المقالات
السياسة
بضاعة الحوار الكاسدة
بضاعة الحوار الكاسدة
02-14-2019 11:51 PM

د. الصادق محمد سلمان

حتى الآن لم يستوعب النظام وحزبه إن ما حدث في التاسع عشر من ديسمبر، ثورة حقيقية تسعى لاقتلاعه، وإن الغضب المتراكم لعقود من الزمن تحول إلى موقف مبدئ منه ومن ورموزه ليس فيه منطقة وسطى، لأنه لم يكن يحس بمعاناة الناس ولم يشفع لهم صبرهم على تجبره واذاه، ولم يكن يعطي اعتبارا لما يقوله الرأي العام استخفافا به، فتمادى في غيه، لذلك لم يصدق ان ما حدث كان انتفاضة حقيقية فقد كان رموز النظام على يقين أنه لن تحدث انتفاضة لأنهم اعتقدوا أن الشعب قد استكان والذي يحدث أمام أعينهم ما هو إلا فقاعة سرعان ما تنطفئ فهم لم يحسوا بالظلم والذل والفقر والمهانة التي يعيش فيها الناس، ورغم ذلك يتحدثون عن ثورة للتعليم وهم يعلمون أن التوسع في التعليم لابد أن يكون مربوطا بالخطة العامة للتوظيف حتى لا تتفشى البطالة، فعاني الآلاف من البطالة فهاجر منهم من هاجر وهناك من خاطر منهم بنفسه بركوب البحر الهائج، اما أصحاب الإنتماء للحزب فقد تكفلوا بتوظيفهم عن طريق التمكين وتركوا البقية يواجهون المصير المجهول. يتحدثون عن تنمية مزعومة هي في الحقيقة كانت تنمية لأعمالهم واستثماراتهم من موارد الدولة ولم تكن لصالح الوطن، يتحدثون عن الاستثمار وهم يعلمون أن ما يتم ليس استثمارا إنما بيع لممتلكات ومؤسسات وأراضي الدولة ، وعندما يتحدثون عن دعم الشرائح الضعيفة فإنهم يتحدثون عن الشرائح التي تنتمي إليهم وليس عامة الشعب، لذلك وعندما اندلعت الثورة كانوا لا زالوا يعيشون في حبال خداعهم وكذبهم التي نسجوها وظلوا ينكرون على الشعب وفي مقدمتهم الشباب القدرة علي الثورة. وبعد استمرار الثورة التي كانوا يراهنون على أن الافراط في العنف كفيل باخمادها في مهدها ،و بعد أن وجدوها تزداد لهيبا وتمددا كل يوم، لجأوا للمناورات، فبدأوا يروجون لمقولات يستهل بها كل من يتحدث من قيادات الحزب والحكومة حديثه بها، من شاكلة أن الذين خرجوا إلى الشارع من حقهم الاحتجاج السلمي! وطالما الأمر كذلك فلماذا القتل والضرب والاعتقال.؟ وللمفارقة نفس هؤلاء الذين يتفوهون بهذا الكلام كانوا في الأيام الأولى بعد تفجر الانتفاضة يتحدثون بكل صلف ،عن ثورة هؤلاء الشباب وأنهم من شذاذ الآفاق والمخربين، ولكنهم الآن يدعون هؤلاء المخربين للحوار ، ويبدو انهم لم يدركوا حتى الآن أن هذه الثورة تختلف عن غيرها من الثورات التي حدثت من قبل. وكما هو معلوم أن الأعمال القبيحة تنفر الناس من فاعلها ، فالفظاعات التي ارتكبتها الإنقاذ خلال الثلاثين عاما الماضية هي التي اوصلت الناس الي نقطة اللاعودة، حيث لم يعودوا يبالون بما يمكن أن يحدث لهم ، وفي هذا المنعطف كتب تاريخ جديد يفصل بين فترتين متمايزتين، يفصل بينهما يوم وأحد هو التاسع عشر من ديسمبر فما بعد هذا التاريخ حدث تغيير كبير وعميق في النفوس والإرادة ، وتغلغلت روح هذا التغيير لدرجة عميقة، ولم يعد الناس يلتفتون لأي وعود أو تصريحات تصدر من أي مسئول أيا كان، والحوار الذي يدعو له النظام الآن، أصبح بالنسبة لهم بضاعة كاسدة لا تجد من يشتريها، فتجربة ما يسمى بالحوار الوطني التي زادت من وتيرة التدهور في البلاد ولم يكسب منها الوطن شيئا لا تزال مماثلة أمامهم.

[email protected]





تعليقات 0 | إهداء 0 | زيارات 279

خدمات المحتوى


د. الصادق محمد سلمان
د. الصادق محمد سلمان

مساحة اعلانية




الرئيسة |المقالات |الأخبار |الصور |راسلنا | للأعلى


المشاركات والآراء المنشورة في صحيفة الراكوبة سواء كانت بأسماء حقيقية أو مستعارة لا تـمـثـل بالضرورة الرأي الرسمي لإدارة الموقع بل تـمـثـل وجهة نظر كاتبيها.
Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.
Copyright © 2025 alrakoba.net - All rights reserved

صحيفة الراكوبة