لله درك كاتب هذا المقال الرائع الذي لخص بصدق منقطع النظير الحالة السودانية الطافية على مسرح الاحداث الملتهبة التي يشهدها الوطن منذ 19/12/2018
ماتضمنه المقال يصلح دستورا للوطن في المرحلة القادمة وهو يستشرف عمق الحرية والانعتاق ويبني معايير لكيفية ازالة الظلم والغبن الاجتماعي ومظاهر التفرقة والتمييز وسيطرة القطط السمان على مفاصل الاقتصاد وانحدار الوضع الاقتصادي الى مرحلة لم يشهدها من قبل ووجود سوقين للعملة كاش ونقدا
انه مقال يسطر لوحة رائعة لوطن قادم من خلف حجب القهر والذل والمسغبة تبحر به وتقود دفته اشواق وامنيات شباب المستقبل ابحارا لمرافئ دافئة آمنة ستتذوق طعم جمالها وصفاء نسيماتها وعمق ملامحها الاجيال القادمة
انه جيل يرسم بعز وشموخ ويحدد بمعايير منهجية دقيقة كيف يحكم السودان وليس من يحكمه أنه جيل ثائر منتفض اسقط الطائفية والجهوية والعنصرية البغيضة من حساباته تماما وكيف لايكون ذلك وهتافاته الداوية (ياعنصري ومغرور كل البلد دارفور) جيل لفظ الحزبية والعقائدية ولايعرف شيئا عن حزبي الامة والاتحادي الديمقراطي والسيدين الجليلين الامام الصادق المهدي ومولانا محمد عثمان الميرغني او الحزب الشيوعي ولا البعثيين
نعم هو جيل يؤمن فقط بحقه في الحياة وان ينعم بالسلام والحرية والعدل والاستقرار والحصول على لقمة العيش بشرف حتى لو كانت شعارا مميزا لبعض الاحزاب اصدقك القول ان هذا الجيل الثائر المنتفض في شوارع ومدن وقرى السودان لاعلاقة له البتة بالشيوعية واهدافها ولايفهم في ادبياتها ولايعنيه فهمها كثيرا
ورغم انه جيل ولد في احضان الانقاذوترعرع وتربى في كنفها ولم يشاهد غيرها الا ان ماشهده خلال سني عمره الغضة من مظاهر الهوان والذل والقهر الاجتماعي والاختلاف الطبقي والتمايز الاجتماعي وهو يرى ابناء السادة والقطط السمان يتطاولون عليهم في كل شي اوجد في اعماقه شوق من نوع آخر للحرية والمجد والمساواة في الحقوق والواجبات ودولة المواطنة والمؤسسات وسيادة القانون
وبالمقابل كذلك فان بعض من الجيل المترف المنعم من ابناء الانقاذ والحركة الاسلامية والقطط السمان احسوا ايضا بمدى التفرقة والبون الشاسع بينهم وبين جيل من عمرهم حرم من ابسط مظاهر الحياة فوجدوا في الهدير الصاخب الذي ينتظم الشارع السوداني هذه الايام فرصة للانفلات من اسرهم الذي امتنع آبائهم عن الفكاك منه ووجدوا انفسهم وذاتهم بين اسواره بمقتضى شعارات لم تعد صالحة ولا تتفق في الوقت نفسه مع لغة العصر وغلبة المصالح والتنافس المحموم بين الدول والكيانات الاجتماعية والسياسية والاجتماعية والثقافية والابداعية والفكرية في سعيها للانعتاق من اسر الفكر الايدولوجي البائد العريق الذي لم يعد صالحا او متفقا مع عجلة الحياة المتسارعة وثورة العلم والتقنية والتكنولوجيا
ان الجيل العظيم من شباب وكنداكات الوطن الثائرات ومهيراته الماجدات يتطلب من القائمين على امر الوطن حاليا التصالح مع انفسهم اولا ومع اشواق وشعارات بلادهم واهلها الكرماء الطيبين سعيا لبناء وطن ينعم بالحرية والعدل والمساواة ورغد العيش الكريم لاوطن يجأر اهله بمر المعاناة ويشكون لهيب الفقر والذل والهوان والمسغبة
