في الربط بين ثورة الوعي وأسباب عنف الأجهزة الأمنية
03-17-2019 12:56 AM
رغم أن ثورة 19 ديسمبر قد انطلقت بعنف وبدت للمراقب في البداية كأنها ثورة جياع..كونها قد انطلقت على خلفية أزمات الخبز والوقود. (وهو قول ما زال يتردد في وسائل الإعلام العالمية ).وكان من مظاهرها إحراق مقار الحزب الحاكم. إلا أنها سرعان ما أخذت وجهتها كثورة شبابية سلمية ينظمها الشباب المعبر عن رغبته في التعبير عن تطلعاته المجسدة في شعار( حرية سلام وعدالة..والثورة خيار الشعب) والتي يراه شعاراً غير قابل للتطبيق في ظل وجود النظام ..ما أبدع شعار( تسقط بس ).ولولا ذلك ، لانطفأت جذوتها منذ البداية وقمعت تحت مسمى المخربين ، كخطوة أولى لإضفاء الشرعية على القمع واستخدام السلاح لإطفائها، كما تتحسب جميع النظم الدكتاتورية الشمولية.
لكن اللافت والذي تلقاه الثوار بالحيرة الشديدة، وربما صار عصي التصور وعسير الهضم والفهم، هو استمرار النظام وأجهزته الأمنية في القمع الشديد واستخدام العنف المفرط . حتى بدت التساؤلات المشروعة الحيرى عن مدى انتماء هؤلاء للسودان وشعبه أو حتى تدينهم بدين أياً كان.ذلك رغم إجبار سلمية الثورة وضغوط المنظمات للنظام على تحاشي القتل المتعمد كما في بداية الثورة . بل ومحاولة جر الثورة إلى مربع العنف عبر الاستفزاز المتعمد كما في فيديو غزوة ميدان الدرايسة كما لاحظ تجمع المهنيين عبر البث المباشر لأحد شبابه على الفيسبوك. ويمتد السؤال إلى أعمق من هذا. حيث التساؤل المشروع للكثيرين من الشباب الناشط ( أين من هم فوق الـ 45 عاماً من الثورة ؟ ولماذا يبدون كالمتفرجين وغير المبالين؟ ولماذا يتركون أبناءهم فريسة لقمع الأجهزة الأمنية ، ولا تحركهم حتى صور التعدي على حرمات البيوت ؟).
كل هذه الأسئلة وشبيهات لها ليست منطقية ومشروعة فقط. بل هي وإن بدت مختلفة فيما بينها في الظاهر، إلا أنها في الواقع حزمة واحدة لا فكاك بينها.وربما كان أفضل من تناول هذه الظاهرة هم علماء النفس وأدقهم الدكتور مصطفى حجازي. ووفقاً لتحليله.فإن كل ذلك مرده إلى سايكولوجية الإنسان المقهور. والسودان ‘ ملئ بكل صور قهر المجتمع للفرد .بداية من القبيلة وقساوة الضعف أمام العوامل البيئية الطبيعية والقهر باسم الدين . لكن أكبر صور القهر يتمثل في قهر المرأة. وكل ذلك مربوط بصور الاستغلال الاقتصادي.المتدرج حتى الوصول إلى المستعمر أو المستغِل الخارجي. والكل يمارس القهر على غيره . لكن الأنكى والأغرب، على نفسه. فتطاول العيش في ظل القهر، هو الذي يصنع الإنسان المستكين لقاهره ويرضخ لقوانين قهره . والمستحق للتحرير من القهر ، يتحول في فترات إلى أكبر العقبات أمام التغيير.لذلك كان طبيعياً جداً تماهي الأمن مع القهر واستجابته لرشوة النظام بزيادة الرواتب والحوافز اليومية.فهم وإن بدوا قاهرين ظاهراً ، إلا أنهم مقهورون مخبراً. ولاحظ تبريرهم لذلك عبر أنهم إنما مأمورون ومجبورين على القيام بذلك. واقرأ بجانب ذلك رضوخ الكثيرين من الكبار والموظفين ،للمفارقة ، خوفاً على راتب يعلمون أنه لا يقيم أودهم.ويدعون للصبر على نظام خبروا أنه لا رجاء منه.
في ظل هذا يبرز الجيل الرافض لكل صور القهر من النظام أو المجتمع بكباره. وهذا هو سر صموده . لكن الظاهرة الأهم ، هي غلبة العنصر النسائي. المعروف في المجتمعات المقهورة بأنها المحافظة القوية على قوانين قهرها . والتي تنقلها بصرامة لبناتها.فهي من ترضعهن شروط العيب وشكل السلوك. ويمتد حتى الاصرار على الختان لبناتها الذي يمثل أبشع صور القهر.لذلك ، لا غرابة أن تكون مبادرة لا لقهر النساء من ضمن الموقعات على إعلان الحرية. إن مجتمعاً يعاني من ثقافة العنف خاصة ضد المرأة ، ليس غريباً عليه استنكار تمردها ، وعدم الثورة على من يمارس العنف المفرط ضدها لمقاومة ذلك.
أصل إلى ثلاث خلاصات مريرات . أولاها أن عبء الثورة في جزئه الأكبر، سيظل على كاهل الشباب. والثانية أن المرأة ستكون صاحبة الفاتورة الأكبر لدفعها لكنها المتطلعة الكبرى لنجاح الثورة في قطاع شاباتها. أما الثالثة ،فإن الواقفين على الرصيف ، سيكونون أكثر الناس مطالباً حال إنجاز الثورة !!! والتي لا محالة منتصرة بحوله تعالى.
|
خدمات المحتوى
|
معمر حسن محمد نور
مساحة اعلانية
الاكثر مشاهدةً/ش
الاكثر تفاعلاً
|