السياسة البشير يقفز من معسكر الاعتدال الخليجي ويهرول إلى الممانعة الإيراني..!!
البشير يقفز من معسكر الاعتدال الخليجي ويهرول إلى الممانعة الإيراني..!!
12-17-2018 09:09 PM
أحمد عثمان جبريل
كان من عادات الفيلسوف اليواني سقراط، أن يمضي وقته في شوارع أثينا يتحدث إلى الناس، فيذهب إلى الحذاء ويسأله ما هو الحذاء؟ وإلى الخباز ليسأله ما هو الخُبز؟ وإلى الفنان ليسأله ما هو الفن؟ كان شغله الشاغل السؤال عن ماهية الأشياء .. ونحن كذلك معشر الصحافيين عُلمنا على أن نكرر السؤال حول ماهية الأشياء نفسها للوصول إلى كنهها.. ولذلك نسأل سؤالا مباشرا لماذا كسر البشير طوق الحصار العربي على سوريا، وزارها بالأمس كأول رئيس عربي ؟ وهو فعل يفسر منطقيا على أن الرجل قد وضع بذلك نقطة في آخر سطر معسكر " الاعتدال" الخليجي الأمريكي، وقفز منه مهرولا نحو " معسكر " الممانعة " الروسي الإيراني السوري.
وقبل الإجابة على هذا السؤال، نعود بالذاكرة إلى ثلاثة سنوات ماضية، عندما أنهى البشير وهو يصارغُ بداية أزمته الاقتصادية التي استفحلت عشرات المرات هذه الأيام، تحالفا قويا مع إيران، كان ملء السمع والبصر، وتتوجس منه كل المنطقة، فيما شكل مصدر قلق وصداع مستمر للولايات والمتحدة الأمريكية و إسرائيل، فعملا من خلال الـ (السي أي أيه) و(الموساد) على تجنيد طواقم من العملاء والجواسيس والمحليين والاستراتيجيين، لرصد هذا التقارب وعد انفاسه ليلا ونهارا، مستعملة معه القوى في أحيان كثيرة، فضربت اسرائيل بالصواريخ الموجهة أهدافا عسكرية في الخرطوم وبورتسودان.
وفي الجانب السياسي نجحت الولايات المتحدة الأمريكية في استدراج البشير، وتفكيك هذا التقارب الاستراتيجي السياسي والعسكري والأمني، بمغريات جزرة الوعود برفع الحظر الاقتصادي عن السودان، وفع اسمه عن لائحة الدول الراعية للإرهاب، وما أن قفز البشير عاليا من المعسكر الإيراني، وهرول نحو المعسكر الخليجي الأمريكي، بعد أن سال لعابه لمغريات دولارية أخرى، حتى فوجيء بعدد من الشروط، كان أولها إزاحة الصف الأول من القيادات الاسلامية من الحكم، وبمجرد أن نفذه تلقى شرطا آخر، و هو الترتيب لانتخابات نزيهة في 2020 برعاية الأمم المتحدة والتحضير لها قبلا بحوار وطني يفضي إلى مشاركة حزبية وطنية جامعة، شريطة أن لا يكون البشير من بين أحد المرشحين؛ وهنا "جن جنون الرئيس" وقال لهم :" حسبكم جميعا السماء أقرب ــ هذا الشرط دونه الرقاب" وطفق راجعا يجرر ثياب الخزلان المبين، رغم كل ما قدمه؛ ولذلك صدح بقولته الشهيرة التي سار بها الركبان " المتغطي بأمريكا عريان ". وفي خضم المعناة التي يعيشها النظام الآن، بعد أن أطبقت الأزمة الاقتصادية على رقابه، وزادت قوة خنق "تلابيبه" فكانت هذه المرة أكثر إيلاما وقوة، بفعل أيادي خفيه في داخل النظام متمردة، بعد إصرار البشير على ترشيح نفسه لانتخابات 2020 ، فكان لابد أن يغير البشير من استراتيجيته لفك هذا الحصار، فتيمم شرقا نحو الرئيس الروسي فلادير بوتين، إلا أن بوتين لم يكن أفضل حالا من الآخرين، فطالما أنك لا تملك قٌوتك فكذلك لا تملك قرارك، وما