واعتقد ان الفرصة سانحة ومتاحة بقوة لفعل ذلك بدلا من اطلاق الشعارات الجوفاء التي لاتسمن ولاتغني من جوع والتي مل وطننا سماعها وترديدها مذ فترة ليست قصيرة وماعاد الغرض من اطلاقها في الوقت نفسه يخفى على عاقل بل زادت الهدير حراكا واشتعالا ودونكم ذلك الطفل الصغير الذي ضجت به الميديا والذي لم يتجاوز عمره الست سنوات وهو يهتف محمولا على الاعناق في غمرة الشعار تسقط بس (تسقط تسقط علي عثمان) ولا ادري من اين اتى بهذه العبارة تحديدا؟ رغم انها لم تكن من ضمن الهتافات التي صدرت من المجموعة المحيطة به بل صدرت بعفوية وتلقائية مفرطة منه فاذا كان هذا هو حال لسان اطفال الوطن الذين لم يتعدوا السادسة من اعمارهم فمبالك بجيل الوطن المسلح بالعلم والمعرفة المشرئب الى السماء لينتقي صدر النجوم لشعبنا ؟
لقد افرزت هذه التجربة الحالية واقعا جديدا وممارسة غير مسبوقة تضاف للارث الحضاري والمعرفي والمجتمعي والثوري لهذا الشعب العظيم المعلم المتفرد الذي اتمنى ان يرتقي فكر قادة البلد وصانعي القرار فيها الى مستوى تطلعاته
انه شعب رائع بالفعل جدير بالاحترام يقدم في كل يوم درسا جديدا في الوطنية وعشق التراب وحب الوطن بدون اي ايدولوجيات سياسية مسبقة او فكرية او عقائدية وليت الجميع المتهافتين لاقتسام الكعكة إن وجدوا بالفعل يدركون ذلك قبل فوات الاوان
لقد ولى زمان الاطماع والمصالح الشخصية الضيقة وحب الذات وعبادة الانا ووجب علينا في هذه المرحلة ان نمنح هذا الجيل الفرصة لبناء وطن شامخ يظل نبراسا ومفخرة تتحدث بها الشعوب والاوطان الساعية للمجد والحرية والانعتاق بدلا من اطلاق الرصاص الحي عليه وسحله واعتقاله وتعذيبه واذلاله تحت مبررات تستحي من ذكرها المفردة التي تكتب بها ولاتساوي قيمة مدادها
نحتاج في هذه المرحلة كما ذكر الكاتب المتميز بحق الى اعادة صياغة شاملة للبلد والوطن وللاخلاق والقيم والمفاهيم والمعتقدات بحيث لايبقى في جعبة اي أحد سوى السودان فقط واهله ورفاهيتهم وكيف يحكم هذا الوطن الشاسع الكبير الممتد؟ وكيف ندير التنوع المحبب الذي يذخر به شمالا وجنوبا شرقا وغربا ؟اما ماعدا ذلك فليذهب غير ماسوفا عليه الى مزبلة التاريخ
نحتاج في هذه المرحلة الى الوحدة والتكاتف والتعاضد والتراحم واعلاء شعارات وقيم الحب والتسامح والوفاء لا البغضاء والكراهية والتخوين والتكفير وشبهة التواطؤ والموامرة وكتائب الظل والقتل وسحل الرؤوس وطباعة العملة ر رب والتضخم والمعالجات الاقتصادية المؤقتةفبلادنا تسعنا جميعا بمختلف الوان طيفنا السياسي والفكري والمجتمعي
نريد حلول جذرية لمشاكل الوطن عبر ومن خلال حوار وطني هادف ومؤتمر دستوري جامع يتنادى اليه كافة الاطراف وكل ابناء السودان الشرفاء المخلصين بدون اي اقصاء او تهميش لأحد (اسلاميين وشيوعيين واحزاب وحركات مسلحة وشيب وشباب مرأة واطفال) لنتفاكر في كيفية حكم السودان ؟ وكيفية تحقيق امنيات وتطلعات اهله بعيدا عن ماأفرزته تجربة الحوار الوطني السابقة وماشابها من عوار واصابها من سهام ونقد وتجريح وطعن او على الاقل تنقيح وتجديد الدماء المستمدة من شرايين هذه الهبة الشعبية المباركة وهذه التجربة والتجارب السابقة من خلال معطيات وواقع التجربة الحالية والتجارب السابقة وكيف نستفيد من الدروس ومن التجارب