لا أريد ان اقلل من شأن نظام الانقاذ ولا الاستهانة بمقدرته على القمع والاستبداد فهذا أمر مفروغ منه ولكن في مواطن القوة هذه تكمن عوامل الضعف .
فلأكثر من شهرين استعمل النظام كل ما بيده من قوة باطشة ، فقتل وسجن وضرب وسحل المعارضين لم يرحم امراة ولا كهلا ولا شابا يافعا ، ولم تتوقف المظاهرات ولا الاحتجاجات وفي كل يوم يتفاجأ النظام بأسلوب جديد في فن المعارضة ، والشباب والكل مصممون أن لا رجعة إلا بعد سقوط النظام .
فمن هذه الناحية أفلس النظام تماما ، ولم يعد الناس يخافون الموت والبنبان أصبح عندهم عطرا يوميا ولعبوا بالتاتشرات وجعلوا عساكر الامن أضحوكة العالم .فأضافوا لصفاتهم الجبن والخور ، وعلموهم معني الشجاعة والنخوة . على الأرض هناك سيمفونية تعزف الان بأيدي الشباب الثائر .
من الناحية الاعلامية أبدع الشباب على القنوات التى استضافتهم واختبأ اهل الانقاذ مكللين بعارهم بعد أن غلبتهم الحجة وأعياهم المنطق و لم يبق إلا الصادق الزريقي الذي اصبح محتارا لايدري ما يقول بينما لا نرى ولا نسمع اي مسؤول له وزن في النظام يتكلم أو يدافع عن نظامه ولهم العذر فماذا سيقولون وكل من جرب المناظرة انسحب خائبا . الملعب الاعلامي ملك تماما للشباب الثائر أمثال ذو النون والشاب عيسى وغيرهم من حراس اعلام الثورة الاشاوس قوة في الحجة وترتيب في الافكار ووضوح في الرؤية . بكل اللغات واللهجات الجميلة الحلوة من اقصى الغرب الحبيب لاطراف الشمال والشرق والجنوب ، سودان واحد موحد بمختلف سحناته وألوانه البراقة .
لن يصمد النظام وقد أفلس تماما ، وعراه الشباب من ورقة التوت التي يتغطى بها لم تعد حججه وفزاعاته تخيف أحدا . وسقط قناعه الديني تماما وأصبح مكشوفا أمام نفسه وأمام العالم ومن المعلوم أن النظام الان يحتضر وأنه على مشارف السقوط .
لا نقول ذلك اعتباطا فليس هناك دولة في العالم مهما كان غناها تستطيع ان تتحمل هذا الصرف الاستنزافي الذي تقوم به على الآلة الامنية من مرتبات وحوافز وبترول وفي الجانب الاخر لابد من توفير الدقيق والبترول والسيولة في البنوك حيث اي نقص فيها او محاولة لرفع اسعارها يعتبر ضربا من الانتحار السريع وتسريع وتيرة الثورة ومدها بوقود يزيدها اشتعالا .
الانقاذ في وضع لم تكن تحلم به في أشد كوابيسها رعبا . لم تمر بها ضائقة كهذه طيلة ثلاثين عاما من حكمها . لأول مرة يفلت الزمام من يدها فتصبح محاصرة وضعيفة وخائرة .
ولأول مرة تعجز حتى عن المناورة والافلات من القبضة الحديدية للثوار ، حتى أصدقائها أصابهم الشلل ولم يستطيعوا مد يد العون لها ، فالوضع ميؤس منه تماما .
وحالهم كوصف الشاعر :
وإذا المنية أنشبت أظفارها ألفيت كل تميمة لا تنفع
والوضع يزداد سواءا يوما بعد يوم ، وتضيق الحلقة ساعة بعد ساعة والقوم حار دليلهم ، ولا أدل على هذا الوضع البائس من هذا الخرس الذي أصابهم وخلو أدمغتهم من أي أفكار أو حلول يطرحونها ، عجز ضرب مواطن القرار فيهم وهونفس الفشل الذي أصاب المايويين بعد موكب الردع الشهير الذي لم تقم لهم بعده قائمة .
هذا الوضع لن يمكن اي حكومة مهما كانت من الاستمرار فهي بالمقاييس السياسية والاقتصادية في حكم النهاية ، ويمنعهم الخوف من الاعتراف بالواقع لذا سيتشبثون بالسلطة لأطول مدى ممكن يحلمون بمعجزة تنقذهم وفاتهم أن عهد المعجزات قد ولى .
السقوط المدوي مسألة وقت ليس إلا ، والثورة نفسها طويل وهي لا زالت فتية ، و مقدرة الشباب على الصمود كبيرة ولو استمر الحراك شهورا أو سنوات كما قال الشاب الثائر ذو النون وهذا الكلام هو الذي يرعب النظام فهو يراهن على وهن وضعف الثوار ولا يعلم أن سلاح الوقت ضدهم تماما ، وفي غضون شهر من الآن لن يجد النظام ما ينفقه ويسير به آلته القمعية وفي غضون أسابيع لن يجد المواطن لا الخبز ولا البترول ولا المال حتى . وستعجز الدولة عن الايفاء بالمرتبات للعاملين فيها بحلول الشهر الرابع من الثورة .
وعندها يتحدث مفارقات لا تخطر على بال أحد ، وتداعيات لا يتخيلها أحد فقط على الثوار الحفاظ على زخم الثورة وقوتها وسيسلمونكم البلد مرغمين بل سيترجونكم أن تستلموها منهم لكن بشرط واحد سلامتهم الشخصية التي لن تجد من يضمنها لهم .
لن تنفعهم عودة الحرس القديم نافع وعلى عثمان ولن ينفعهم التعديل الوزاري ، بل سيزيد هذا التحرك من تصميم الثوار على اقتلاع هذا النظام وستترسخ القناعات بأن لا فائدة ترتجى من هكذا نظام .
المشاركات والآراء المنشورة في صحيفة الراكوبة سواء كانت بأسماء حقيقية أو مستعارة لا تـمـثـل بالضرورة الرأي الرسمي لإدارة الموقع بل تـمـثـل وجهة نظر كاتبيها.