المقالات
السياسة
مابعد السقوط (3): ايجابيات الكفاح طويل الأمد
مابعد السقوط (3): ايجابيات الكفاح طويل الأمد
03-03-2019 01:56 AM

يتخوف بعض الحادبين على مصير الثورة من أنه على المدى الطويل ربما يحدث مايؤدى لانتكاسها عن هدفها الاخير : اسقاط النظام واقامة البديل الديموقراطى .غير ان القراءة المتمهلة لماحدث خلال الثلاثين سنة العجاف من ناحية هو الذى يجعلنى ، من الناحية الاخرى انتظر دورا ايجابيا لهذا المدى ظهر بما لايترك مجالا للشك فى الانتصار وتحقيق الهدف المذكور . يمكن تلخيص ذلك فى جملة واحدة : الوعى الذى تجلى فى كشف كل محاولات اللف والدوران وارجاع العقرب الى الوراء ، مماأدى الى اكتساب الثورة بعدا جديدا كل يوم .

لقد كانت انتفاضات 1964 و1985 لا تترك لتصل الى اهدافها التى تعلنها شعاراتها بسبب مشاركة القوى التقليدية ،فى مرحلة ما ، فى وضع النقطة الاخيرة فى حروف الثورة ، فتكتسب بهذا دورا يؤهلها الى المشاركة بالقدر الذى يسمح لها باستخدام ارصدتها التقليدية وسط الجماهير والقفز على كراسى السلطة ، ثم " العواسة " بالطريقة اياها فينفتح الباب أما دكتاتورية جديدة . وكما ذكرت فى مقالاتى السابقة تحت هذا العنوان ، فان الوضع يختلف هذه المرة . ومن الواضح من مشاركات بعض ممثلى النمط التقليدى فى النقاش الدائر حول المآلات بعد السقوط ، انهم يخشون تحسب صناع الثورة من تكرار تلك النتيجة ونكون فى نهاية الامر كأننا لارحنا ولاجينا ، وذلك من خلال مقترح فترة انتقالية طويلة . فلم ير اولئك النقاد التقليديون فى هذا المقترح غير خشية صناع الثورة من سرعة مجئ الانتخابات التى يخشونها لضعفهم وسط الجماهير، وكأن لجوء الاسلاميين الى الانقلاب لايعبر عن تلك الخشية بصورة عملية وأكثر وضوحا ! ولكن هؤلاء لايرون التغيرات الى حدثت اثناء تلك السنين العجاف ،والتى اشرت لبعضها سابقا على انها من حسنات الانقاذ ، ان كان لها ! وأحب ان أركز هنا على ايجابيات المدى الطويل الذى استغرقته عملية وصول الجماهير الى الشارع ، ثم اصرارها على البقاء فيه الى حين تحقيق الهدف المذكور .

ولنبدأ القصة من أولها فلابد من الرجوع الى فترة التجمع الوطنى الديموقراطى الذى رفع رئيسه شعار سلم تسلم ثم عاد ليشارك فى الحكومة . ولكن مع امتداد الزمان وظهور ماخفى على العيان انسحب الرئيس عن الحكم ، وهو موقف ربما لايضيف اليه جديد ولكنه بالتأكيد يدل على كسب ارض جديدة يقف عليها بعض قيادات حزبه من من عارضو موقف المشاركة من البداية وبعض الشباب الذى شارك فى الثورة ولكنه كان يسير معها خطوات ثم يلتفت الى الوراء منتظرا لحاق قيادته . وفى نهاية الامر فان هذا موقف لابد من ان له نتائجه فى ماسيأتى من احداث خصوصا بعد السقوط . وهناك ايضا موقف من كانوا يأملون فى الوصول الى ازالة النظام من خلال التفاوض ، وهو موقف لا يدعو للشك فى النوايا الحسنة لمتخذيه والدليل انهم تراجعوا عنه عندما اتبعوا ماقادتهم اليه الحجة ، على قول سقراط . وهو الموقف الذى أكسب الثورة ارضا كانت تفتقدها لزمن طويل : وحدة فصائل معارضة اساسية. واستمرارا للمكاسب التى جاءت من مواقف داخلية ،فانه لابد من ذكر المواقف المترددة بل والمتراجعة لبعض قوى النظام الاساسية فى دعمه ، وذلك مثل موقف حميدتى الذى اظهر من الذكاء غير المتوقع ماجعله ينأى بنفسه ، ولو زعما ، عن التصدى للمظاهرات فى مرحلة مبكرة ، وكذلك تصريحات وزير الداخلية من الحزب المنسحب مؤخرا ،بحق المتظاهرين فى مايطالبون ، وأغرب من كل هذا ماجاء فى مخاطبة مدير جهاز الامن لأمنجيته فى ان يحافظوا على التقاليد السودانية ( ربما فى الضرب الفنى بالسوط !) وخصوصا فى معاملة النساء ، وان الامن يدعو للتسامح ..الخ . ثم تصريح نائب الرئيس الجديد بأن الطوارئ فرضت لمحاربة الفساد وليس لمطاردة المتظاهرين . وبالطبع فان كل هذه الاقوال وغيرها مما تعلمون ليس لها ما يؤيدها من المصداقية على الارض ، ولكنها تدل فقط على "جهجهة" من يعتقدون انهم ممسكون بزمام الامور ، وهم فى واقع الامر لايمسكون حتى بذيلها !

