المقالات
السياسة
(يا مطر عز الحريق)
(يا مطر عز الحريق)
02-15-2019 01:46 AM

(1)

قبل حوالي عام، كتبنا في هذا المكان، مشيرين إلى ما كان يكتبه في ذلك الوقت أستاذنا الدكتور الواثق كمير، وصديقنا الأستاذ عادل إبراهيم حمد، من ضرورة إعادة النظر في الكفاح المسلح، أي مواجهة الدولة بالعنف، فكل من الواثق وعادل كان وربما ما زال ناشطاً سياسياً, وصاحب تجربة ثرة في العمل المُعارض ومهموم بقضايا البلاد ومستقبلها. هذا بالإضافة لسعة الاطلاع وتقديم الإسهام من المنفى الاختياري؛ فالناظر للغابة من خارجها يكون مدى رؤيته أوسع من المقيم داخلها، حيث كانت رؤيتهما أن العنف في السودان لم يعد ذا جدوى، وعلى المعارضين الذين يحملون السلاح أن يرموه ويتجهوا للنضال المدني، وأن العنف بالإضافة لعجزه عن التغيير المنشود نتائجه دوما عكسية، إذ تعود بالساحق والماحق على الجهات التي رفع السلاح من أجلها، وكل هذا مستخلص من التجربة السودانية.

(2)

الآن جاءت مظاهرات ديسمبر/ يناير/ فبراير، لتثبت ما ذهب إليه الأستاذان واثق وعادل، فهذه المظاهرات بدأت عنيفة في عطبرة والقضارف، وقابلت الدولة ذلك العنف بعنف مضاد، فكانت الخسائر جسيمة، وكانت كل الدلائل تشير إلى أن التظاهر لو استمر يومين على ذات المنوال العنيف، فسوف تلحق هذه الهبة بهبة سبتمبر 2013؛ ولكن تم تلافي الموضوع، فلما بدأت المظاهرات تنساب إلى مدن السودان الأخرى، كان طابع السلمية مسيطراً عليها، ومع ذلك كان هناك إفراط في استخدام القوة من جانب الجهات الأمنية، فوصل عدد الشهداء إلى العشرات، ومع ذلك احتفظت المظاهرات بسلميتها. هذه السلمية أجبرت الحكومة على تغيير ردة فعلها، فجنحت هي الأخرى إلى عدم الإفراط في استخدام القوة، ففي الأسبوع المنصرم اختفى إطلاق الرصاص الحي، واعتمدت المكافحة على البمبان، فلم يكن هناك شهداء، فإذا ما استمرت المظاهرات والوقفات الاحتجاجية على تلك السلمية، واستمر رد فعل الحكومة على استخدام القوة المعقولة دون إفراط (بمبان بدون ذخيرة حية)، ستكون الأمور أقرب إلى النضج وسوف تتطور الأمور بصورة أسرع، وستكون النتائج في غاية الإيجابية بالنسبة لعموم الوطن؛ فالتغيير السلمي سوف يُفضي إلى بديل سلمي يتحكم في العقل، وليس العاطفة. بعبارة أخرى إذا (سقطت بس)، ستكون الفترة الانتقالية أقل إقصاءً وأعمق رؤيةً وأكثر وعداً، طالما أن الذهاب كان سلمياً. أما إذا (قعدت بس)، فسيكون القعاد أكثر ميلاً للتسوية، وأقل انتقاماً. وبالمقابل إذا (سقطت بس) بالعنف أو (قعدت بس) بالعنف، ستكون النتائج وخيمة. بعبارة ثالثة سلمية هذه المرحلة سوف تُفضي إلى سلمية المرحلة القادمة. أما إذا حدث جنوح نحو العنف في هذه المرحلة من الصراع، فإن البلاد موعودة بفظائع في المرحلة التالية.