أمامك إلا أن تنفذ الشروط، فكأن أول شروطه أن يعمل السودان بما يملكه من إمكانات أمنية مهولة في محيطة الأفريقي، على مساعدة روسيا لإيجاد موطأ قدم لها في جمهورية أفريقيا الوسطى حيث المعادن النفيسة، والعمل على تهيئة الأرضية الصالحة لذلك بتقريب فرقائها إلى السلام، فتواجد روسيا في تلك المنطقة هدف استراتيجي وحلم قديم للهيمنة على مقدرات منطقة غرب أفريقيا المعدنية والتي من ضمنها أفريقيا الوسطى، فنجح السودان في ذلك وقدم عظيم جهده، فساعد بكل قوته لتحقيق هذا الهدف، رغما ما لاقاه من عنت مع الجانب الفرنسي، باعتبارها منطقة نفوذها الاستعماري؛ بعدها تلقى السودان شرطا روسيا جديدا وهو الاصطفاف إلى جانب معسكر الممانعة الروسي السوري الإيراني الذي يبدو من مآلاته أن تركيا وقطر في الطريق إليه قريبا، فكان بالأمس بداية المشهد الذي سيكون بالتأكيد له ما بعده، فقلب البشير غير مباليا الطاولة على معسكر " الاعتدال" الأمريكي الخلجي؛ وهي خطوة حسب التعريف الأمني والاستراتيجي والتفاهم والتنسيق الدبلوماسي، تعني في توتر العلاقات السودانية الخليجية، كما تشير بوضوح إلى أن قطعه لعلاقاته مع إيران كان تكتيكا " مرحليا قد اقتضته الظروف الاقتصادية وتضعضع البيت الداخلي في ظل ما تشهده المنطقة والسودان نفسه من صراعات.
إننا من خلال هذه الزيارة والتي سيكون لها ما بعدها، نستطيع القول أن السودان أعاد كذلك علاقاته الاستراتيجية مع إيران، وذلك بالنظر إلى أن النظامين الإيراني والسوري يعتبران "عينان في رأس واحدة" خاصة وأن هناك حديثا لمراقبين، عن أن زيارة البشير لسوريا جاءت متزامنة مع زيارة مسؤول إيراني كبير لدمشق أمس.
ولكن قبل الحديث عن التقارب الإيراني السوداني من جديد ؟ هل ستكتفي روسيا بهذه الشروط، أم أنها ستقدم شروطا جديدة للبشير؟ . كذلك ما هو الثمن الذي سيجنيه السودان من توجه نحو المعسكر الروسي الايراني السوري؟
يقول مراقبون، أن روسيا وعدت البشير بتقديم دعم مادي كبير "وديعة" وغذائي "قمح" ونفطي " غاز وبترول" إلى جانب مساعدته من خلال ما وقعته حكومتا روسيا والسودان مؤخرا من اتفاقيات للتعاون في مجال الاستخدام السلمي للطاقة النووية، " محطة كهرباء " واستخراج النفط والذهب، إضافة إلى التعاون في المجال الزراعي وتقنياته وصناعاته، كذلك المجالات العسكرية وصناعاتها.
وكان البشير نفسه قد أكد في لقاء جمعه مع ضباط وجنود ببورتسودان مؤخرا، إن الخرطوم وموسكو لديهما برنامج لتطوير القدرات العسكرية السودانية، يهدف إلى التصدي لأي تهديد يواجه السودان، كاشفا عن "برنامج تعاون عسكري كبير لتطوير القوات المسلحة، لتكون قوة رادعة لكل من تسول له نفسه المساس بالأمة" وسبق أن زودت روسا السودان قبل سنتين بمقاتلات من طراز " سخوي 35 " كأحدث مقاتلات عسكرية تمتلكها القوات السودانية، وذلك في الوقت الذي يعتمد فيه سلاح الطيران السوداني على المقاتلات الروسية.
المشاركات والآراء المنشورة في صحيفة الراكوبة سواء كانت بأسماء حقيقية أو مستعارة لا تـمـثـل بالضرورة الرأي الرسمي لإدارة الموقع بل تـمـثـل وجهة نظر كاتبيها.