لا تتصدى لها مراكز الأبحاث، فما هو متوفر من أبحاث وتوصيات من جميع أنحاء العالم، مراكزكم لن تأتي بأفضل منه، ولا يمكنها الذود عن دين جعلته الحكومة سلعة للتجارة وقدمت عنه صورة مشوهة وغير حقيقية خلال 30 سنة، وما تقومون به اليوم أيضاً لا يحمي المجتمع، بل يحميه الوضع الاقتصادي الجيد والاستقرار الاجتماعي والعلم القوي والتأهيل، تحميه الحرية والديمقراطية والإحساس بالانتماء والتقدير.
خلاصة القول حكومتكم يا سادة، حكومتكم هي من تعاني من الانحراف الفكري والعقدي، وهي أحوج إلى البناء العقلي السليم والتحصين وتزكية نفسها من المجتمع، لأنَّه كيفما تكون الحكومة يكون المجتمع، واستقامته مرهونة باستقامة الحكومة.
يجب مراجعة الفكرة الارهابية التي استند عليها الاسلام السياسي و جماعة الاخوان المسلميين لانها خاطئة و فيها انحراف كبير في العقيدة و الشعائر و النهج و المسلك
المشاركات والآراء المنشورة في صحيفة الراكوبة سواء كانت بأسماء حقيقية أو مستعارة لا تـمـثـل بالضرورة الرأي الرسمي لإدارة الموقع بل تـمـثـل وجهة نظر كاتبيها.