(3)

لكل الذي تقدم، دعونا نبتهل إلى الله أن تنتهي الأمور في السودان بسلام وسلمية، وأن تكون المرحلة القادمة كيفما كانت مرحلة سلام، فإذا حدث هذا ستكون بلادنا قد طوت صفحة من العنف لازمتها منذ أغسطس 1955، واستمرت إلى ديسمبر الأخير. ولعل في هذا فرصة للإمساك بهذا المكتسب السياسي الجديد وتثبيته في دستور البلاد، ليخرج العنف إلى الأبد من ثقافتنا ومن ممارساتنا لتنطلق بلادنا بكل قواها نحو السلام والتنمية والعدالة والحرية، كما حدث لرواندا والكثير من الدول التي ركلت العنف وطارت بأجنحة من سلام.

السوداني





تعليقات 3 | إهداء 0 | زيارات 839

خدمات المحتوى


التعليقات
#1813280 [MANSOUR.MOHAMED.AHMED]
0.00/5 (0 صوت)

02-16-2019 07:37 PM
الاخ الدكتور، تحية طيبة. لم يكن الانسان السوداني في اي مرحلة زواقا للدم . ولا يلجأ للعنف في معاملاته. ولكن و امام كل العالم جاءت الانقاذ عطشى للدم منذ اول يوم لها في الحكم. و شعارها تخويف الناس.
لم تعرف يوما ان"من يعش بالسيف يموت بالسيف"
ان اللذي يحكم السودان الان عصبة لصوص . وكل اللذين ناضلوا من اول يوم بالتي هي احسن كان مصيرهم الموت تعذيبا.
فالشهداء اللذين اغتيلوا في عهد الانقاذ هم اللذين اضاؤا لنا الطريف بدمائهم الذكية و اقل شي يجازون به هو القصاص العادل امام قضاء لهم الزمة النظيفة و المعرفة الكاملة بالقانون . و الاهم يعرفون معنى العدل.
الموت لاعداء الشعب ، قتلة مجرمون. لهم سوء الخاتمة و بئس المصير.


#1813106 [Ask Aristotle]
0.00/5 (0 صوت)

02-15-2019 10:18 AM
يا د. البوني أنا عندي ملاحظة عن الشخصية السودانية النمطية مثلاً إذا كان المواطن عمر ود البشير مواطنا عاديا يجلس على كرسي حافلة مواصلات مليئة بالركاب ثم صعد مواطن اسمه الصادق ود الصديق إلى الحافلة ليركب ولكن لم يجد مقعدا فرآه المواطن عمر ود البشير فقام له من المقعد وبدأ يحلف ويطلق (عليّ الطلاق تركب.. أنا قلت عليّ الطلاق تركب) فركب المواطن الصادق مع إحساس ممزوج بالحرج والامتنان حتى وصلت الحافلة محطة الحوش فنزل المواطنان فشكر الثاني الأول ورد الأول على الثاني بعبارة (على إيه ياخي.. حاجة بسيطة لو ما شالك كرسي الحافلة يشيلك راسنا الكبير دا). طيب يا د. البوني تعال للكلام الجد: لماذا لا يصبح الحلف والطلاق سمة من سمات الشخصية السودانية الأريحية عندما نأتي للقعاد في كرسي سراي الحاكم العام المواجه للنيل؟ هل تتجزأ الأريحية السودانية والكرم السوداني؟ أم أن الحالة الأولى هي نفاق يتلبس الشخصية السودانية؟ أعطنا الإجابة يا بوني ولك عشر درجات وإذا لم تستطع فاسأل أرسطو.


#1813094 [Abu ali]
0.00/5 (0 صوت)

02-15-2019 08:45 AM
يسلمك يراعك يابروف دمت زخرا لهذا الوطن


عبد اللطيف البوني
عبد اللطيف البوني

مساحة اعلانية




الرئيسة |المقالات |الأخبار |الصور |راسلنا | للأعلى


المشاركات والآراء المنشورة في صحيفة الراكوبة سواء كانت بأسماء حقيقية أو مستعارة لا تـمـثـل بالضرورة الرأي الرسمي لإدارة الموقع بل تـمـثـل وجهة نظر كاتبيها.
Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.
Copyright © 2025 alrakoba.net - All rights reserved

صحيفة الراكوبة