القيادة في الأوقات المضطربة
03-16-2019 02:08 PM
هل يصنع الزمان القائد أم أن القائد هو الذي يشكل الزمان ؟ كيف للقائد أن يؤثر في حياة الناس وقيادتهم إلى حياة ذات قيمة ومعني ؟
وقع في يدي قبل اسبوع كتاب للمحاضرة في جامعة هارفارد الاميركية دوريس كيرنز غودين تحت مسمي " القيادة في الأوقات المضطربة Leadership in turbulent times " والذي يبحث في أربعة أنواع محددة من القيادة وهي: القيادة التحولية ، إدارة الأزمات ، إعادة الهيكلة والرؤية الثاقبة البعيدة.
تتبعت الكاتبة التطور في مهارات القيادة في حياة أربعة رؤساء أمريكيين هم إبراهام لنكولن ، ثيودور روزفلت ، فرانكلين روزفلت وليندون جونسون وهم أكثر الرؤساء الذين قادوا الولايات المتحدة في الأوقات العصيبة والمضطربة. وشرحت كيف تعامل هؤلاء الرؤساء الأربعة مع أوقات مضطربة مروا بها، واستخلصت من ذلك بعض العبر والمبادئ التي قد تفيد القادة اليوم سواء ان كانوا في مجال الأعمال أم السياسة.
تشرح غودوين شخصية اولهم وهم إبراهام لنكولن وتصفه بأنه كان يتميز بالذكاء العاطفي ، فقد كان رجلا متسامحا لكنه كان قاسيا لا يرحم فيما يؤمن به. كان واثقا من نفسه ومع ذلك كان متواضعا. كان يتميز بالصبر والعناء لكنه كان جلدا ومثابرا في متابعة الأمور. لقد أظهر لنكولن قدرات استثنائية في امتصاص الرغبات المتناقضة في مجلس وزرائه خاصة بعد اعلان إدارته عن قرار تحرير العبيد في كافة الولايات الأميركية في عام 1863م الذى ووجه وقتها برفض كامل خاصة من الولايات الجنوبية التي تحدت القرار واعلنت الانفصال من الولايات المتحدة. وعلي الرغم من الهزائم والانكسارات التي تعرضت لها جيوش الحكومة الفيدرالية في البداية إلا انه استطاع إعادة الثقة والإيمان إلي الأمة ودحر الحركات الانفصالية والانشقاقات الداخلية والمحافظة علي كيان الدولة وازدهارها.
ثم تنتقل إلي الرئيس الثاني ثيودور روزفلت الذي واجه الإضراب الكبير لعمال الفحم في عام 1902 والذي كاد أن يعصف بالاقتصاد الأمريكي، وكيف تمكن من إدارة تلك الأزمة بطريقة ذكية، كما استطاع التصدي لكبار رجال الصناعة الأمريكيين. فقد واجه جيل من أباطرة المال الأقوياء، مثل كارنيجي وفاندربيلت وعمل على مواجهتهم ، كما عمل علي تفكيك إمبراطورية روكفلر النفطية، ونظم السكك الحديدية، وقلص من حجم مصرف جيه بي مورجان الأسطوري وأعطاه مكانه الصحيح داخل منظومة الاقتصاد. وإضافة لمكافحته الاحتكار، وسع روزفلت بشكل ملموس الحماية الفيدرالية للأراضي الشاسعة غير المأهولة من البلاد التى كانت مواردها نهبا ومطمعا لرجال المال الأقوياء.
أما ثالث الرؤساء فهو فرانكلين روزفلت وهو رغم اعاقته الجسدية وتنقله علي كرسي متحرك طوال فترتي رئاسته فقد استطاع قيادة الولايات المتحدة بسلام في فترة الكساد العظيم في الثلاثينات وبني تحالفا دوليا مع بريطانيا اثناء الحرب العالمية الثانية استطاع هزيمة النازية والفاشية كما وضع خطة مارشال والتي اعادت بناء أوربا بعد أن دمرتها الحرب وبذلك ضمن تفوقا دوليا للولايات المتحدة ما زالت تتربع علي قمته.
تنتقل الكاتبة إلى الرئيس لندن جونسون وهو الرئيس الرابع في الكتاب، وجونسون هو من اعتمد التشريع الخاص بالحقوق المدنية عام 1964م وهي الخاصة بمساواة السود في الحقوق، معتبرة أن هذه المبادرة عبّرت عن بعد نظر وبصيرة ممتازة، كان يتمتع بها الرجل. مع ذلك تشير الكاتبة إلى ارتكابه خطأ قاتلا في الحسابات عندما تعلق الأمر بحرب فيتنام، وهو ما يضعه في المرتبة الرابعة مقارنة بالرؤساء الثلاثة الآخرين الذين ضمنت كتابها تجربتهم.
تشير الكاتبة إلى أن تجارب هؤلاء الرؤساء كما تراها لا تعتبر مصدر إلهام للرؤساء الجدد فحسب، بل للأمة بشكل عام، لأنها تحولت إلى أشبه ما تكون ببوصلة معنوية تقود الآخرين، وتضع أمامهم مبادئ التعامل الإنساني،
ووجوب تحديد الأهداف ثم التفكير بطريقة حكيمة للعمل علي تحقيقها.
وخلصت إلى القول إن المرء لا يولد زعيمًا، لكنه يملك بعض الصفات التي تتحول إلى قدرات قيادية عند مواجهة ظروف عصيبة وصعبة تؤثر على حياته وتنسف كيانه وتبدد أحلامه، ولكن الزعيم الحقيقي ينجح دائمًا في النهاية في الخروج من الأزمات صلبا قويًا، ويترك بصماته واضحة على مجري التاريخ والتجربة الإنسانية.
[email protected]
|
خدمات المحتوى
|
د. محمد سيد أحمد ساتي
مساحة اعلانية
الاكثر مشاهدةً/ش
الاكثر تفاعلاً
|