أما بالنسبة للخارج فان الامور تسير ، وان كان بشكل ابطأ ، فى نفس الاتجاه الذى سلكته على أيام المرحوم " الربيع العربى " : موقف متردد فى البداية حتى يظهر اتجاه الريح ، ثم الميل قليلا قليلا فى اتجاه المنتصر ، ثم الضغط على منتهى الولاية حتى التسليم ، غير ان الوضع يختلف من وجهة نظرنا فى الحالة السودانية ، وهو مانوهنا له فى مقالاتنا السابقة، من ان الخارج لا يضع فى اعتباره ذلك الاختلاف ، اما لاعتقاده ان " كله عند العرب صابون"، او لانه يظن امتلاكه من ادوات الضغط مايمكنه من التوجيه الى الهدف الذى يريد. ومن ناحية اخرى ، ولأن السودان ليس له من الاهمية ما لقضايا أخرى أكثر سخونة فى الوقت الحاضر ، فان الموقف منه يتصف بذلك البطئ الذى لاحظنا . ولكن ، ولأنه مهم جدا على المدى المتوسط لخطورة موقعه الجغرافى ووضعه المواردى ، فقد بدأ الالتفات الى مايحدث فيه يتسارع عند نهاية الشهر الثانى من المظاهرات وذلك لاسباب كثيرة نعتقد ان أهمها هو توازن القوى على الارض وميله لجانب الشارع كما أوضحنا فى الفقرات الماضية.

الادلة على ذلك كثيرة ايضا : نذكر منها موقف الترويكا الاوروبية بالاضافة الى كندا . والموقف المنفرد للولايات المتحدة المعبر عنه بواسطة لجنة العلاقات الخارجية بالكونجرس، اضافة الى الدراسات التى تشترك فيها معاهد بحثية وجامعات ، مستطلعة رأى بعض الامريكين من أصل سودانى . ثم الدربكة الاقليمية التى جعلت رئيس النظام لايستطيع الاستقرار على جهة مقابل الاخرى ، وبالتالى لايؤكد الثقة لأى منهما بالمستوى الذى يجعل الطرف المعين يقدم من العون للنظام مايمكنه من البقاء على الاقل لحين اجتماع المجلس الوطنى ليقرر فى امر تمديد فترات الرئيس ! وهنا قد يفيد تطاول الزمن ليكشف للجماعات الاقليمية بانهم ينفخون " قربة " مخرومة . وآخر الادلة موضوع تاجير ميناء بورتسودان الذى مثلت فيه العمولات حوالى خمس اضعاف قيمة ما دخل خزينة الدولة من القيمة الايجارية. وعليه ، فبالقياس ، اذا افترضنا ان البلد تحتاج معونات بقيمة عشرين مليار دولار لتتخطى مايسمى بالازمة الاقتصادية ، فان الذى يجب ان يقدم يجب الا يقل عن مائة مليار ! والله أعلم . وأخيرا فان رأى المجتمع السودانى بأطفاله ، هو ان الحل "تسقط بس"وسيتضح لمن يحاولون ابقاءه واقفا ، ربما فى ضحى الغد ، انهم يحاولون المستحيل . والزمان المتبقى،القليل جدا ، بيننا !

عبدالمنعم عثمان
[email protected]





تعليقات 0 | إهداء 0 | زيارات 514

خدمات المحتوى


عبدالمنعم عثمان
عبدالمنعم عثمان

مساحة اعلانية




الرئيسة |المقالات |الأخبار |الصور |راسلنا | للأعلى


المشاركات والآراء المنشورة في صحيفة الراكوبة سواء كانت بأسماء حقيقية أو مستعارة لا تـمـثـل بالضرورة الرأي الرسمي لإدارة الموقع بل تـمـثـل وجهة نظر كاتبيها.
Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.
Copyright © 2025 alrakoba.net - All rights reserved

صحيفة الراكوبة